الغِيَب

الغِيَب

05 مايو 2022
في محمية نهر الدندر (عبد المنعم عيسى/ فرانس برس)
+ الخط -

في اللغة العربية، تستخدم كلمة غاب أو غابات، من الغياب في الأصل، كصيغة جمع لكلمة غابة، ويعود السودانيون إلى الأصل، إذ إن الكلمة التي يلفظها بعضهم هي غِيَب، كأنّهم يستبطنون الغياب أو التغييب في المقولة المستحدثة عما يحدث للغابات على أرض الواقع. 

لا حاجة لمعرفة أنّ أفضل الغابات وأكبرها مساحة وأكثرها جودة هي تلك التي توجد في إقليم دارفور، والمناطق الجنوبية لأقاليم كردفان والنيل الأبيض والنيل الأزرق، وعلى ضفاف أنهار الدندر والرهد ونهر عطبرة. والدليل على ذلك مشاهد الشاحنات الضخمة المحملة بأطنان من الأخشاب، والتي تعود ملكية معظمها إلى القوات النظامية، أو يتمتع أصحابها بحماية النظام وأجهزته الأمنية، وهو ما يحصل رغم صدور القانون الخاص بالغابات والأحراش في السودان في أوائل عام 1991، وإنشاء مصلحة الغابات في يناير/ كانون الثاني 1992. ويشرح الخبير محمد الأمين مختار الواقع الحالي قائلاً: "تعرّت مساحات شاسعة من الغابات المنتجة، وتحوّلت إلى صحراء تنتهبها الرياح، وجبال قاحلة، ووديان ينهشها الانجراف لدرجة استحالة زرعها. وخفّض ذلك مستوى المعيشة، وجلب الجوع والشقاء لحياة ملايين من البشر".

كانت أشجار الدوم والدليب والسنط والهشاب والتبلدي والطلح والقُمبيل والحراز والسيّال والعرديب تمثل ثروات لأهل الريف يحرسونها وفق أعراف ومعارف تقليدية متوارثة، ويزرعونها عبر عمليات دقيقة، حيث يزيلون الأشجار الهرمة التي توقف نموها وعطاؤها، ويزرعون مكانها محاصيلهم لسنوات قد تصل إلى 15 عاماً تكون خلالها قد فقدت خصوبتها، ثم يتركونها لينمو عليها الهشاب، فتستعيد الخصوبة مجدداً. وهكذا يضمنون الحفاظ على خصوبة الأرض واستدامة الغابة، ودرء التصحر، مع التمتع الكامل بعطاء الغابة، واستغلال مواردها كالصمغ والثمار الزهور والبذور والأوراق واللحاء، والتي تستخدم في عمليات التداوي وإنتاج العطور والأصباغ والمواد الدابغة. بيد أن الأمر اختلف في السنوات الأخيرة، فمن يزيل الغابة لا يزرع مكانها أشجاراً أخرى، ومن يشرف على توزيع الأرض لم يعد هو إنسان المنطقة الذي يعرف فضلها، بل الغريب الذي يتمتع بسلطة، فتكاثرت العوائق التي ساعدت في تدهور البيئية، كما يذكر خبير الغابات كمال بادي، والذي يقول: "تبقى للسودان الشمالي بعد انفصال الجنوب أقل من 11 في المائة من مساحة غاباته التي نجدها محصورة في أصقاع نائية تعتبر الأكثر تأثراً بالحروب والنزاعات، وموجات النزوح واللجوء، وابتعاد الظل الإداري. وبعض هذه المساحات تواجه بالتوسع الزراعي المطري الأفقي الغير مرشد، والإبادة الواسعة لأغراض الاتجار بالأخشاب". 

موقف
التحديثات الحية

ويرى الخبير محمد الأمين مختار أنّ "الحلّ يتمثل في وقف تدخل السلطات الأمنية بالغابات فوراً، ووضع سياسة قومية استراتيجية وقوانين رادعة لحماية ما تبقى من غابات، والاتجاه إلى وضع سياسات قومية لاستثمار الأراضي بناءً على قواعد إيكولوجية وبيئية صحيحة".

فهل يمكن؟

(متخصّص في شؤون البيئة)

المساهمون