ترف صيني... "أرحام غربية" لـ"تحسين" الجينات

ترف صيني... "أرحام غربية" لـ"تحسين" الجينات

28 سبتمبر 2021
شبان صينيون يريدون أطفالاً غربيين (غونغ بو/ Getty)
+ الخط -

 

مع تزايد نزعتهم إلى تقليد الغرب، يتوجه صينيون إلى خيارات تتعارض مع تقاليدهم وحتى مع قوانين السلطات في البلاد، من بينها استئجار أرحام أميركيات وأوروبيات لتغيير جينات الأطفال.

انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة محاولة أثرياء في الصين تحسين جيناتهم الآسيوية، عبر استئجار أرحام نساء أوروبيات وأميركيات لإنجاب أطفال بعيون واسعة وملامح غربية. وساهمت هذه الرغبة في ازدهار سوق جديد وفريد من نوعه شهد فتح مكاتب سمسرة ووكالات متخصصة في تسهيل الإجراءات عبر القارات وتتبع تنفيذها. وتفيد أرقام متداولة على مواقع صينية للتواصل الاجتماعي بأن كلفة إنجاب طفل واحد تناهز 150 ألف دولار، علماً أن القانون الصيني يمنع تأجير الأرحام، بخلاف الولايات المتحدة، ما يشكل أحد أسباب لجوء الشباب الصيني إلى السوق الأميركية. لكن مراقبين يرون أن الأمر لا يتعلق بمجرد الرغبة في تحسين المواصفات الجينية للجيل الجديد، بل أيضاً بارتفاع معدلات العقم في البلاد. 

يكشف لو مينغ البالغ 27 من العمر ويعمل مبرمجاً في شركة تكنولوجية بمدينة تيانجين، لـ"العربي الجديد" أن فكرة الإنجاب عبر الحدود راودته أكثر من مرة، وأنه بات يملك إلماماً كاملاً بكل تفاصيل الموضوع، لكن ما أعاق مهمة تحويل الفكرة إلى واقع رفض والديه تنفيذها كونها تتعارض مع القانون الصيني. ويقول: "لست متزوجاً ولا رغبة لدي في فعل ذلك، لكني أفضل الإنجاب بهذه الطريقة في المستقبل، فأن يكون لدي طفل مختلف عن أقرانه الصينيين على صعيد الملامح والنسب أيضاً، أمر يثير حماستي. الصينيون يملكون عيوناً صغيرة جداً، وأنوفاً مسطحة، بينما يتميز الغربيون بأنوفهم الطويلة والمستقيمة وعيونهم الواسعة والجميلة. وهم دائماً محط إعجاب شعوب الدول الأخرى، خصوصاً في شرق آسيا". 

من جهته، يقول تشون وان، وهو صاحب مركز لألعاب الفيديو في العاصمة بكين لـ"العربي الجديد": "والداي يلحان علي بالزواج منذ أن تخرجت قبل عامين، لأنني وحيدهما، ويريدان أن أنجب طفلاً يحمل اسم العائلة ويحافظ على نسلها. فكرت في الأمر قبل أن أقرأ عن موضوع تأجير الأرحام، وقد استهوتني الفكرة كثيراً، إذ أستطيع بهذه الطريقة أن أحصل على طفل من دون تحمل أعباء الاقتران بزوجة، فأنا صعب المراس، ولا أعتقد بأن أي فتاة تستطيع أن تعيش معي تحت سقف واحد. كما أنني لا أريد أن أجلب زوجة تعكر أجواءنا العائلية الهادئة". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويربط باحثون عزوف الشبان الصينيين عن الزواج بانجذابهم إلى القيم الغربية المتحررة. ويقول الباحث في مركز "شين جن" لفض النزاعات الاجتماعية تيان شانغ لـ"العربي الجديد": "في ظل التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع ووجود خيارات متعددة، بات الشباب يفضلون حياة العزوبية، وبدأ المتزوجون في التوجه نحو الطلاق. ويهدد ذلك مفهوم الأسرة الصينية، ويتسبب في انقطاع سلالات العائلات".

أما الطالب في جامعة بكين للدراسات لينغ تاو فيتحدث لـ "العربي الجديد" بنفس قومي. ويعتبر أن "فكرة استئجار أرحام أوروبيات قد يمثل وسيلة لرد اعتبار الأمة الصينية التي عانت من ويلات تعاقب المستعمرين الغربيين على أراضيها. ونهضة الصين اليوم وتقدمها الاقتصادي وتفوقها على دول متقدمة كثيرة يمنح شبابها الحق في التعامل مع الغرب بقدر من الدونية، مثلما كان ينظر المستعمرون للمواطن الصيني خلال العقود السابقة، باعتباره مجرد عبد يلبي رغباتهم، وينفذ أوامرهم". من جهتها، تشرح الباحثة إيمي تان لـ"العربي الجديد" بأن القانون الصيني يعارض بوضوح استئجار الأرحام، ويعاقب من يخالفه بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ما دفع شباناً كثيرين نحو الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة التي يسمح قانونها بذلك".

الصورة
رغبة في أطفال بعيون واسعة (جيا مين جي/ Getty)
رغبة في أطفال بعيون واسعة (جيا مين جي/ Getty)

ورداً على سؤال عن الدوافع الذي تقف وراء هذه الفكرة وانتشارها بين الشباب وتزايد احتمال وضعها قيد التنفيذ، تشير إيمي تان إلى سببين رئيسيين: الأول ارتفاع نسبة العقم عند الرجال، ما يعني أنه في ظل منع السلطات استئجار الأرحام في الداخل وانعدام البدائل المحلية قد يجد هؤلاء ضالتهم في السوق الأميركية. أما السبب الثاني فيرتبط بالترف المفرط لدى الطبقة البرجوازية داخل المجتمع الصيني، والذي يجعل الكثير من أفرادها يتنكرون للقيم والتقاليد المحلية السائدة من خلال اتباع الموضة الغربية في كل مظاهر الحياة، سواء على صعيد المظهر أو العادات وحتى اللغة". تضيف: "نحن أمام جيل غير متصالح مع نفسه، ولديه جموح نحو تقليد كل ما هو غربي، وبلغ ذلك اليوم حدّ الإنجاب لمجرد الرغبة في تحسين الجينات الوراثية".

وسبق أن شنت السلطات الصينية حملة كبيرة خلال الأعوام الماضية على مكاتب سمسرة كثيرة مسؤولة عن تسهيل إجراءات تأجير الأرحام، خصوصاً بعد انتشار هذه الظاهرة واتساعها، وتداول قصص وصور على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال أشخاص بادروا إلى تنفيذ هذه الخطوة، علماً أن الفكرة حظيت بترحيب واسع من مستخدمي الإنترنت في البلاد، باعتبارها تطور الجينات وتحسن ملامح المواطنين في المستقبل. لكن هذه التعليقات وردود الفعل المحبذة للظاهرة والمؤيدة لتطبيقها أغضبت السلطات وأثارت سخط مسؤوليها، ما دفعها إلى إغلاق أكثر من 120 منصة إلكترونية، وحذف نحو 150 ألف منشور تناول مسألة تأجير الأرحام في موقع "ويبو" الصيني الذي يعادل موقع "تويتر".

واللافت أن إقبال الصينيين على استئجار أرحام أميركيات ارتفع بنسبة 18 في المائة بحسب تقديرات محلية غير رسمية خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بالفترة الممتدة بين عامي 2010 و 2015.  وعزا مراقبون ذلك إلى ارتفاع نسب العقم ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، إذ حددت الجمعية الوطنية للصحة الإنجابية في الصين عدد الذين يعانون من العقم في البلاد بحوالى 55 مليون شخص العام الماضي، مع توقعها أن يتجاوز العدد حاجز المائة مليون بحلول عام 2030، بسبب مشكلات التلوث الناجمة عن مخلفات المصانع. وكان نشطاء حذروا سابقاً من خطورة تأجير الأرحام على المجتمع الصيني، ودعوا السلطات إلى "الضرب بيد من حديد كل من يتخطى الخطوط الحمراء"، معتبرين أن "إقبال الشباب على هذا الإجراء يهدد الجينات الصينية ويخلق جيلاً مشوهاً فكرياً وثقافياً واجتماعياً". 

المساهمون