"ثابورث أوسقاس"... احتفالية رأس السنة الأمازيغية في الجزائر

"ثابورث أوسقاس"... احتفالية رأس السنة الأمازيغية في الجزائر

14 يناير 2021
عادات متجذرة في الذاكرة الشعبية (العربي الجديد)
+ الخط -

بدأت الأسر الجزائرية إحياء عيد رأس السنة الأمازيغية، 2971، أو ما يسمى بعيد "الناير" أول من أمس، في احتفالية تستمر عادة ثلاثة أيام من 12 إلى 14 يناير/ كانون الثاني، من كلّ عام، باعتبارها المؤشر إلى بداية التقويم الأمازيغي، والموعد المتجدد مع الزرع والخير والفلاحة والحصاد أيضاً، وذلك بإحياء تقاليد وعادات على مدار الأيام الثلاثة. وهو عيد سنوي تقام فيه احتفالات بهذا الإرث الذي وصل إلى الجزائريين من أجدادهم، طوال قرون ممتدة في التاريخ.
تتجدّد العلاقة مع العام الأمازيغي كلّما حلّ الثاني عشر من يناير، أو ما يسمى باللغة الأمازيغية (يناير أقذيم)، فهذا اليوم له قدسية خاصة لدى العائلات باعتباره بداية العام الجديد أو كما يطلق عليه بالأمازيغية "أمنزو يناير" أو "ثابورث أوسقاس" أو "باب السنة".
تعتمد الروزنامة الأمازيغية على تغيّر الفصول ومراحل زرع ونمو وحصاد النباتات والخضروات والبقول الجافة والفواكه، إذ يقول الباحث في التاريخ، من جامعة "أم البواقي" سعيد بوطران لـ"العربي الجديد" إنّ "التأريخ الأمازيغي مرتبط بالمواسم والأعمال الزراعية والفلاحة المنتظمة" وذلك استناداً إلى مواقع الكواكب وأهمها القمر والشمس. أما الخصوبة، فهي ميزة افتتاح العام، إذ يعدّ شهر يناير بداية التاريخ الفلاحي، بحسب بوطران، أو ما يوصف بأنّه "الفترة الفاصلة ما بين نمطين شمسيين وهما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي"، إذ تؤذِن للبدء في العديد من الطقوس المرتبطة بزراعة الأرض وبداية العمل الجاد الجالب للخير ووفرة المحاصيل الزراعية.

الصورة
عروس رأس السنة الأمازيغية - العربي الجديد

وتشير بعض الكتابات حول الثقافة الأمازيغية، إلى أنّ العدّ التاريخي للسنة الأمازيغية بدأ منذ عام 950 قبل الميلاد، إذ تنصّ على أنّ هذا التقويم بدأ مع "انتصار الملك البربري أو الأمازيغي شاشناق" على الملك رمسيس (رعمسيس) الثالث من أسرة الفراعنة بمصر، وذلك في سنة 950 قبل الميلاد، في معركة دارت في منطقة بني سنوس، بالقرب من ولاية تلمسان 486 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية. وعلى هذا الأساس، ظلّت تلك المعركة انطلاقاً لحدث مهم في الثقافة الأمازيغية يُحتفل بها رسمياً كلّ عام، في مختلف مناطق الجزائر، في جو بهيج مليء بالمشهديات يصنع الفرحة، وتقدم في المناسبة أشهى الأطباق.

احتفالات "الناير" في الجزائر تتخذ طقوساً مختلفة من منطقة إلى منطقة ومن قرية إلى أخرى، لكنّها تعتبر وسيلة لاستقبال عام الخير، على حدّ تعبير الباحثة في التراث، وهيبة شريد في حديثها إلى "العربي الجديد" موضحة أنّ الاحتفالات تجري على مدار ثلاثة أيام. وعلى العكس من بقية الأيام، ينفرد اليوم الأول من السنة الأمازيغية أي الثاني عشر من يناير، بإعداد البيوت لاستقبالها كضيفة عزيزة، إذ تعكف الأسر على تجديد كلّ أواني الطبخ واقتناء الطيني الصنع منها، فضلاً عن إتمام مختلف أشغال النسيج والحياكة.

الصورة
تحضيرات رأس السنة الأمازيغية - العربي الجديد

ويسمى اليوم الثالث عشر من يناير، أي اليوم الثاني من الاحتفال، بحسب طقوس منطقة الأوراس، شرقي الجزائر بـ"ينار أجديذ" أي شهر جديد، وفيه يجري إعداد الطبق التقليدي ليناير وهو أمنسي نيناير، ويطلق عليه محلياً طبق القديد، الذي يعتمد على اللحم المجفف المحفوظ في الملح. كذلك، يضاف الطبق نفسه إلى مائدة عشاء العام الجديد في هذا اليوم بالذات، مع تحضير سبعة أنواع من الفواكه والخضروات غالباً ما تتمثل في التين، والجوز، والمشمش والبرقوق المجففين، والتمر، والعنب، والرمان وربما غيرها من المنتجات الموسمية. أما اليوم الثالث من الاحتفالية، الذي يصادف اليوم الخميس في الرابع عشر من يناير، فيتميز عند النساء باستحضار عادة "أسليث نينار" أو "عروس ينار" كما تقول شريد، وفيه يجري تزيين فتاة بأبهى حلة من الملابس التقليدية والحلي الفضية، وترافقها النساء في زيارات لمختلف بيوت الجيران في المنطقة كـ"ملمح من ملامح السعادة والفرح والسرور بهذا العام الجديد" كما تضيف.

الصورة
تحضيرات رأس السنة الأمازيغية - العربي الجديد

على المستوى الجغرافي، تختلف الطقوس بحسب كلّ منطقة جزائرية، ففي منطقة القبائل الكبرى، وسط الجزائر، تحتفل العائلات بعادة تسمى "أسفال" مع طبخ طبق الكسكسي، بمختلف الخضر واللحوم، وتحرص فيه المرأة على توزيعه على جميع أفراد أسرتها وتقديمه كهدية أيضاً للجيران والأقارب امتناناً للخير وطلباً للرزق والخصوبة. كذلك، يجري تحضير أطباق أخرى في هذه المنطقة من دون اللحم، قوامها الحبوب، من بينها طبق أوفتيان، وهو عبارة عن حساء يتشكّل من القمح والحمص والفول وحبوب جافة أخرى لترمز إلى الخصوبة ووفرة المحاصيل، فضلاً عن إعداد بعض الفطائر بالعسل لبعث التفاؤل والسعادة وانتظار سنة مليئة بالفرح والإنجاز والحصاد.


أما في منطقة آريس، بولاية باتنة، شرقي البلاد، فيجري إعداد طبق إيرشمن، أو الشرشم، وهو طبق يتم إعداده عن طريق نقع القمح في الماء ثم يُغلى ويُصفّى لتضاف إليه كمية من الغرس أو التمر الطري كما تقول السيدة حدة حشاني لـ"العربي الجديد". كذلك، تحرص نساء هذه المنطقة على بدء السنة الأمازيغية بتنظيف البيوت واستقبالها بالألبسة التقليدية والحلي الفضية. بالنسبة لسكان الواحات الجزائرية، تبدأ السنة الأمازيغية بتفقد بساتين الأشجار والنخيل، وبدء الاعتناء بالزرع. وتُعرف منطقة ميزاب بإعداد طبق أرفيس من السميد والسكر والحليب والبيض، وتطبخه ربة المنزل في شكل فطيرة ثم تفتت وتطهى على بخار الماء، وبعد ذلك يجري وضع الفطيرة في الدهون الطبيعية، وتزين بالبيض والزبيب. اللافت أنّ عادات ميزاب تعقبها حلقات الذكر وقراءة القرآن والتضرع لله بأن تكون السنة وفيرة الحصاد. وأدى تجذر هذه الطقوس الاجتماعية في قلب الأسر الجزائرية إلى زيادة التماسك بين الأسر والجيران، مع توقع الأفضل دائماً. 

الصورة
تحضيرات رأس السنة الأمازيغية - العربي الجديد

لمناسبة إحياء رأس السنة الأمازيغية خصوصية في الجزائر، إذ أصبحت بمرور السنين عيداً يتجدد فيه التواصل مع الإرث الذي وصل إلى أهل الزمن الحاضر من الأسلاف، عبر تقاليد وموروث ثقافي وطقوس تخلق البهجة والسعادة في الأسرة الواحدة، وبين سكان البلدة الواحدة، والمدينة الواحدة، وعلى امتداد الوطن، بمختلف جهاته، من دون أن ننسى أيضاً أنّ كثيرين في دول المغرب العربي يحتفلون بالمناسبة نفسها.

الصورة
تحضيرات رأس السنة الأمازيغية - العربي الجديد

المساهمون