نفايات غزة... أطنان متراكمة تُلوّث البيئة وتهدد الإنسان بالأمراض

نفايات غزة... أطنان متراكمة تُلوّث البيئة وتهدد الإنسان بالأمراض

01 ديسمبر 2023
نفايات غزة تتراكم (محمد الحجار)
+ الخط -

حذر رئيس بلدية غزة يحيى السراج من انتشار الأوبئة والأمراض بسبب تراكم النفايات، حيث لا يمكن الوصول إلى المكب الرئيسي في منطقة جحر الديك (شرق المدينة)، لنقل النفايات، وذلك خلال فترة الهدنة. كما قال متحدث بلدية غزة حسني مهنا إن هناك "35 ألف طن من النفايات الصلبة تتكدس بالمدينة، تمنع القوات الإسرائيلية نقلها إلى المكب الرئيسي، شرق بلدة جحر الديك"، جنوب شرق المدينة، وأشار إلى أن "تكدس النفايات تسبب باشتعال النيران بالمكبات المؤقتة في وسط المدينة، ما أدى لتلوث الأجواء بالدخان الأسود وأضرار صحية وبيئية كبيرة".
عموماً، تواجه فلسطين تحديات بيئية عدة في ما يتعلق بإدارة النفايات. وعام 2020، أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أن 47 في المائة من إجمالي النفايات، وبعضها مصنّفة خطرة، يجري التخلص منها في مكبات غير صحية، ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على صحة الإنسان. وكانت مؤسسة "هاينريش بول" قد تحدثت عن مشكلة النفايات الصلبة التي يعاني منها القطاع، موضحة أن "65 في المائة من النفايات يجري التخلص منها في مطامر خاصة، و32 في المائة في مواقع رمي النفايات غير القانونية. أما عمليات إعادة التدوير، فتشمل فقط نسبة 3 في المائة من القمامة".
ويعدّ قطاع غزة، الذي يقدرر عدد سكانه بحوالي المليونين و300 ألف شخص، أحد الأماكن الأكثر كثافة سكانية في العالم، وينتج نحو 2000 طن من النفايات يومياً، بحسب دراسة أعدها مركز الميزان لحقوق الإنسان. ويعتبر التخلص من النفايات الصلبة من أخطر المشاكل البيئية في غزة، إذ لا تملك البلديات المحلية مطامر كافية للتخلص من النفايات بشكل آمن، وخصوصاً المواد البلاستيكية تمهيداً لحماية الناس والبيئة. 

تأثيرات صحية

يؤدي تراكم النفايات، سواء العضوية أو الطبية، إلى تأثير مدمر على صحة الإنسان، وخصوصاً أنها تولّد انبعاثات غازية وتُلوّث البيئة، ما يشكل أحد أبرز مسببات الإصابة بالأمراض. وفي قطاع غزة، يزداد الوضع مأساوية في ظل الحرب الحالية وتشديد الحصار وقطع المياه والكهرباء والإمدادات الصحية والطبية الرئيسية. يقول أخصائي الطب العام إلياس الخوري، لـ"العربي الجديد": "تعد النفايات من الأسباب الرئيسية للإصابة بأمراض تتعلق بالجهاز الهضمي بالدرجة الأولى، إذ تحتوي النفايات على كائنات حيّة دقيقة عدة، مثل البكتيريا، وتؤدي إلى الإصابة بالإسهال والتيفوئيد والكوليرا".

ويُشير إلى أنه "يصعب علاج هذه الأمراض خلال الحرب الحالية نتيجة استهداف المؤسسات الصحية وغياب الأدوية والمعدات الطبية الأساسية، علماً أنه لا يستبعد أن تنتشر هذه الجراثيم في ظل عدم التخلص من النفايات الصلبة، ويشرح أنّ "بقاء القمامة فترات طويلة من دون معالجة يتسبب في أمراض تتعلق بالجهاز التنفسي، في ظل إفراز غازات سامة في الهواء ما يؤدي إلى تلوّثه. ويزداد الأمر سوءاً مع زيادة كميات النفايات المتراكمة تدريجياً. ويمكن أن يكون الأطفال الصغار وكبار السن أكثر عرضة للإصابة بأمراض تتعلق بالجهاز الهضمي مثل الإسهال والمغص الشديد".
ويمكن أن يؤدي تلوّث الهواء إلى السكتة الدماغية وإقفار عضلة القلب (حالة ينتج عنها عدم وصول كمية كافية من الدم بما يحمله من أكسجين ومغذيات إلى عضلة القلب)، والانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، بحسب منظمة الصحة العالمية. كما يمكن أن يؤثر تحلل النفايات على المياه الجوفية والآبار وري المزروعات، ما يتسبب في مشاكل عدة، منها الأمراض الجلدية. ويحذر الخوري أيضاً من انتشار أمراض معدية وخطيرة مثل الطاعون، إذا أدت النفايات إلى انتشار القوارض والزواحف التي تعد السبب الرئيسي لمرض الطاعون.

الصورة
روائح كريهة من جراء تراكم النفايات (محمد الحجار)
روائح كريهة من جراء تراكم النفايات (محمد الحجار)

تأثيرات بيئية

لا تتجاوز حصة الفرد من المياه العذبة في غزة 21.3 ليتراً يومياً مقارنة بـ100 ليتر توصي بها منظمة الصحة العالمية كحد أدنى. واستهدفت العمليات العسكرية الإسرائيلية مباشرة البنى التحتية الحيوية، ما ألحق أضراراً كبيرة بشبكات المياه، وأثّر على شبكات الإمداد وفاقم أزمة المياه القائمة أصلاً.
وكان رئيس بلدية غزة يحيى السراج قد أوضح أن الأوضاع في القطاع تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، في ظل انقطاع الكهرباء المستمر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى فقدان 70 في المائة من مصادر المياه، فيما يُعتمد على 30 في المائة حالياً لتوفير الحد الممكن للمواطنين.
من جهته، يقول أستاذ مادة البيئة في جامعة القديس يوسف في بيروت مازن عبود، لـ"العربي الجديد": "يُعد قطاع غزة من بين أكثر الأماكن المكتظة سكانياً، ويمكن أن يتسبّب تكاثر النفايات الصلبة في أرجائه بسبب الحرب الحالية في تدهور جودة الهواء، وهذه أولى الانعكاسات البيئية للحرب". يضيف: "تبعث القمامة عادة روائح تشير إلى إفرازها غازات كيميائية في الهواء المحيط بها، مثل غاز الميثان الذي يعتبر في مقدمة المواد التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وترفع درجات حرارة الغلاف الجوي للأرض، ما يتسبب في تأثيرات محتملة تهدد الحياة مع مرور الوقت".
من جهة أخرى، يتحدث عبود عن "الانعكاسات السلبية لتلوّث الهواء نتيجة تراكم النفايات وكميات المواد المتفجرة بسبب الحرب الحالية، وقد تنتشر سموم مع هطول أمطار تصنّف حمضية وتدمر الحياة الطبيعية وتنعكس سلباً على صحة الإنسان كونها تزيد الأمراض المتعلقة بتلوّث الهواء، مثل النزلات الصدرية والربو والاختناق وغيرها".
وبحسب عبود، يمكن أن يزيد تراكم النفايات الصلبة حدة تلوّث التربة نتيجة تسرّب السموم، ما يؤثر على الموائل المحيطة.
وقد وصل تلوث الهواء إلى مستوى عالٍ جداً، ويمكن أن يشعر بآثاره الفورية الأفراد المعرضون لخطر. وتعتبر غزة من بين المدن الأسوأ عالمياً في مؤشر الهواء الذي يتجاوز 100 نقطة. وبحسب المؤشر، سجلت مدينة رفح 100 نقطة، وجباليا 102 نقطة، وخانيونس 100 نقطة، وهي معدلات تلوّث تضرّ جداً بالصحة العامة.

معاناة مستمرة

قبل العدوان الأخير، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً أشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعيق مشاريع تطوير مكبات النفايات في قطاع غزة، من خلال سياسة التقييد التي تأتي في سياق الحصار المشدد المفروض على القطاع للسنة الـ17 على التوالي، والتي تساهم في تفاقم الحالة البيئية المتردية في مناطق القطاع.
وتتسبب إجراءات الاحتلال في عدم توسعة مكب النفايات القائم في جحر الديك، شرق غزة، بسبب تكدس النفايات داخله، بفرضها منطقة مقيدة الوصول لمسافة 300 متر من السياج الفاصل، علماً أن المكب يلاصق السياج. كما يعيق الاحتلال إنشاء مكبات أخرى في المناطق الحدودية البعيدة نسبياً عن المناطق السكنية وفقاً لجغرافيا القطاع، ويمنع دخول الآليات اللازمة للعمل في مكبات النفايات، ما جعل الوضع البيئي حتى قبل الحرب الحالية مأساوياً وصعباً.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، يؤكد المهندس البيئي بشار عوض الله "عدم وجود مكبات كافية للتعامل الآمن مع النفايات بشكل يحمي المواطنين من أخطارها، وخصوصاً المواد البلاستيكية". يضيف: "تعاني محافظة شمال غزة من مشكلة بيئية خطيرة، وتتراكم أطنان من النفايات الصلبة في مناطق مكشوفة غير مؤهلة، ويحتاج القطاع فعلياً إلى ثلاثة مكبات صحية رئيسية إضافية"، ويرى أن "قطاع غزة يحتاج إلى دائرة مخصصة للنفايات وإطلاق حملات توعوية لفرز النفايات، لكن تبقى المشكلة السياسية والحصار الإسرائيلي عائقاً أساسياً. وتحتوي هذه النفايات على 58 في المائة من المواد العضوية، و15 في المائة من البلاستيك، و14 في المائة من الورق والكرتون، و1.5 في المائة من الحديد، و0.5 في المائة من الزجاج، وما يتبقى مكونات أخرى مثل الرمال ومخلفات بناء وزراعة وغيرها".
وكانت البلديات تجمع نحو 85 في المائة من النفايات الصلبة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، 10 في المائة من النفايات، فيما تتولى مؤسسات خاصة جمع 5 في المائة. ويوضح عوض الله أن البلديات تعمل ضمن سياسة وأدوات قديمة وضعيفة متهالكة، ما يشير إلى الحاجة لمشاريع وصندوق وطني خاص لمعالجة النفايات في القطاع كونها تصنف غير آمنة، بل إنها شديدة الخطورة.

المساهمون