طرود غذائية تخفف "غربة رمضان" عن تونسيي المهجر

طرود غذائية تخفف "غربة رمضان" عن تونسيي المهجر

22 مارس 2024
تنقل خدمات التوصيل كل مواد أطباق رمضان إلى التونسيين في الخارج (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خدمات توصيل الطرود تمكن التونسيين في الخارج من الحفاظ على تقاليدهم الغذائية خلال رمضان، مقللةً شعورهم بالغربة.
- تلبية الطلب المتزايد على المواد الغذائية التقليدية في الخارج، مع توسع الخدمات لتشمل الشحن البحري كخيار اقتصادي، معززةً التقدير العالمي للمطبخ التونسي.
- تعزيز الروابط الثقافية والعاطفية بين المغتربين التونسيين ووطنهم، مساهمةً في تخفيف العزلة وتعزيز الهوية الثقافية للأجيال الجديدة.

لن تغيب الأطباق الوطنية عن موائد شهر رمضان للتونسيين في الخارج هذا العام، إذ تؤمن خدمات توصيل الطرود التي توسّعت بفضل تطبيقات التواصل الاجتماعي، كل المواد المطلوبة لإعداد هذه الأطباق، وذلك طوال الشهر.

يصرّ التونسيون الذين هم في بلدان المهجر على أن تحضر أطباقهم التقليدية على موائدهم الرمضانية بعدما ساعدت خدمات توصيل الطرود في تأمين احتياجات المواد المطلوبة لإعداد وجبات الشهر الفضيل بنكهات أصليّة تساهم في تخفيف شعورهم بالغربة الذي يتعمّق خلال المواسم والأعياد الدينية.
وخلال السنوات الأخيرة توسّعت خدمات التوصيل داخل تونس وخارجها في ظل استعانة العاملين في هذا المجال بشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تقديم خدماتهم المتمثلة في توصيل الطرود من تونس إلى العديد من البلدان الأوروبية حيث يوجد أكثر من 80 في المائة من الجاليات التونسية في الخارج .
وخلال الأسابيع التي تسبق شهر رمضان يزداد الطلب على خدمات التوصيل التي تستخدمها الأسر التونسية لإرسال بهارات ومعجنات وحلويات تقليدية إلى أبنائهم في الخارج من أجل تخفيف شعورهم بالغربة خلال المناسبات والأعياد الدينية، حين يزداد الحنين إلى وطنهم.

تقول التونسية سماح البوغانمي التي تقيم في النمسا منذ أكثر 25 عاماً، لـ"العربي الجديد": "لن تغيب الأطباق التونسية عن موائدنا الرمضانية هذا العام بعدما أمّنا كل ما نحتاج إليه لإعدادها على امتداد شهر الصيام من طريق أحد العاملين في خدمة توصيل الطرود لحساب أبناء الجالية في النمسا. والأكيد أن توصيل الطرود من تونس إلى بلدان أوروبية يساعد المغتربين في التشبث بعادات بلدهم، ويخفف شعورهم بالغربة خلال المواسم والأعياد". 
تتابع: "في السابق كانت الإجازات الصيفية تشكل الفرصة الوحيدة لتأمين المغتربين احتياجاتهم السنوية من المؤونة التي يحتاجون إليها لإعداد الأطباق التونسية، ولا سيما تلك الخاصة بشهر رمضان. أما اليوم فباتت خدمات التوصيل المتطورة الجسر الرابط بينهم وبين بلدهم، وتتاح خدماتها على امتداد أشهر السنة".
وتذكر أن "شحن الطرود عن طريق النقل الجوي مكلفٌ جداً، أما الشحن البحري عن طريق شركات التوصيل فأقل تكلفة، ونحن ندفع نحو 6 دولارات للكيلوغرام الواحد، وهذه تسعيرة مقبولة مقابل السعادة التي نحصل عليها لدى تأمين احتياجاتنا الخاصة بشهر رمضان من بلدنا" .
وتعترف بأن طرود المؤونة التي تصل إليها من أسرتها تؤثر في نفسيتها خلال شهر رمضان، وتشدد على أهمية أن توثق الأجيال الجديدة من المغتربين صلتها ببلدها خلال الأعياد والمواسم كي يحافظ أبناؤها عليها لاحقاً، فالموائد الرمضانية التقليدية ذات الأطباق المتنوعة جزء من الذاكرة المهمة جداً للمغتربين بعيداً عن بلدهم" .
وتتحدث سماح عن أن طرود الأغذية التي وصلت إليها من أسرتها قبل شهر رمضان سمحت لها بأن تشارك الأطباق مع زملائها في العمل، وهم من جنسيات مختلفة استطاعوا اكتشاف المطبخ التونسي وأعجبوا به كثيراً. وتعتبر من ثم أن المطبخ التونسي المتنوع يمكن أن يكون أداة لتسويق سياحة البلاد للأجانب من بلدان مختلفة.
وتضم الجالية التونسية في المهجر أكثر من 1.8 مليون شخص، يُقيم نحو 80 في المائة منهم في دول أوروبية، ويتوزع الباقون في دول الخليج العربي وأميركا الشمالية وبعض الدول الأفريقية.

الصورة
تؤمن خدمات الطرود لتونسيي الخارج خصوصيات مطبخهم وبينها البهارات خلال رمضان (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
تؤمن خدمات الطرود خصوصيات المطبخ التونسي (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

ويُخبر كمال النصري الذي يؤمن خدمة توصيل من تونس إلى ألمانيا وسويسرا "العربي الجديد" أنه يعمل في هذا المجال منذ نحو 4 سنوات، وينقل مئات الطرود من تونس إلى مغتربين في ألمانيا وسويسرا والنمسا عبر رحلة بحرية ترسو في ميناء مدينة جنوى الإيطالية، ثم يوصلها عبر عربة شحن برّاً إلى باقي الوجهات".
ويقول: "يزداد الطلب على خدمات التوصيل خلال الفترة التي تسبق شهر رمضان، إذ يصر المغتربون على تأمين احتياجاتهم عبرها، وبينها الخضار الطازجة. وقد سمح عملي في هذا المجال بتكوين شبكة من الزبائن الأوفياء الذين أحرص على تلبية احتياجاتهم".
ويرى أن أهمية الطرود التي يجلبها من تونس تتجاوز الأبعاد المادية وتتحوّل إلى وسيلة لمساعدة المغتربين على مواجهة تحديات الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم في بيئاتهم بالخارج. ويقول: "خلال باقي أشهر السنة يجلب المهاجرون مؤنهم من محلات عربية تنتشر في كل الدول الأوروبية، في حين يعودون غالباً إلى خصوصيات المطبخ التونسي خلال شهر رمضان، ما يفسّر تزايد الإقبال على طلبات التوصيل خلال الفترة التي تسبق شهر الصيام".

ويوضح نصري أن المنتجات التي يطلبها المهاجرون بكثرة في رمضان هي البهارات والمعجنات التقليدية والمواد الأولية لإعداد الحساء، مثل شوربة الشعير والقمح، إلى جانب الهريسة والمملحات والتونة التونسية وزيت الزيتون ومختلف أنواع الحلويات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقبل أن تظهر خدمات التوصيل عبر الطرود وتتوسّع في السنوات الأخيرة كانت الأسر التونسية تعوّل على الشحن الجوي لإرسال مستلزمات غذائية أو غيرها لأبنائها في الخارج. وتقول الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي لـ"العربي الجديد": "يزداد شعور المهاجرين بالغربة خلال المواسم والأعياد الدينية التي تجمع الأسر فيبحثون عن جسور تواصل مع بلدهم تمهيداً لخلق مناخات مماثلة في محيطهم البعيد والضيّق".
تضيف: "يعاني المغتربون بصورة ما الحنينَ إلى الوطن، ويصبح هذا الرابط أقوى خلال فترة الأعياد وشهر رمضان. ويظهر ذلك أن تأقلم المغتربين مع عادات بلد المهجر لا يبعدهم عن رمزية أعيادهم ومناسباتهم، ولا سيما تلك الدينية التي يستعيدون عبرها جذورهم. وتعكس الهدايا التي تصل إليهم من أسرهم في طرود غذائية تمسّك عائلاتهم بمساعدتهم في كسر حواجز الوحدة التي تفرضها الغربة عليهم، وظروف الدراسة أو العمل وغيرها من انشغالات الحياة اليومية في بلدان إقامتهم".

المساهمون