قصص أوكرانيين عادوا إلى بلادهم خلال الحرب

قصص أوكرانيين عادوا إلى بلادهم خلال الحرب

08 ديسمبر 2022
دبابة روسية مدمرة في أوديسا (Getty)
+ الخط -

منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي، غادر ملايين الأوكرانيين بلادهم بحثاً عن ملاذ آمن في أوروبا. لكن نصفهم قرروا العودة إلى بلدهم في حال كانت الظروف الأمنية والمعيشية في مدنهم تسمح بذلك، ثم اضطر قسم منهم إلى المغادرة مرة أخرى بعدما شهدوا ما تعرضت له بيوتهم وأحياؤهم من دمار وخراب.  
قبل بدء الحرب الروسية على أوكرانيا بأيام، توجهت المصورة الفوتوغرافية الأوكرانية المتحدرة من أوديسا ماريا إم. (36 عاماً) والتي فضلت عدم ذكر اسمها بالكامل، إلى ألمانيا لقضاء عطلتها برفقة صديقتها، لكنها استيقظت في صباح 24 فبراير/ شباط الماضي على وقع أنباء بدء الحرب، ما اضطرها للبقاء في ألمانيا لفترة قبل العودة إلى بلدها آملة ألا تضطر للسفر مرة أخرى.  
تروي ماريا تجربتها قائلة: "عندما علمت ببدء الحرب، صدمت بعبث الواقع، وكأن غيمة سوداء غطت على العالم أجمع. وشعرت بخوف كبير على أقربائي وأصدقائي. لكن الشعور بضرورة العودة كان يراودني كل يوم. وفي نهاية إبريل/ نيسان الماضي، اتخذت قرار العودة إلى أوديسا". وعن مشاعرها لدى عودتها إلى وطنها، توضح: "شعرت بخوف وذعر كبيرين في الأيام الأولى بعد العودة، لا سيما بعدما شهدت حوادث قصف صاروخي عدة بالقرب من مدخل المبنى الذي أسكنه. في داخلي كان خليط من النشوة بالعودة والرعب مما يجري. وتدريجياً، اعتدت على حظر التجول وسماع دوي صفارات الإنذار وانتشار العسكريين في الشوارع. لكن لم أعتد على انفجارات الصواريخ حتى اليوم، فهذا ضرب من ضروب المستحيل".    
مع ذلك، لا تتمنى ماريا السفر إلى أوروبا مرة أخرى. وتوضح: "لم أرغب يوماً في العيش في ألمانيا أو أي بلد آخر. بيتي وأقربائي وأصدقائي هنا في أوديسا، والوضع فيها هادئ نسبياً وصالح للعيش مقارنة مع المدن الواقعة بالقرب من جبهة القتال وكييف. في الفترة الأخيرة، تراجعت كثافة الضربات الصاروخية وهجمات المسيرات، وتوفرت المياه والكهرباء، وتحاول المدينة أن تعيش الحياة السلمية ودعم سكانها والقادمين من الأقاليم المجاورة، وبالطبع تقديم العون للعسكريين".  
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن نحو 13.4 مليون شخص غادروا أوكرانيا خلال الفترة من 24 فبراير/ شباط وحتى 30 سبتمبر/ أيلول الماضيين، ولكن 6.3 ملايين منهم عادوا إلى بلدهم، بينما حصل 4.2 ملايين أوكراني على وضع الحماية المؤقتة في بلدان الاتحاد الأوروبي. 
إلا أن تقريراً صدر عن المصرف الوطني الأوكراني عن أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توقع موجة جديدة من حركة اللجوء من أوكرانيا إلى الخارج بسبب المخاطر الأمنية وأزمة الطاقة، مرجحاً أن يكون نحو 8 ملايين أوكراني موجودين خارج البلاد بحلول نهاية العام الحالي. 
المحامي الأوكراني ليونيد خولودوف (58 عاماً)، هو أحد الذين غادروا الأراضي الأوكرانية في بداية الحرب الروسية، ثم قرر زيارة بيته في بلدة بورشيفايا الواقعة على بعد 30 كيلومتراً من خاركيف بعد استعادة قوات الجيش الأوكراني سيطرتها على هذه المنطقة، ولكنه غادر الأراضي الأوكرانية مرة أخرى إلى حين استقرار الأوضاع.  

يتحدث خولودوف عن تجربته قائلاً لـ "العربي الجديد": "بدأ احتلال بلدتنا بعد 24 فبراير/ شباط مباشرة، لأن بورشيفايا تقع على مقربة من الحدود الروسية. وبعد يومين فقط، حضرت قافلة عسكرية روسية كبيرة توقفت في الغابات وعلى امتداد الطريق. لم نشعر بالخوف إنما فقط بالمسؤولية عن الأطفال. عشنا 90 يوماً تحت الاحتلال. كان غالبية سكان البلدة يتبنون مواقف موالية لأوكرانيا. ويشاع أنه كان هناك أنصار لروسيا أيضاً، لكنني لم أسمع أحداً يعبر عن ذلك بصوت عال".  

ورود تخليداً لذكرى أطفال أوكرانيا القتلى في أوديسا (Getty)
ورود تخليداً لذكرى أطفال أوكرانيا القتلى في أوديسا (Getty)

وبحلول 23 مايو/ أيار الماضي، قرر خولودوف مغادرة بلدته برفقة عائلته، لكنه توجه إليها مرة أخرى بعد استعادة القوات الأوكرانية السيطرة عليها في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويتحدث عما رآه قائلاً: "أصيب منزلي بقذيفة. لم ينهر المبنى لكنه احترق من الداخل. مع ذلك، أعتزم إعادة ترميمه بعد العودة إلى أوكرانيا عقب انتهاء الحرب". 
وحول انطباعاته عن خاركيف ما بعد الحرب، يتابع: "قبل الحرب، لم تكن خاركيف تختلف عن أي مدينة مليونية أوروبية من جهة الجمال ومستوى التنمية ووسائل الراحة. لكنها باتت تشبه اليوم مدينة الأشباح. خاركيف اليوم هي مدينة مظلمة من جهة قلة البشر وانعدام الإضاءة في وسطها، لكن الأخطر هو أن المدينة خالية من الأطفال ووجوه الناس خالية من الابتسامات، بل تعبر عن الفراغ والضغوط النفسية". 

ومع عودة الحياة اليومية في خاركيف إلى طبيعتها بعض الشيء، يواصل المفتشون الحكوميون الأوكرانيون دراسة تداعيات الوجود الروسي في المناطق التي استعادت كييف سيطرتها عليها، وقد رصدوا وقائع عديدة لانتهاك أحكام القانون وإلحاق أضرار بالموارد الطبيعية من جراء الحرب.  
وكانت قوات الجيش الأوكراني قد استعادت في النصف الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، السيطرة على مجموعة من القرى والبلدات في مقاطعة خاركيف بعد انسحاب القوات الروسية منها، وهو ما أرجعته وزارة الدفاع الروسية آنذاك إلى "إعادة التموضع" لإشراك هذه القوات في أعمال القتال في دونباس.  

المساهمون