غزة تحت النار... القصف يطارد الأهالي في جميع المناطق

26 مايو 2024
ناجون من قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات (أنس فتيحة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان قطاع غزة يتعرضون لهجمات إسرائيلية مكثفة تشمل استخدام المدفعية والطائرات، مما يؤدي إلى تعرض جميع مناطق القطاع للقصف وفرض قيود على المساعدات الإنسانية رغم قرارات دولية.
- القصف يطال مؤسسات خيرية ومراكز للنازحين، مسببًا وفيات وإصابات وحركة نزوح كبيرة داخل القطاع، حيث يبحث النازحون عن مأوى في ظروف صعبة وخطيرة.
- الوضع الإنساني يتدهور بشكل ملحوظ مع استمرار القصف ونقص المساعدات، مما يدفع السكان للنزوح بحثًا عن الأمان، وسط دعوات دولية لوقف العدوان وفرض عقوبات على إسرائيل دون توقف للهجمات.

يقبع الآلاف من النازحين من مناطق القصف في العراء منذ عدة أيام

جيش الاحتلال يجدد القصف المكثف على ما يصفه بـ"المناطق الإنسانية"

يتعرض سكان قطاع غزة منذ أيام لهجمات إسرائيلية مكثفة، يستخدم فيها جيش الاحتلال المدفعية والطائرات الحربية التي باتت تقصف جميع المناطق، ما يجعل كل أنحاء القطاع تحت النار.

قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال اليومين الأخيرين، مناطق عدة في محافظات قطاع غزة الخمس بشكل متكرر، كذلك يواصل فرض القيود على دخول المساعدات الإنسانية، على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية بوجوب وقف الاحتلال فوراً لهجومه العسكري على مدينة رفح، وفتح جميع المعابر لدخول المساعدات.
وقصف الاحتلال بلدة بيت حانون التي يحاصرها من كل الجهات، وأوقع فيها أكثر من عشرة شهداء بالقرب من مركز لإيواء النازحين، كذلك كثف القصف على مناطق مدينة رفح، الشرقية والوسطى والغربية، وقصف مناطق النازحين في مدينتي دير البلح وخانيونس، ويواصل أيضاً قصف بلدة جباليا ومخيمها، ومناطق عدة في مدينة غزة، ومخيمي البريج والنصيرات في وسط القطاع، والبلدات الواقعة شرق مدينة خانيونس.
وقد وسّع جيش الاحتلال نطاق الاستهداف ليشمل مؤسسات خيرية ومراكز تؤوي نازحين، كان آخرها مركز نشاط النساء في مخيم النصيرات، حيث استشهدت ست سيدات وأصيبت أخريات. في حين تتزايد أعداد النازحين الباحثين عن مأوى في كل المناطق وسط حركة نزوح مستمرة من مدينة رفح إلى خانيونس ووسط القطاع، ومن الشمال إلى غربي مدينة غزة.
تعيش عائلة أسامة شاهين (55 سنة) في حالة من النزوح المستمر على مدار أشهر العدوان، وقد فرّت العائلة من عدة مجازر إسرائيلية في شمال القطاع قبل أن تقرر المغادرة، لكن أسامة عاد إلى الشمال في مطلع شهر إبريل/ نيسان الماضي، وكان حينها يعتقد أن الحرب على مشارف الانتهاء، لكنه اضطر مجدداً إلى رحلة نزوح خطيرة من مخيم جباليا بعد أن لاحقتهم القذائف والطائرات المسيرة في شوارع المخيم الذي ارتكب الاحتلال داخله العديد من جرائم الإعدام الميداني التي خلفت العديد من جثامين الشهداء في الشوارع.

كرر جيش الاحتلال القصف المكثف على ما يصفه بـ"المناطق الإنسانية" في غزة

يركز شاهين جميع حواسه على تفادي التعرض لأي قصف إسرائيلي للمنطقة التي نزح إليها في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة لكنه يعيش أوضاعاً صعبة. يقول لـ"العربي الجديد": "قمت بانتقاء زجاجة بلاستيكية فارغة من الشارع، وغسلها، وأقوم بتعبئتها كل يوم حتى أشرب الماء. اضطررت إلى المبيت ليلتين في العراء، ثم حصلت على أغطية من سكان المنطقة، وحالياً أبيت في أحد المنازل مع بعض أفراد أسرتي".
يضيف شاهين: "القصف الإسرائيلي الذي نشهده منذ أيام غير مسبوق، ويطاول كل مكان. كنت أسمع الراديو داخل المنزل الذي نزحنا إليه، وسمعت قرار محكمة العدل الدولية، فخرجت مني كلمة تلقائية مفادها (الله يسترنا). لا أثق بالاحتلال، ولا بالقرارات الدولية، فكلها لن تأتي بنتيجة مثل كل ما صدر قبلها من قرارات دولية. بعد قرار المحكمة أصبح القصف جنونياً، ووصل عدد من العائلات صباح الأحد إلى المنطقة، وقد استشهد عدد من ذويهم، وفقدوا آخرين تحت الأنقاض".

الصورة
فقدت كثير من عائلات غزة من كان يعولها (إياد البابا/فرانس برس)
فقدت كثير من عائلات غزة من كان يعولها (إياد البابا/فرانس برس)

يتابع: "هناك العشرات من أبناء عمي وأقاربي وجيراني الذين لا أعرف شيئاً عن أخبارهم طوال اليومين الأخيرين، وأقف يومياً بالقرب من مفترق الجلاء في حيّ الشيخ رضوان حتى أطمئن على الأحياء منهم، وكلما شاهدت أحداً منهم أفرح كأنني أستقبل مغترباً عاد بعد غياب سنوات، لكني في الوقت نفسه أتلقى أخباراً عن استشهاد البعض، ويصعب عليّ النوم، وفي كل ليلة، أطلب من الله المغفرة لأنني لا أضمن إن كنت سأستيقظ حياً".
ويعيش آلاف الغزيين في حالة من التخبط، ووسط عدم إدراك لما يمكن أن يحلّ بهم خلال الأيام القادمة، وقد استشهد العديد من النازحين داخل مراكز الإيواء والنزوح بسبب الهجمات الإسرائيلية، وتتزايد المخاوف مع تكرار استهداف مناطق الخيام، وقرر بعضهم كتابة أسمائهم على أجسادهم وعلى أجساد أطفالهم حتى يتم التعرف عليهم حال الإصابة أو الوفاة.

يقبع الآلاف من النازحين من مناطق القصف في العراء منذ عدة أيام

وأكدت المقررة الأممية الخاصة بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، السبت، أن الاحتلال الإسرائيلي كثّف هجماته على مدينة رفح بعد أن أمرت محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم على المدينة، مطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات على إسرائيل لإيقاف العدوان، مضيفة أن "إسرائيل لن توقف جنونها حتى يقوم المجتمع الدولي بوقفه".
وصباح الأحد، قصف الاحتلال مخيم البريج، لتضطر العديد من العائلات التي عادت إليه خلال الشهر الماضي إلى التفكير في النزوح مجدداً، رغم أنه لا يوجد مكان آمن. ولا تشمل خريطة "المنطقة الإنسانية" المزعومة مخيم البريج، لكن غياب الملاجئ دفع بعض العائلات إلى العودة إلى منازلها في المخيم. من بين هؤلاء محمد أبو راتب (47 سنة)، الذي نجا من القصف، وقرر النزوح إلى مخيم النصيرات، وهو حالياً يجلس في الشارع، ولا يجد مكاناً يؤويه. يقول لـ"العربي الجديد": "لو أن هناك بوابة إلى السماء لصعدت إلى الله وارتحت من هذه الحياة. تعذبنا أكثر من اللازم، ونحن الآن بلا منازل ولا أماكن إيواء. نجوت من مجازر إسرائيلية عدة، واختبرت فقدان أشقائي وأقاربي، وعشت حياة النزوح، وتعرضت للجوع والعطش، ولم يبقَ لنا شيء سوى انتظار الموت".

الصورة
لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة (بشار طالب/فرانس برس)
لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة (بشار طالب/فرانس برس)

يقبع أغلب النازحين من المناطق التي تعرضت للقصف خلال الأسبوع الأخير في العراء، وبعضهم في الشوارع منذ أيام،  ويبحثون عن أماكن يلجأون إليها، إذ طاولت أوامر الاحتلال بالإخلاء خلال الأسبوعين الماضيين، نحو 30 مدرسة كانت تؤوي آلاف الغزيين في مدينة رفح وفي محافظة شمال القطاع، وألحق القصف أضراراً بالغة بعدد من تلك المدارس، كذلك أحرق جيش الاحتلال عدداً منها حتى لا يعود إليها النازحون، خصوصاً مدارس مخيم جباليا.
قضى محمد حمص (40 سنة) يومين في العراء برفقة رجال من عائلته في وسط مدينة رفح، وقد استشهد اثنان منهم في قصف بالقرب من برج المصري، يوم الجمعة الماضي، بينما ينتظرون توفير مكان لإيوائهم، وقد وصل صباح الأحد إلى إحدى الخيام المهترئة، وهو يجلس فيها برفقة عشرة من الرجال، بينما زوجته وأطفاله الثلاثة يبقون داخل خيمة تضم عشرات النساء والأطفال.
ورغم إعلان جيش الاحتلال توسيع ما يصفه بـ"المناطق الإنسانية" الأربعاء الماضي، لتشمل عدة مناطق من مدينة دير البلح، إلا أنه قصف تلك المناطق ست مرات خلال الأيام الأربعة الأخيرة، ما خلّف عشرات الشهداء والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء. ويعيش النازحون في ظل تخوف كبير من أن يصيبهم القصف، وفي المقابل، لا تزال أعداد من النازحين تتوافد على دير البلح لعدم وجود بدائل.

ويقول حمص لـ"العربي الجديد"، إن "البقاء مع الجماعة هدفه الوحيد الشعور بالأمان، رغم تيقني من أن الاحتلال يمكن أن يرتكب مجازر داخل تجمعات النازحين، وقد فعل هذا عدة مرات في مدارس ومستشفيات كانت تؤوي الآلاف من النازحين. العديد من عائلات شمالي القطاع يبيتون في العراء، ومنهم شقيقي الأكبر الذي رفض النزوح، وكذلك شقيقي الأصغر في مدينة دير البلح، نتيجة عدم وجود أماكن للنزوح، وامتلاء مدارس الايواء بالنازحين، وكذلك القصف المتواصل على المنشآت القريبة من شارع صلاح الدين، وحشر الناس في نقاط محددة، وكثافة القصف تدفع المزيد من سكان المناطق الشرقية إلى الهرب".
يضيف: "لم يبق مكان في قطاع غزة لم يتعرض للقصف الإسرائيلي، ولا مكان آمناً في القطاع، حتى إننا معرضون للقصف في الشوارع في أثناء النزوح، وجميعنا مستسلمون للموت. عائلتي الكبيرة كل مجموعة منها تعيش في منطقة، وبعد القصف الأخير يغمرني شعور بأنني سأفقد أحد أشقائي في أي وقت، وربما أخسر روحي. استشهد ابني يحيى (7 سنوات) في منزل عمه في جباليا، وحينها نزحت مع أبنائي الثلاثة المتبقين حتى لا يتعرضوا للخطر. لكن الخطر يطاردنا في كل مكان. كلما يتحدثون عن اقتراب الهدنة نشعر بالتفاؤل، ثم نعيش خذلاناً جديداً، وتتكرر المجازر، وكلما قالوا إن قراراً صدر من محكمة دولية ضد الاحتلال يشتد القصف. لقد أصبحنا ننتظر الموت، وفقدنا آمال الاستمرار على قيد الحياة".

المساهمون