زلزال أفغانستان: صدمة نفسية بلا اهتمام

زلزال أفغانستان: صدمة نفسية بلا اهتمام

15 أكتوبر 2023
توجد آثار الأمراض النفسية لدى معظم منكوبي زلزال أفغانستان (ميرواز أمير/ الأناضول)
+ الخط -

يواجه ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية هرات، غربي أفغانستان، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وأسفر عن مقتل أكثر من 2500 شخص، صدمة نفسية قوية وصعبة من التجارب المؤلمة التي مروا بها بسبب فقدانهم أحبة وأقارب، وتدمير منازلهم الذي أبقاهم في العراء بلا سقف، وأيضاً بسبب خوفهم على مستقبلهم، ما يفرض تقديم دعم نفسي مناسب لهم، وهو أمر غير متوفر بحسب المعطيات على الأرض وأوضاع البلاد. ولا شك في أن الأولوية هي تقديم مساعدات يحتاج إليها المتضررون من إيواء وغذاء وعلاج الأمراض.
يقول الطبيب النفسي نعيم الله لـ"العربي الجديد": "مرّ منكوبو الزلزال المدمر بتجربة صعبة للغاية لا تزال ذيولها متواصلة، فهم يعيشون في خيام وتحت السماء، وبعضهم قرب مقابر جماعية دُفن فيها ذووهم. والصورة الفظيعة للمقابر الجماعية وأعمال الإسعاف لإخراج الموتى من تحت الركام باستخدام وسائل بدائية لا تزال راسخة في أذهانهم. ولا ننسى أنّ الأفغان واجهوا على مدار أربعة عقود ماضية ظروفاً صعبة للغاية بسبب الحروب التي ألحقت خسائر كبيرة بهم، ما يعني أن أي حادث طارئ يؤثر عليهم كثيراً، خاصة إذا كانت أضراره أليمة مثل تلك التي خلّفها زلزال هرات". يضيف: "المشكلة الأساس في بلدنا أن الذهاب إلى طبيب نفسي يعتبر عيباً، ويصنّف الشخص بأنه مجنون. ولدى وقوع أحداث مثل زلزال تتركز الجهود على تلبية احتياجات المتضررين من غذاء وإيواء وأدوية وعلاج، أما الاهتمام بالأمراض النفسية فظاهرة غير موجودة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفيما يؤكد نعيم الله أن "قلق سكان المناطق المنكوبة والمتضررين يزداد مع مرور الأيام، يقول ناشط في فريق إغاثة بالمنطقة المنكوبة لـ"العربي الجديد": "توجد آثار الأمراض النفسية لدى معظم المنكوبين، حتى أن بعضهم يبدون كأنهم في عالم آخر فهم يصغون إلى الأحاديث، ثم لا يعرفون ماذا تضمنت حين ينتهي الكلام. جميعهم في صدمة نفسية عجيبة، خاصة النساء والأطفال الأكثر عرضة للأمراض النفسية مقارنة بالرجال الأكثر صلابة".
ويذكر أن "مراهقاً توفيت أمه في الزلزال يغيب عن أسرته خلال النهار، وعندما يُعثر عليه يكون في حالة بكاء قرب مكان دفن أمه. وهو يتحدث مع أمه، ويجلس على قبرها كأنها حيّة تخاطبه، وهذه حاله خلال النوم أيضاً. وقد تحدث معي جده وقال لي إن وضع الفتى أصبح أكثر ما يشغل باله، خصوصاً أنه ينادي والدته فجأة حين يكون وحده، ولا يدري أحد ماذا يمكن أن يفعل معه".
وينقل الناشط عن الجد نفسه أن "وضع زوجته سيئ جداً نفسياً لأنها تبكي ليلاً نهاراً على وفاة زوجة ابنها التي كانت بمثابة ابنتها التي تسندها وتقف بالقرب منها، كما أنها قلقة للغاية على وضع حفيدها الذي تشاركه البكاء. وهذه قصة واحدة، في حين هناك قصص كثيرة أخرى".

الصورة
مقومات الحياة الهمّ الأول للناجين (عصمت الله حبيبيان/ فرانس برس)
مقومات الحياة الهمّ الأول للناجين (عصمت الله حبيبيان/ فرانس برس)

وفيما يقول سيد أشرف، وهو أحد سكان المنطقة المتضررة، لـ"العربي الجديد"، إن "الصحة النفسية مرتبطة بالصحة العضوية والوضع المعيشي"، يوافق الطبيب النفسي محمد خواجه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن "كل الأمور مرتبطة بعضها ببعض، وإذا كانت الحالة النفسية جيدة يؤثر ذلك كثيراً على الحالة الجسدية، وإذا كان العقل يشتغل بشكل جيد وكانت الحالة النفسية مستقرة حينها يمكن لكل من يواجه كارثة أن يتدبر الأمور بروية. من هنا الصحة النفسية مهمة جداً للإنسان، وهي تتدهور في أعقاب كل حادث، خاصة إذا كان زلزالاً مدمراً، من هنا أدعو حكومة طالبان والمجتمع الدولي وكل المؤسسات الخيرية المحلية والدولية إلى الاهتمام بالقضية كما تهتم بجوانب أخرى".
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية أرسلت وفداً من ثمانية أطباء متخصصين في الأمراض النفسية إلى المنطقة المنكوبة.

وكان عضو اللجنة التي شكلتها حكومة "طالبان" للإشراف على أعمال الإغاثة أحمد الله متقي قد قال في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إن "الحكومة مهتمة بكل احتياجات منكوبي الزلزال، لكنها تركز بالدرجة الأولى على الإيواء والغذاء ومقومات الحياة الأساسية، وستعمل في مرحلة ثانية على إعادة بناء المنازل لجعلهم أكثر اطمئناناً ومنحهم الراحة النفسية. ونحن نعرف أن المتضررين يمرون بمرحلة حرجة، لكننا نعمل كي نعيد لهم حياتهم الطبيعية كي يعيشوا براحة وأمن واستقرار".

المساهمون