المهاجرون في ليبيا... قصة أخرى لمأساة الفيضانات

المهاجرون في ليبيا... قصة أخرى لمأساة الفيضانات

21 سبتمبر 2023
ابتلع بحر درنة مهاجرين استقروا في ليبيا بعدما جرفتهم الفيضانات صوبه (خليل فيدان/الأناضول)
+ الخط -

عندما توجّه المهاجر السوري عمّار كنعان إلى ليبيا، وهو قاصر في السابعة عشرة من عمره، لم يكن يتوقّع أن ينتهي به الحال إلى الموت مع آلاف آخرين، في كارثة فيضانات درنة الناجمة عن العاصفة دانيال.

قبل عامَين تقريباً، استقرّ عمّار في شقة صغيرة بالطبقة الأولى من أحد المباني في درنة، شمال شرقي ليبيا، بعيداً عن وطنه، وذلك بعدما أحجم عن محاولة محفوفة بالمخاطر لعبور البحر الأبيض المتوسط في اتجاه أوروبا خشية أن يغرق مثل كثيرين لاقوا هذا المصير.

بعد فراره من سورية لتجنّب الخدمة العسكرية الإجبارية، وجد عمّار وظيفة ثابتة في متجر للحلويات بدرنة، وعاش مع زمَيلَين سودانيَّين له في مسكن يقع على بعد أمتار قليلة من مجرى نهر درنة، حتى بلغ التاسعة عشرة من عمره.

وباتت الآن قطعة الأرض حيث كان يقوم المبنى الذي سكنه الشبّان المهاجرون، ذات يوم، رقعة من التراب البني الضارب إلى الحمرة. أمّا المبنى فصار أثراً بعد عين، والأسر التي كانت تعتمد على ما يرسله هؤلاء الشبّان من مال فُجعت بأبنائها، وهي لم تعثر بعد على جثثهم لدفنها.

يقول أسامة كنعان، البالغ من العمر 24 عاماً، وهو عمّ عمّار وكان قد انتقل بدوره من سورية إلى مدينة بنغازي الليبية هذا العام، إنّ ابن أخيه "لم يذهب إلى البحر. البحر جاء إليه. غرق ومات".

الصورة
جثث ضحايا سقطوا في فيضانات درنة في ليبيا (ريكاردو غارثيا فيلانوبا/ فرانس برس)
لقي نحو 400 مهاجر حتفهم في خلال فيضانات ليبيا بحسب المنظمة الدولية للهجرة (ريكاردو غارثيا فيلانوبا/ فرانس برس)

وبعد مرور أكثر من عقد على الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي، تحوّلت ليبيا إلى نقطة انطلاق رئيسية لشبّان يحاولون الوصول إلى أوروبا في رحلات هجرة غير نظامية.

لكنّ كثيرين من هؤلاء المهاجرين يعمدون إلى البقاء في ليبيا من أجل العمل فيها، علماً أنّ اقتصاد هذه البلاد يعتمد على النفط.

وفي هذا الإطار، أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأنّ درنة كانت "موطناً" لأكثر من ثمانية آلاف مهاجر، معظمهم من تشاد ومصر والسودان، عندما اجتاحت الفيضانات المدينة.

وفي حصيلة أولية، لقي نحو 400 مهاجر منهم حتفهم قبل أيام، عندما هطلت الأمطار الغزيرة الناجمة عن العاصفة دانيال وتسبّبت في انهيار سدَّين كان من المفترض أن يحافظا على المدينة آمنة.

غادر عمّار سورية وهو يبلغ من العمر 17 عاماً، عازماً على تجنّب الخدمة العسكرية الإجبارية في بلد تمزّقه حرب مستمرّة منذ 12 عاماً. وفي ظلّ الاقتصاد السوري المتدهور، كان يأمل أن يساعده أيّ عمل في الخارج في إرسال المال لوالدَيه في محافظة درعا الجنوبية.

ولمّا كان الوصول إلى أوروبا أمراً شبه مستحيل، وتركيا مكلفة جداً ويصعب الذهاب إليها، فقد استقرّ به المقام في ليبيا.

وهناك، أغرت عمّار فكرة ركوب قوارب الهجرة الصغيرة في اتجاه أوروبا. ويؤكد عمّه أسامة أنّه حلم بإكمال الطريق إلى أوروبا، "لكنّ الأهل رفضوا خوفاً عليه من الغرق".

ومع بلوغه التاسعة عشرة من عمره، كان عمّار يعمل في متجر حلوى ويكسب 500 دولار أميركي شهرياً، وقد اعتاد إرسال صور الكعك الذي يخبزه إلى عائلته.

وعندما هطلت الأمطار في العاشر من سبتمبر/أيلول، بعث عمّار برسالة نصيّة قصيرة لعمّه أسامة كتب فيها "الله يساعدنا، هذا أفضل شيء".

لكنّ الرسائل التالية التي بعثها أسامة ظلّت غير مقروءة. وبحلول الصباح، لم تكن رسائله على تطبيق واتساب قد وصلت إلى هاتف عمّار.

من جهته، يتذكّر خليل البالغ من العمر 61 عاماً، وهو عامل مصري يعيش في درنة، مشهد "تدفّق شلالات من المياه" وهي تطيح بالسيارات لترتطم بالمباني. ويقول: "كنت أعرف كلّ المصريين الذين كانوا هنا... مات كثيرون منهم".

أمّا علام، وهو عامل بناء مصري يعيش في درنة منذ ثلاثة أعوام، فيخبر أنّه فقد عشرة من أصدقائه في الكارثة. يضيف: "هذه ليست درنة التي نعرفها. اختفى وسط المدينة كله".

ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ أكثر من 110 سوريين لقوا حتفهم في فيضانات درنة الأخيرة.

وفي غضون ساعات، بعد وقوع الكارثة، تحوّلت صفحات على موقع فيسبوك، يستخدمها السوريون في ليبيا للعثور على وظائف، إلى وسيلة للبحث عن الذين انقطعت أخبارهم. ونُشرت صور لرجال ونساء وأطفال ما زالوا في عداد المفقودين، مع نداءات يائسة للمساعدة وأرقام هواتف للتواصل.

واليوم، تعود شيئاً فشيئاً المنشورات المعتادة على تلك الصفحات. وقد حاول مواطن سوري الاستفسار عن رواتب الحلاقين في المدن الليبية، في حين سألت امرأة عن معلومات حول السكن من أجل إحدى صديقاتها.

وبينما حمل بعض الردود نصائح، ثمّة من ردّ "لا تأتوا".

(رويترز)

المساهمون