نازحون ومهجرون سوريون يترقبون انفراج أزمة دخول المساعدات الأممية

16 يوليو 2023
المساعدات تبقي آلاف النازحين السوريين أحياء (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

يترقب النازحون في مناطق شمال غربي سورية انفراج أزمة المساعدات العابرة للحدود التي عجزت الأمم المتحدة عن تمديد آلية إدخالها، أو اتخاذ قرار جديد بشأنها، في ظل استخدام روسيا حق النقض "فيتو" لمنع وصول هذه المساعدات إلى من هم بأمس الحاجة إليها. لتنعكس تداعيات القرار الروسي بشكل مباشر على عمل المنظمات الإنسانية، والتي بدورها ستقلص عدداً كبيراً من الخدمات المقدمة للنازحين.
يؤكد مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج، لـ"العربي الجديد"، أن "القضية في الوقت الحالي هي تحصيل نقاط للجانب الروسي، والنظام السوري يدرك  تماماً أن القرار سيُمدد، لأن المقترح السويسري البرازيلي انتهى، والمقترح الروسي انتهى. ما يجبر الجميع على صياغة مقترح جديد بناء على رغبة روسيا، وهي معبر باب الهوى فقط، وستة أشهر فقط، وفي المقابل، سيجرى إرضاء الولايات المتحدة بعبارة التمديد ستة أشهر بناء على تقارير الأمين العام للأمم المتحدة التي تصدر كل 60 يوما، مع التشديد على ضرورة عمليات التعافي المبكر، وزيادة فعالية دخول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس".
يضيف حلاج: "فعلياً، سيُعاد القرار الجديد بنفس صيغة قرارات سابقة، ليستفيد النظام بحجة دعم المدنيين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرته، وقد أعطى رسالة غير مباشرة مفادها أن المعابر الحدودية خاضعة لسيطرة دمشق. أما روسيا، فستكون مستفيدة من عدة نواح، أهمها تمرير القرار وفق ما ترغب، وزيادة المساعدات لمناطق النظام السوري، وزيادة العمل على مشاريع تحت مسمى التعافي المبكر. في حين تكتفي الولايات المتحدة الأميركية بمظهر المنتصر عبر إبقاء شريان الحياة قائماً لستة أشهر مع ضمان التمديد".
ويلفت حلاج أن التعلل بأدوار الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري هو "عبارة عن إسطوانة مكررة لإظهار سلطات دمشق باعتبارها قادرة على الوصول إلى كافة المناطق، لكن على أرض الواقع، حتى روسيا ليس لديها  قبول لهذه  الفكرة. في النهاية، القرار سياسي، ولا علاقة له بالنهج الإنساني". 
ويكشف مدير فريق الاستجابة الطارئة دلامة العلي، لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر من مليوني نازح يعيشون في المخيمات سيتأثرون، إذ كانوا يستفيدون من المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة، كما ستتأثر نحو 250 ألف عائلة كانت تستفيد من السلة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي شهرياً، إضافة لخسارة مئات آلاف أكياس الخبز التي كانت تصنع من الطحين المقدم ضمن السلة الغذائية، وسيخسر أكثر من ألف مخيم خدمات المياه المجانية التي كانت تقدم يومياً، إضافة إلى تأثر المشاريع الصحية".
يضيف العلي: "في حال توقف تلك المشاريع، ستتدهور أحوال الأهالي الذين يعيشون بالأساس تحت خط الفقر، ويمكن أن يصلوا إلى تحت خط الجوع، خاصة العائلات التي لا تملك معيلاً، أو التي يقوم على رعايتها أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، فالمساعدات الإنسانية رغم قلتها كانت تقدم لهم دعماً مقبولاً في ظل الظروف السيئة وقلة فرص العمل وانخفاض مستوى الدخل". 
ويوضح: "نخشى في حال توقف المشاريع القائمة من تفاقم نسب البطالة، كما ستتعطل حركة الأموال في الأسواق، وبالتالي تضعف الدائرة الاقتصادية في المنطقة كلها، وتلك العوامل قد تؤدي إلى تدمير المنطقة اقتصادياً، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة، وترك آلاف الطلاب مقاعد الدراسة نتيجة اضطرارهم إلى العمل لتأمين دخل إضافي لعائلاتهم".

الصورة
الأطفال السوريين أول المتضررين من توقف المساعدات (زين الرفاعي/فرانس برس)
أطفال سورية أول المتضررين من توقف المساعدات (زين الرفاعي/فرانس برس)

ويقول مسؤول العلاقات العامة في مديرية صحة إدلب غانم خليل، لـ"العربي الجديد": "هذا هو الفيتو رقم 19 الذي تستخدمه روسيا في مجلس الأمن للضغط على المجتمع الدولي، ومساندة نظام الأسد الذي تدعمه عسكرياً بقصف المشافي والمراكز الصحية والأسواق والأفران، وسياسياً عبر استخدام الفيتو وسيلةً للضغط على المعارضة والمدنيين في المناطق المحررة، ووسيلة ابتزاز للدول المساندة للثورة السورية".
يضيف خليل: "المنطقة ستتأثر بشكل كبير في حال إيقاف دخول المساعدات عن طريق معبر باب الهوى، ونقلها عبر مناطق النظام أو خطوط التماس إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وهنا تحاول روسيا إعادة شرعنة النظام السوري، وإجبار المجتمع الدولي على التعامل معه، وعلى الأخص الأمم المتحدة، والقطاع الطبي سيتأثر بشكل كبير أسوة ببقية القطاعات، خصوصاً أنه يعاني من ضعف عام في الأساس نتيجة الكثافة السكانية في مناطق شمال غربي سورية، وعدم قدرته على تلبية كامل الاحتياجات، وسيكون التأثير مباشراً على مراكز الأمراض المزمنة وأمراض السرطان ومراكز غسيل الكلى، وبشكل غير مباشر على كل القطاع الطبي".
ويؤكد الناشط الحقوقي عادل الويس، لـ"العربي الجديد"، أن "روسيا تواصل قتل الشعب السوري في المناطق المحررة، سواء بالسلاح أو من خلال استخدام حق النقض، خاصة أن معبر باب الهوى الحدودي هو شريان الحياة الوحيد المتبقي للمدنيين في المنطقة، وسيؤدي عدم إيصال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية إلى المحتاجين إلى نتائج  كارثية على سكان تلك المناطق الذين يعيشون أوضاعاً يرثى لها، ويعانون من مستويات متفاقمة من الفقر في ظل ارتفاع الأسعار غير المسبوق وقلة فرص العمل".

الصورة
يفاقم الحر أزمات النازحين السوريين (عز الدين قاسم/الأناضول)
يفاقم الحر أزمات النازحين السوريين (عز الدين قاسم/الأناضول)

ويقول مدير "مخيم غطاء الرحمة" محمود عكرمة الدروبي إن "نبأ إيقاف تدفق المساعدات الإنسانية نزل على النازحين والمهجرين في المنطقة كالصاعقة، وذلك بعد أن استخدمت روسيا حق النقض، وعطلت مشروع القرار الذي يهدف إلى الإبقاء على تدفق المساعدات عبر معبر باب الهوى، الذي يعتبر الشريان الرئيسي للحياة في الشمال السوري". 
يتابع عكرمة في حديثه لـ"العربي الجديد": "مع الأسف، بعض الدول تخلط الملف الإنساني بالملفات السياسية، علماً أن الروس مسؤولون عن تهجير الشعب السوري، ولم يكتفوا بالقتل والتهجير، بل زادوا من إجرامهم عبر تدخلهم في الشؤون الإنسانية، وبسبب هذا القرار الجائر، يتحمل أهلنا في الشمال السوري أقسى الظروف الإنسانية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها المنطقة، مع الغلاء الفاحش، وقلة فرص العمل. هذا القرار لا يقل إجراماً عن قصف الطائرات الروسية الذي يقتل شعبنا. على  المجتمع الدولي إيجاد حل للملف الإنساني في سورية لإنقاذ ما تبقى من الشعب، كما نناشد الاخوة العرب والمسلمين وأصدقاء الشعب السوري مد يد العون". 
ويقول نجيب سعد الدين، وهو مهجر مقيم في مخيمات "كللي"، لـ"العربي الجديد"، إنه عامل مياومة زراعي، ولا يتجاوز دخله اليومي 70 ليرة تركية (2.67 دولار)، ولا يعمل في الشهر أكثر من 15 يوماً، ما يعني أن المبلغ الذي يجنيه لا يكفي ثمن الخبز والمياه لعائلته المؤلفة من خمسة أفراد، إذ يحتاج بشكل يومي إلى عشر ليرات لشراء الخبز، ويبلغ سعر متر المياه 40 ليرة تركية.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

يتابع نجيب: "السلة توفر لنا الحد الأدنى من المواد الغذائية الرئيسية، وقد نضطر إلى شراء بعض الأصناف في نهاية الشهر، لكن توفير المياه والخبز في المخيم يخففان جزءاً كبيراً من النفقات، ولا أعرف مصير عائلتي في حال اضطررت لدفع هذه النفقات من جيبي الخاص مع توقف دخول المساعدات إلى الشمال السوري. اعتدنا على أن تكون النفقات أقل في فصل الصيف، ولا أدري ماذا سيحدث لعائلتي في الشتاء إذا لم أتمكن من تأمين محروقات التدفئة لهم".
بدوره، يؤكد النازح جمال البيوش، لـ"العربي الجديد"، أنه يعيش في مخيمات شمال إدلب التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ويعاني من قلة فرص العمل، ويعتمد بشكل كلي على المساعدات الإنسانية في إطعام أبنائه الخمسة، وهو لا يخفي خشيته مما سيكون عليه حاله مع إيقاف المساعدات.
من جانبها، تقول صبحية السليم، وهي نازحة مقيمة في مخيمات سرمدا، لـ"العربي الجديد"، إنها تفتقر إلى المعيل منذ وفاة زوجها، ولا يوجد لديها مال، ولا يوجد عمل، وتضيف: "أصبحت غير قادرة على تأمين أي من احتياجاتنا الأساسية، ولا حتى الخبز أو الأدوية. أعتمد أنا وأطفالي الستة على ما تقدمه المنظمات الإغاثية من مساعدات شهرية، كما أجمع الأعشاب من الجبل وأطبخها حتى يمكننا البقاء على قيد الحياة. مرعب ما سيكون عليه الحال إن توقفت المساعدات. يبدو أننا على أبواب مجاعة لم نشهد لها مثيلاً".

المساهمون