اكتئاب الألمان إلى تزايد والرقص أحد مضاداته

اكتئاب الألمان إلى تزايد والرقص أحد مضاداته

23 ديسمبر 2014
الرقص لعلاج الإكتئاب في ألمانيا (فرانس برس)
+ الخط -
عندما خسر توماس وظيفته من دون سابق إنذار، لم يعرف أن والدته ستفارق الحياة في الفترة نفسها وأن زوجته ستهجره أيضاً. وفي أحد الأيام، عندما قصد كعادته حديقته ليعمل فيها ظناً منه أن أرضها ونباتها سيمتصّ حزنه واكتئابه وأن أزهارها ورائحتها ستبثان فيه بعضاً من أملٍ، كانت النتيجة أن الجيران وجدوه بعد وقت قصير مغمى عليه على أرض الحديقة. ما حصل في الواقع، هو أن شدّة التفكير والحزن شلّت حركته لبعض الوقت، بعدما وجد نفسه عاجزاً عن إيجاد حلّ للمصائب التي حلّت به.

في مثل هذه الحالات، يُحال الشخص إلى أحد المستشفيات النفسيّة لتلقي العلاج. ولأن ظروف الحياة تجعل مثل هذه الحوادث تتكرّر، لجأت ألمانيا إلى طريقة خاصة لتفادي بلوغ مواطنيها مرحلة المرض النفسي، وبالتالي توقّفهم بشكل كامل عن العمل. لذا، وفي حال تكرّر غياب الموظف عن عمله مثلاً بسبب الإرهاق أو التعب أو أي مشكلة جسديّة أخرى أو في حال انخفضت إنتاجيته أو أداؤه في العمل، يُصار إلى تحويله إلى إحدى عيادات المعالجة النفسيّة. وذلك، بعدما يقرّر طبيب الصحة العامة أن المريض لا يعاني مشكلة عضويّة.

وقد كشفت إحدى شركات التأمين الصحي في ألمانيا أن عام 2013 شهد انخفاضاً واضحاً في عدد المصابين بالإرهاق، في حين ارتفع عدد المصابين بالاكتئاب. وتتابع شركات التأمين الصحي في ألمانيا بمعظمها وضع المؤمّن عليهم وحالتهم الصحيّة الجسديّة والنفسيّة على حدّ سواء. وتُجري دراسات معمّقة لمعرفة أسباب الاعتلال النفسي، لما له من تأثير مباشر على الشركة نفسها. فكلّ مريض نفسي مؤمّن عليه، يكلّف شركة التأمين الكثير من المال.

وكانت الشركة المذكورة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، قد دفعت في خلال عام 2013 نحو 237 مليون يورو (نحو 293 مليون دولار أميركي) لمعالجة الاكتئاب فقط.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالميّة إلى أن 350 مليون شخص في العالم يعانون من الاكتئاب حالياً. كذلك تفيد المنظمة بأنه وبحلول عام 2020 سيشكّل الاكتئاب السبب الثاني لسنوات العمر المفقودة، بحسب المنهجيّة العالميّة لقياس عبء الأمراض.

وبحسب ما ذكرت صحفية "فوكوس" الألمانيّة، فإن الخوف من فقدان الوظيفة يُعدّ سبب واحدة من أكبر المشاكل النفسيّة التي يعاني منها الشباب في ألمانيا. وفي مثال على ذلك، إشارة إلى أنه في غرفة توماس في مستشفى الأمراض النفسيّة حيث يُعالج، ترقد شابة تبلغ من العمر 23 عاماً في السرير المجاور. هي أنهت دراستها، لكنها أدخلت المستشفى بعدما تبيّن أنها تعاني حالة خوف من فقدان العمل.

إلى جانب العلاج الدوائي، خضع توماس على مدى أربعين يوماً إلى علاجات فنيّة مختلفة. فصنع سلّة من القشّ ورسم لوحة صغيرة تحمل أكثر من مائة تفصيل صغير في داخلها. وقد عُلّقت مع مجموعة لوحات أخرى في بهو المستشفى. وبعدما قارب من الشفاء، دعا توماس أصدقاءه إلى مشاهدتها.

ويلفت أهل الاختصاص إلى أن مثل هذه النشاطات التي تعتمد على التركيز العالي والدقة المتناهية، تساهم في إلهاء العقل عن المشكلة الأساسيّة. فالتركيز على إنجاز شيء جميل، يُبعِد عن المرء شبح الخوف والقلق. ويقول الطبيب فرانك سوبنسكي في مستشفى تورنغن إن "على الطبيب أن يحدّد أي نوع من الفنون يناسب المريض.. الرسم أو الرقص أو الموسيقى. ويتمّ ذلك عبر مجموعة من الاختبارات".

يضيف أنهم ينظمون "جلسات علاج جماعيّة، يتحاور فيها المرضى. فنطرح موضوعاً ما للنقاش، قد يكون بعيداً كل البعد عن مشاكل المرضى الخاصة. لكن من خلال ما يطرحونه من آراء وأفكار وبتكرار الجلسات، يمكن أن نصل إلى لبّ المشكلة التي يعاني منها كل واحد منهم. كذلك، نساعدهم حتى يروا أنفسهم".

الراقصة الألمانيّة كوني تعمل أيضاً في مستشفى تورنغن، وتحديداً في قسم العلاج النفسي. تقول: "أحاول تعليم المرضى الرقص الشرقي. لماذا اخترت الشرقي، وليس رقص الصالونات الأكثر ارتباطاً بثقافتنا؟ الجواب بسيط: الرقص الشرقي يثير البهجة أكثر، وهو يخلق أيضاً مشاعر لا يولّدها أي نوع من أنواع الرقص. هو يخلق الفرح والبهجة والانطلاق، ويعزّز كذلك شعور الثقة في النفس لدى النساء تحديداً. وتلجأ نساء كثيرات بعد الانتهاء من المعالجة، إلى دروس الرقص الشرقي للاستمتاع، نتيجة ما لقينه من نتائج إيجابيّة في خلال فترة علاجهنّ".