الغازات الدفيئة تهدّد مدن أوروبا

الغازات الدفيئة تهدّد مدن أوروبا

29 أكتوبر 2021
الوقت يكاد ينفد... لا بدّ من التحرّك (ألبرتو سيباخا/Getty)
+ الخط -

قبيل حلول موعد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) التي تُعقََد في غلاسكو باسكتلندا ما بين 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري و12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يحذّر خبراء حول العالم من انعكاسات سلبيّة على حياة بعض المدن نتيجة الاحتباس الحراري. وهذا المؤتمر المرتقب يُعَدّ "فرصة أخيرة" لإنقاذ البشرية من مصير أسود.
وإذا كانت العاصمة الإسبانية مدريد تعاني اليوم من تلوّث الهواء، فإنّ الخبراء يحذّرون من أنّ مدناً أوروبية أخرى مثلها سوف تشهد ارتفاعاً قياسياً في درجات حرارتها، كما كانت الحال في مراكش المغربية أخيراً عندما تخطّت 51 درجة مئوية، وذلك في حال تُركت الأمور تسير بهذه السلبية حتى عام 2050. فالتأثير الناجم عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وعن ارتفاع درجات مياه المحيطات والبحار لم يعد بعيداً عن سكان مدن أوروبا. وهؤلاء يرتبط في ذهنهم ذلك التأثير بما تعرّضت إليه المنطقة القطبية الشمالية في خلال العقدَين الأخيرَين من انحسار البقع الجليدية فيها والذوبان المتعاظم في جبالها، بفعل ارتفاع درجات الحرارة غير الطبيعية في العادة. كذلك ينطبق الأمر على منطقة ألاسكا الأميركية التي تشهد تغيّرات كارثية، لم تعد تنحصر فقط في ذوبان الثلوج والجليد بل تمتدّ إلى انهيارات ضخمة في الغابات.

وفي السنوات الأخيرة، باتت التأثيرات السلبية للتغيّر المناخي التي تسبّب فيها صعود منحنى الصناعات منذ عام 1900 باستخدام الوقود الأحفوري بشكل متزايد، تستهدف الأوروبيين في بيوتهم على شكل فيضانات مدمّرة، مثلما نقلت صور صيف 2021، سواءً في ألمانيا أو النمسا أو هولندا أو بلجيكا أو غيرها، بالإضافة إلى الحرائق الكبيرة التي لم توفّر سيبيريا الروسية ولا أستراليا ولا القارة الأميركية الشمالية وصولاً إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
كثيرة هي التبعات السلبية لتركّز ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي، لا سيّما أنّه المسبّب الرئيس للاحتباس الحراري. بيد أنّ أكثر ما يقلق خبراء دول الشمال، خصوصاً لناحية استمرار ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية عن معدلاتها وتوقّع وصول الارتفاع إلى نحو 2.7 بعد نحو 28 عاماً. فذلك الارتفاع لا يعني التوقّف عند هذا الرقم، بل سوف يقلب الأمور في المدن الكبيرة بما يزيد في المتوسط عن خمس درجات مئوية.
ومن المتوقّع أن تصل العاصمة البريطانية لندن على سبيل المثال إلى مستوى درجات حرارة العاصمة الفرنسية باريس اليوم، في حين تصير حرارتها بمستوى حرارة مراكش. من جهتها سوف تتأثّر فرنسا بمناخ مختلف مع تواصل ارتفاع الحرارة وانبعاث مزيد من غازات الدفيئة. وفي التوجّه شمالاً، فإنّ اسكندينافيا التي عُرفت بمناخ متطرّف في البرودة، لن تتأثّر بشكل أقلّ بالاحتباس الحراري. ويتوقّع خبراء المناخ في السويد أن تزداد درجات حرارة بلادهم إلى ما هي عليه في العاصمة المجرية بودابست، فيما تنتقل أجواء باريس إلى الدنمارك. أمّا العاصمة النرويجية أوسلو، فسوف يشعر سكانها كأنّهم في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا.

الصورة
تحرك من أجل المناخ في السويد (إيريك سيماندر/فرانس برس)
تحرّك من أجل المناخ في السويد قبيل "كوب 26" (إيريك سيماندر/ فرانس برس)

ولدى وكالة حماية البيئة السويدية تقديراتها الخاصة التي نشرتها قبل أيام قليلة والتي تشير إلى أنّ غازات الدفيئة ستؤدّي إلى ارتفاع أكبر في درجات الحرارة في المدن الأوروبية، وبعضها لم يعتد جفاف دول حوض البحر الأبيض المتوسط. لذلك فإنّ التأثير سوف يكون هائلاً على النظام البيئي وكذلك الزراعي وعلى كلّ مناحي الحياة، في دورة بيئية عرفت تغيّرات متطرّفة منذ بدء عصر الصناعة. فزيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تقدّر بنحو 40 في المائة، مع تبخّر متزايد لمياه المحيطات، الأمر الذي يخلق أجواء مثالية للاحتباس الحراري، فتتحوّل الأرض إلى ما يشبه الدفيئة. 

ويحاول المعنيون رفع وعي مواطني أوروبا بمخاطر عادات البشر سواء الاستهلاكية أو  تلك المتعلقة باستخدام الموارد، آملين في تشكّل رأي عام ضاغط على صنّاع القرار للتفكير ملياً بقرارات "الفرصة الأخيرة" في مناقشات مؤتمر الأطراف (كوب 26) المنعقد في المملكة المتحدة المهدّدة كغيرها في أوروبا بارتفاع منسوب المياه وخطر غرق مدن في فيضانات باتت أكثر قرباً من يوميات الأوروبيّين، بعدما بقيت على مدى سنوات محصورة بصور منقولة من بنغلادش وولايات أميركية على سبيل المثال.
وعواقب الاحتباس الحراري إلى جانب التلوّث الكبير الذي أصاب الطبيعة، بما في ذلك البحار، لم تعد مجرّد تخمينات. وقد شهدنا أخيراً ارتفاعاً في درجات الحرارة، وذوباناً للأنهر الجليدية، وانحساراً جليدياً في منطقة القطب الشمالي، وارتفاعاً في منسوب المياه، وتغيّرات دائمة في المناخ. وهو ما يعني تغيّر ظروف الزراعة والمعيشة وتربية الحيوانات.

ويذهب خبراء في التغيّر المناخي إلى التحذير من ظاهرة "الهجرة المناخية" التي بدأت تُسجّل بالفعل، كعواقب ثانوية لتطرّف الطبيعة واستحالة عيش الناس في مناطقهم. ومنذ عام 2007، يُحكى عن نازحين أو لاجئين بسبب التغيّرات المناخية، يُقدَّر عددهم بنحو 16 مليوناً سنوياً. يُذكر أنّ ثمّة مناطق ساحلية قد تختفي تحت المياه مع ارتفاع منسوبها، ويأتي ذلك إلى جانب موجات الحرارة غير المعتادة وتزايد الفيضانات والأمطار المتطرّفة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثّر على اقتصاد ومعيشة ملايين البشر في مختلف القارات.

المساهمون