"فريك" القمح... وجبة لا غنى عنها في بلاد الشام
مع بدء فصل الصيف، يحل موسم حصاد القمح، وكذا صنع "الفريك"، أو "الفريكة"، وهي وجبة تعرفها العديد من البلدان العربية. لكن قلّة من الناس تعرف طريقة تحضيرها، وتحتاج إلى وقت وجهد، وكثير من اليد العاملة.
الفريك هو حبات القمح الأخضر المشوي، وهناك مراحل عدة كي يصبح القمح فريكاً. يحصد المزارع السنابل الخضراء الناضجة، ثم يتم شيّها أو حرقها فوق الحطب المشتعل بدرجة معيّنة، وبعدها تترك لبعض الوقت، ثم "تفرك" السنابل بالأيدي لفصل حبّات القمح المشويّة عن قشرها، ومن هنا جاءت التسمية.
يعدّ الفريك من أساسيات المونة البلديّة، وكل منزل يتموّن بحسب حاجته. إلا أن كثرة الطلب على الفريك دفعت المزارعين وبائعي المونة للبحث عن تقنيات أكثر مواكبة لمتطلبات السوق، خصوصاً أنه بات يُصدّر إلى بعض الدول الأوروبية وأميركا.
عمد المزارع وصاحب محل "الجاروشة" للمونة البلدية، موسى إبراهيم، من بلدة دبين في قضاء مرجعيون (جنوب لبنان)، إلى البحث عن ابتكار يؤمن متطلبات السوق، ويخفف من أعباء كلفة إنتاج الفريك، ويخفض السعر على الزبائن في ظل الأزمة المعيشية.
يقول إبراهيم، الذي يعاونه عدد من الشبان في حصد القمح الأخضر وتجميعه: "الفكرة ظهرت بعد تزايد الطلب على الفريك وقلّة الإنتاج بالوسائل التقليدية، فتوصّلت إلى تصنيع مشواة تعمل أتوماتيكياً، يصل طولها إلى ستة أمتار وقطرها إلى نحو 120 سنتيمتراً، مزوّدة بحرّاقات تعمل على الغاز. نقوم بتعبئة المشواة بغمار القمح، وتبدأ عملية تحميص سنابل القمح التي تتجمّع في صناديق موضوعة أسفل المشواة، ويمكنها شيّ نحو 10 آلاف متر مربع من القمح الأخضر يومياً، بالإضافة إلى حصّادة كي تحصد السنابل من أعلاها. بعدها نفلش القمح المشوي لبعض الوقت ثم تَفصل الدرّاسة حبّات القمح المشوي، أي الفريك، عمّا تبقّى من قشور، ثم نغسلها بالماء جيداً ونجرشها، لتصبح جاهزة للاستهلاك".
ويؤكد إبراهيم أن "فلسطين هي الأشهر على الإطلاق بالفريك، تليها سورية ولبنان ومصر، وقد بات معروفاً على نطاق واسع في البلاد العربية والأوروبية".
وتقول أم أحمد الجهماني، لـ"العربي الجديد"، إن "الفريك أكلة مشهورة في حوران باسم (أمّ القمح)"، شارحة كيف كانوا يحضّرون الفريك بالطريقة اليدوية التقليدية: "كنّا نجمع سنابل القمح الخضراء قبل أيام من يباسها وإصفرارها، ونشويها يدوياً على شبك من الحديد، ثم نفركها بأيدينا لنفصل القشور عنها، ونغسلها جيداً، وأخيراً نجرشها لتصبح جاهزة للطبخ. يتم تنسيف الفريك من بقايا القشور، ثم يتم طبخها عادة مع قطع اللحم أو الدجاج، فلكل محافظة ومدينة طريقتها في طبخها، وهناك من يطبخها حساء".
وتشرح مارلين حداد، من بلدة جديدة مرجعيون، أهمية تنقية حبّات الفريك من الشوائب على صينية كبيرة، حبّة تلو الأخرى، إذ إنّ الكثير من الناس يقصدونها لطبخ الطعام في الأفراح والأتراح، والفريك يصنع منه فريك الدجاج أو اللحم، وأيضاً المنسف، مثله مثل الأرز، وتشير إلى أنه أفضل من الناحية الصحية لمن يعاني من السكري، كون الأرز يحتوي على كثير من النشويات، وأنها ما زالت تحضر الفريك "من الألف إلى الياء بالطريقة التقليدية".
بدوره، يصرّ صاحب محل المونة البلدية في جديدة مرجعيون، بول صبحية، على الطريقة التقليدية في تحضير الفريك البلدي، وأهم ما في ذلك تنقية الفريك بعد شيّه من القشور وغيرها، ثم جرش حبّات الفريك كسرات صغيرة، لأنه في حال طحنه قد يتعجّن، ويشير إلى أن "للفريك فوائد صحية كثيرة، وأهمها أنه غني بالألياف ويساعد في عمل الجهاز الهضمي".
وتقول أخصائية التغذية، حوراء شمس الدين، لـ"العربي الجديد": "الفريك يعتبر من أهم أنواع الحبوب لاحتوائه على البروتينات والألياف والمعادن، فهو يساعد في تسهيل عملية الهضم لكثرة الألياف التي نفتقدها في أنواع أخرى من الحبوب"، وتنصح الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الهضم بتناول طبق أسبوعياً، أو ما يعادل كوباً ونصف الكوب من الفريك المطبوخ.
تضيف شمس الدين أن "الفريك يحتوي أيضاً على النشويات التي تعدّل مستوى السكّر في الدم، إذ إنها لا ترفع مستوى السكريات بشكل سريع بل ببطء. من هنا ننصح مرضى السكري والرياضيين بتناوله، لأنه يساعدهم على الشبع لفترة أطول، وأيضاً الأشخاص الذين يتبعون حمية لتخفيف الوزن. كما يساعد الفريك في نمو العضلات لوجود العناصر الغذائية المتكاملة التي تمدها بالطاقة والبروتين". كما تنصح "بطهو الفريك جيداً حتى الاستواء الكامل كي لا يسبب أي أعراض مثل الانتفاخ أو رفع الضغط".
