المركز العربي في تونس يبحث تحولات الأرياف المغاربية: إهمال شبه مطلق

المركز العربي في تونس يبحث تحولات الأرياف المغاربية: إهمال شبه مطلق

16 فبراير 2023
باحثون ومختصون يناقشون قضايا وتحولات الأرياف المغاربية (العربي الجديد)
+ الخط -

بحث المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس، اليوم الخميس، موضوع "تحوّلات الأرياف المغاربية: الممارسات والفاعلون والرهانات"، بحضور عدة باحثين ومختصين في هذا المجال.

ويأتي تناول هذا الملف في ظل ما يشهده الريف المغاربي من تغيّرات واشتراكه في عدة مسائل وارتباطه بعدة تحركات اجتماعية. وتشير عدة دراسات إلى أن العلاقة بين السلطة السياسية والمواطنين خلال الفترة التي سبقت ثورات الربيع العربي انبنت على ما يُسمى العقد الاجتماعي، وتوزيع جزء من الموارد المتأتية من ريع الثروات الطبيعية وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، في مقابل ضمان الاستقرار الاجتماعي. ولكن خلال السنوات الأخيرة من 2000 إلى 2011 شهد هذا العقد الكثير من الاختلالات، إذ احتكرت قلة من النخب السياسية والاقتصادية القريبة من السلطة جلّ الامتيازات، في مقابل إهمال شبه مطلق لحاجيات المواطنين، وهو ما نتج منه تعميق الهوة بين الفئات الاجتماعية.

الصورة
المركز العربي في تونس يبحث تحولات الأرياف المغاربية (العربي الجديد)
المركز العربي في تونس في نقاش تحولات الأرياف المغاربية (العربي الجديد)

تهميش الأرياف

وقال رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس، مهدي مبروك، لـ"العربي الجديد "، إن العلوم الإنسانية والاجتماعية اهتمت بالمدينة، فيما ظلت الأرياف المغاربية شبه منسية، رغم كل ما يحصل فيها من قضايا وما يعرفه الريف من تحركات، مؤكداً أن المظلومية التي لا تزال تعاني منها عدة أرياف تدفع إلى ضرورة إعادة الاعتبار إليها".

وأضاف مبروك أن "جلّ التحركات الاجتماعية تتغذى من هذه المظلومية، وهو ما قد يدفع إلى عدة ظواهر خطيرة، مبيناً أن خريطة الفقر الصادرة، أخيراً، بتونس بيّنت حجم التراجع المدرسي من هذه المناطق، إذ يغادر الآلاف مقاعد الدراسة سنوياً، بالإضافة إلى النزوح والهجرة، ولكن يجب أن نؤكد أن الريف ليس هذا الخزان السيئ فقط، بل هو أيضاً مصدر للزراعة ولليد العاملة المنتجة، الذي يوفر الحد الأدنى من الأمن الغذائي لنا، وإن وجد شحّ للمياه وتهديد للأمن الغذائي، فلأن الدولة لم تهتم بعالم الإنتاج وبالتغيرات الحاصلة في الأرياف". 

أما الباحث محمد العروسي العمري، فقال لـ"العربي الجديد": "للأسف هناك تلاشي حضور الدولة في الأرياف، والريف ليس جامداً ولا يخلو من حراك اجتماعي، مشيراً إلى أن الحركية لا تسير في علاقة ديناميكية، بل في ارتباط مع الخارج من حيث الأسواق والتجهيزات والأسمدة"، مضيفاً أن "الريف مرتبط بالأسواق العالمية أكثر من الدولة".

"الأرياف المغاربية أساس التنمية"

وقال العمري إن "الفلاح مثلاً يجب أن يكون مستقلاً في القرار وفي حلّ من كل ارتباط دولي، وأن يتم تنمية المحليات والمستغلات الفلاحية مع إيجاد منافذ وديناميكية محمية"، مؤكداً أن "الأرياف المغاربية هي أساس التنمية".

وأضاف أن "الأرياف المغاربية لها نقاط مشتركة، إذ تشترك في التفكك ولا تتفاعل مع أدوات الإنتاج، وظلت تعتمد على الرصيد البشري في الإنتاج، ولكن للأسف هناك هوة كبيرة مع المدينة، وليست هناك علاقة تكامل".

من جهته، أوضح الباحث علي عبد الله أنه "من ريف إلى ريف يختلف الوضع، ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع المطروح، لأننا في واقعنا العربي تناسينا تجاربنا الهامة في هذا المجال"، مؤكداً أن "بلداناً متقدمة عانت من التلوث، أصبحت اليوم تنشئ أريافاً بعد أن انقرض بعضها، وفي خضم ذلك تناسينا أهمية الريف بسبب كثرة الضغوطات والاستراتيجيات والقضايا الكبرى التي أغرقتنا في مسائل النمو والتنمية".

وأوضح أن "الملف هام، والدول الكبرى كأميركا اللاتينية قامت بعدة مراجعات"، مضيفاً أنه "لا بد من فهم ظاهرة الأرياف ومتابعة تحولاتها، وهل أفلتت من التنظيمات الكبرى للدولة أم لا تزال تتعامل معها".

قطيعة بين الدولة والريف

بدورها، أكدت المختصة في علم الاجتماع، هاجر جندوبي، التي قدمت مداخلة عن التناول السوسيولوجي للأرياف التونسية، أن "الأرياف التونسية شهدت عدة تحولات، منها من اندمج في مسار التحديث، ومنها من تفكك"، مبينة أن "الإرث السوسيولوجي وتحول الأرياف التونسية والبنيات الفلاحية شكلت مجالاً للدراسات العلمية بعد الاستقلال، وتطورت العلاقة بين المجتمع والأرياف.

وأضافت أنه "حصلت قطيعة بين الدولة والريف رغم بعض محاولات الإصلاح والتنمية".

ولفتت إلى أن "التغير لا يكون إلى الوراء، إذ لا بد من الانتباه إلى التقدم لتجنب اللانظام وكل ما يهدد التوازن"، مؤكدة أنه "لا بد من استراتيجية تجاه الأرياف والنظر في وضعية الفلاح الصغير، الذي تحول إلى أجير، مؤكدة أن هناك عدة إشكاليات مطروحة حول التكيف والارتقاء وقدرات الزراعيين على إعادة الإنتاج ونشأة الفاعل الاجتماعي والدفع نحو التنمية والاستراتيجيات الكبرى والقضايا النسوية".

في المقابل، أكد الباحث، الحبيب بن غربية، أن "تونس لم تحافظ على عدة مناطق ريفية وعلى الزراعات السقوية، وركزت على قطاع التصدير وشكلت مخزوناً ومنشآت مائية مهمة، ولكنها لم تحافظ على هذا الإرث بسبب المزروعات المستنزفة للماء، ومع التغيرات المناخية الحاصلة أصبح اللجوء إلى مقاربات أخرى تضعها الدولة للتعبئة المائية والتخزين والتحويل، فنجد 82 بالمائة من الموارد المائية في الشمال، ولكنها تعاني عدة مشاكل تقنية، فهذه السياسة ولئن ساعدت الدولة في فترة ما، إلا أنها أفضت إلى عدة إشكاليات".

وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "ركز في مداخلته على المقاربة المائية، لأن مشاريع التنمية وكل المقاربات في البلدان المغاربية ركزت على الماء"، موضحاً أنه "حصلت مقاربات تقليدية من خلال المجامع والمنشآت المائية، ثم حصل تغيير نوعي يعتمد على المقاربة القطاعية التي تعتمد التدخل النوعي للدولة، وهي مقاربة لها نقاط قوة من حيث الربط والتوزيع، ولكنها اصطدمت بعدة إشكاليات لاحقاً".

تحولات في الأرياف

أما الباحث المغربي، حسن علاوي، فأكد أن "التحولات في الأرياف المغربية هي في الحقيقة مجموعة من الأحداث التي أثّرت في الواقع، وأدت إلى حصول ما يعرف بالتحول البنيوي، ما أثر في الفلاحة والواحات في الأرياف المغاربية، خاصة في جنوب شرق المغرب، في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية ومد حداثي هام أثّر في الواحات التي تغيرت ملامحها.

وأضاف أن "الفلاحة المعيشية واقتصاد السوق أثّرا في الواحات، مشيراً إلى أن هناك في المغرب تقسيمات ترابية وإدارية". 

وبين أن "ما وقع في الواحات المغربية والسلوك البيئي أثّر في المجال الطبيعي، فالإنسان الواحي كان يتعامل مع هذا المجال من خلال المحافظة عليه وعلى ديمومته، ويحاول تأمين الغداء بطريقة ذكية، ولكن حصل تحول على مستوى ملكية الأرض وتوافر الماء".

وترى الأستاذة الجامعية والباحثة المغربية، فاطمة البغدادي، أن "المجالات الريفية تشهد عدة تحولات مرتبطة بعدة عوامل، منها الهجرة الدولية، ودورها في خلق تغيرات على مستوى المجال وإعادة تشكيل مشهد ذي ملامح جديدة"، مبينة أن "هناك في منطقة تساوت السفلى المغربية، مثلاً، تحولات وثقافة أخرى كانت نتاج الهجرة الدولية التي لا تهدأ وتيرتها".

وتكمل بالقول: "الأسرة كان لها حضور واعتماد على العمل الفلاحي، والآن أصبحت المكانة من طريق عدد الأفراد المهاجرين من الأسرة الواحدة"، مشيرة إلى أن "هذا ساهم في خلخلة البنى الاقتصادية وتحول الأمر على الأقل في منطقة الدراسة من مجتمع فلاحي إلى أنشطة تجارية مختلفة ومتفرقة".

المساهمون