السلاطين العثمانيّون شعراء وصيّادون

السلاطين العثمانيّون شعراء وصيّادون

15 مارس 2014
+ الخط -

كتاب  تاريخي يكسر الصور النمطية عن السلاطين العثمانيين
مراد الثاني أول الشعراء والفاتح عاشق الخرائط

"الصورة النمطية لسلاطين بني عثمان، التي تقتصر على تصويرهم كقادة عسكريين وسياسيين وتبتعد عن بعض جوانبهم الإنسانية، ليست هي الصورة الكاملة أو الدقيقة لهم، فمن المعتاد أن تتبادر الى أذهاننا عند ذكر السلاطين العثمانيين صورة القادة العسكريين المستلين سيوفهم في ساحات الوغى، والقادة السياسيين المجلجلة أصواتهم... وبذلك نظن، عن خطأ أو صواب، أن جوانبهم الإنسانية قد أُقصيت عمداً من كتب التاريخ".

هكذا تحدث الكاتب التركي مصطفى أرمغان في كتابه الذي ترجم الى العربية بعنوان: "التاريخ السري للإمبراطورية العثمانية.. جوانب غير معروفة من حياة سلاطين بني عثمان"، ويهدف من ورائه الى تغيير الصورة النمطية السائدة عن السلاطين، والتي تظهرهم وكأنهم لا يبكون ولا يضحكون ولا يفرحون ولا يحزنون، وهي التي جعلتنا نلقي الضوء على جوانب غير معروفة.

"لقد تحول السلاطين العثمانيون، في كتب التاريخ، إلى رجال آليين ليست لديهم أي حياة شخصية خارج "حرم القصر". هذه المعطيات الشائعة هي السبب في عدم شعورنا بذلك الدفء الإنساني نحوهم، وهو الذي يفترض أن يجذبنا إليهم".

"من الطبيعي أن تكون لأولئك الأشخاص حياة عاطفية وإنسانية، أي أنهم يصابون بالصداع وتطول أظفارهم وتنخر أضراسهم ويتضايقون ويعشقون، ويظهر ذلك بجلاء في رسائل الغزل التي كتبها السلطان عبد الحميد الأول لجاريته روهشاه، فقد أظهرته تلك الرسائل كمَن يعرف كيف يسكب عواطفه السرية في سطور ملتهبة".

ويقول أرمغان: "لا يمكننا تفسير انشغالهم بالحملات والفتوحات على أنه وسيلة لتهدئة قلوبهم فقط، فليس سراً أن بعضهم سعى لتهدئة قلبه بإشغال نفسه بالموسيقى والشعر أو بالصيد والفروسية أو المصارعة أو بالنجارة وصناعة الحليّ أو ببعض الحرف النسوية كالخياطة والتطريز، ولكن هذه الامور أُخفيت عمداً أو سهواً من كتب التاريخ".

وفي مجال آخر، قال: "هناك تقليد يقضي بتدريب كل رجل من رجال الأسرة المالكة العثمانية تقريباً على مهنة يدوية أو فن جميل أو أكثر. يُوَجَّه كل الأمراء العثمانيين، منذ الصغر، الى مهن. عاش التقليد الإسلامي والتركي، الذي يفرض على كل فتى تعلُّم مهنة أو فن يكسبه معيشته إذا لم يحالفه الحظ في الحياة، قروناً في عقلية الاسرة المالكة وتم تطبيقه على أرض الواقع".

"يدّعي المؤرخ إسماعيل هامي ضانيشموند أن السلاطين كانوا يحققون دخلاً من ممارسة مهنهم، فيقول: "كانت تلك الأعمال اليدوية التي تؤمِّن للسلاطين نفقاتهم الشخصية تباع للدولة أو لأركان القصر أو يتهافت عليها الزبائن في الاسواق".

ويتحدث عن عدد من السلاطين، مورداً بعض صفاتهم وهواياتهم، يقول: إن السلطان مراد الأول (1361 ـ 1389) عرف عنه تعلّقه بالصيد شأنه شأن كثير من السلاطين العثمانيين، وقيل إنه كانت لديه كلاب ذات سلاسل ذهبية وفضية وكانت صقوره هكذا أيضاً.
 أول الشعراء

وتحدث عن بيازيد الصاعقة (1389 ـ 1402)، الذي وصف بأنه أول الشعراء، فقال إنه عُرف عنه حبه الجم للصيد، وقد قام بتأسيس هيئة كبيرة العدد مختصة بالصيد ومنحها مكانة رسمية في بنية الدولة. وكان مصارعاً وماهراً في استخدام السلاح وركوب الخيل. وتفيد المصادر أنه كان ينظم الشعر، وتميّز بإلقائه الجدي للشعر، ويقول الخبراء إنه استخدم مصطلحات شعبية في نظمه المكتوب بلغة بسيطة.

"ومع عهد السلطان "الحكيم" مراد الثاني (1421-1451)، بدأنا نتلقى بشائر النموذج النمطي للسلاطين. فقد كان الاستمتاع بالموسيقى والشعر ورعاية الفنانين ـ وخاصة الموسيقيين والشعراء ـ من بين الخصوصيات التي تميّز بها هذا النموذج . ويُعرف عنه وجود الشعراء العازفين في قصره، وقد استمع الى ملاحم البطولة التي ألقاها الشعراء العازفون.

وهو أول مَن اعتبر الشعر عملاً جدياً من بين السلاطين العثمانيين، وقد استخدم اسم "مرادي" الفني إسماً مستعارا له في قصائده. وكان يستمع بانتباه وتقدير الى القصائد التي تُلقى مرتين في الأسبوع حيث يجتمع الشعراء والعلماء ويُعيّن مناقشين يناقشون موضوعاً كل أسبوع. وفي عهده أيضاً بدأ تقليد منح الشعراء رواتب...".
عاشق الخرائط

بعد ذلك، يتحدث المؤلف عن السلطان محمد الفاتح "الشغوف بالخرائط، والذي كان حريصاً على قراءة الكتب يومياً، فيما كانت هوايته الأخرى، التي وصلت الى درجة الشغف، هي الخرائط... وقد أمر بترجمة كتاب "جيوغرافيكا" الشهير لبطليموس الى العربية، وكلّف أميروتزيس وابنه بإعداد خريطة للعالم".
ووجود كتابين في الموسيقى باسم الفاتح في متحف قصر طوب قاب، دليل على الاهتمام الذي أولاه للموسيقى. كما كان الفاتح أول السلاطين العثمانيين المتميّزين بشعرهم.

وقال أرمغان إن محمد الفاتح، الشغوف جداً بالفنون الجميلة، "كان يعمل في مهن متعددة مثل صناعة الخواتم الخاصة بالرُماة، وصناعة إبزيمات الأحزمة وأغماد السيوف، وهناك رواية غريبة تتحدث عن ولعه بالأحجار الكريمة، وكان ماهرا في أعمال البستَنَة التي كان يقوم بها في حديقة القصر".

أما السلطان بيازيد الثاني (1481 ـ 1512)، فقد ظهر اهتمامه بفن الخط منذ أن كان أميراً. وبفضل تشجيع بيازيد الثاني لفن الخط، دخل هذا الفن في مسار خاص على أيدي العثمانيين. كما اشتغل بالتذهيب، وهو أول مَن ذكر اسمه بين السلاطين بانه دوّن لحناً وكان ينظم الشعر بالتركية والفارسية باسم "عدني" أو عدلي.

ولدى السلطان سليم الجبار (1512 ـ 1520) ديوان شعر كامل بالفارسية وكانت لديه ميول موسيقية. أما السلطان سليمان القانوني (1520 ـ 1566)، فكان هاوياً للصياغة ومعلماً ماهراً في هذه المهنة الى حد أنه كان يعرف نماذج من الصياغة الايطالية ويطبّقها وكان ذا شاعرية عظيمة.

وكان السلطان مراد الثالث (1574 ـ 1595) شديد الاهتمام بالفن والأدب، وقد كتب أربعة دواوين بالتركية والعربية والفارسية. استخدم في الكتابة اسم مرادي. وكان شغوفاً بالكتب، وقد طلب ترجمة عدد منها.

الثقافة العثمانية الكلاسيكية "تأسست في عهد مراد الثالث. تقليد الليالي المباركة، التي نسميها قناديل، تعدّ من إنجازاته أيضاً".

أما "مُطعِّم الصدف والخطاط والرياضي"، السلطان محمود الثاني (1808 ـ 1839)، فقد كان أيضاً موسيقياً كبيراً "وهناك ستة وعشرون لحناً له وصلت الى يومنا. من ألحانه الشهيرة لحن حجاز ديوان".