العراق: جامعو نفايات بلا أمراض "وضع مستحيل"

العراق: جامعو نفايات بلا أمراض "وضع مستحيل"

02 ابريل 2024
يدرك جامعو النفايات المخاطر لكنهم لا يبالون (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في العراق، يعاني العاملون في جمع المواد المعدنية والبلاستيكية من مكبات النفايات من مخاطر صحية جسيمة بسبب التعرض لمواد سامة وأبخرة ضارة، وذلك بسبب نقص الحماية مثل القفازات والكمامات.
- الزيادة في عدد هؤلاء العاملين تعكس النقص في فرص العمل والتعليم وانتشار الفقر، مع تفاوت الاهتمام بالبيئة وحماية العاملين في هذا المجال بين الدول.
- يواجه العاملون في جمع النفايات مخاطر صحية متعددة مثل الإصابات الجسدية والأمراض المعدية، مستمرين في العمل بسبب الحاجة الماسة إلى الدخل، رغم الوعي بالمخاطر.

تهدد الإصابات والأمراض القاتلة عدداً كبيراً من العراقيين الفقراء، الذين يعملون ساعات طويلة يومياً في جمع المواد المعدنية والبلاستيكية من مكبات النفايات وحاويات القمامة، تمهيداً لبيعها للحصول على أموال. ولا يرتدي كثير من هؤلاء قفازات، ولا يضعون كمامات تحميهم، ولو بنسبة قليلة، من مخاطر لمس مواد سامّة أو استنشاق أبخرة ضارّة، التي يؤكد أطباء أنها موجودة بكثرة في النفايات، حتى تلك الخاصة بالمنازل.
يقول الباحث الاجتماعي عبد الحميد الكرخي، الذي أجرى قبل عامين دراسة عن ظروف عيش الطبقة الفقيرة، لـ"العربي الجديد": "زاد عدد العاملين في جمع النفايات في العراق خلال الأعوام العشرين الماضية، بسبب النقص في فرص العمل والتعليم والمهارات وانتشار الفقر، والحاجة الماسة إلى تدبير أي عمل يوفر احتياجات الأسر".
ويتحدث الخبير البيئي أحمد حسن لـ"العربي الجديد" عن أن "العمل في جمع القمامة ليس جديداً، ولا يشهده العراق دون سواه من بلدان العالم، لكن الاهتمام بشؤون البيئة يجعل دولاً أخرى تساهم في حماية العاملين في جمع النفايات من المخاطر، بينما ينتمي العراق إلى مجموعة الدول التي تهمل العمل البيئي".
يتابع: "تتخذ دول عدة مجموعة تدابير لحماية البيئة والعاملين في جمع النفايات من المخاطر، أو تقليلها بدرجة كبيرة، وهي تتمثل في تشجيع تقليل إنتاج النفايات عبر تحفيز الاستهلاك المستدام وزيادة معدلات إعادة التدوير، وفرز النفايات من المصدر، وتطبيق سياسات وقوانين تلزم الأفراد والشركات بفرز وإعادة تدوير النفايات لعدم جمع تلك العادية مع السامّة. كما تشمل التدابير إدارة المكبات بفعّالية، واستخدام التكنولوجيا لتحسين معالجة النفايات، وتنفيذ حملات مستمرة لتثقيف المجتمع في وسائل الإعلام، وفي حملات تنفذ بالتعاون مع جهات رسمية وخاصة، وأيضاً توعية العاملين في جمع النفايات ومراقبتهم وإلزامهم بارتداء ملابس وقاية مناسبة. وكل هذه الوسائل وغيرها تقلل بنسبة كبيرة احتمال إصابة العاملين في جمع النفايات بأمراض خطيرة".
ويوضح الدكتور سعد العبيدي، الاستشاري في أمراض الجهاز الهضمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العاملين في جمع النفايات يتعرضون لإصابات جسدية كثيرة تنتج بعضها عن حمل الأثقال، وهم يهملون صحتهم بشكل كبير إذ يعملون رغم معاناتهم من الأمراض، ويتعرض بعضهم لجروح نتيجة مواد حادة ومؤذية تحتويها النفايات، لكنهم يواصلون العمل رغم أن الجروح ملوّثة بمواد سامّة مثل أنواع من الزيوت والسوائل، وربما مواد كيميائية ضارّة أو حيوية قابلة للتحلل. أيضاً، يعمل هؤلاء في ظروف جوية قاسية حين ترتفع درجات الحرارة أو تنخفض بشدة، أو في مناطق رطبة. وهذه الظروف تضرّ بصحة أي شخص".

الصورة
العمل الوحيد السهل المتاح (مرتضى السوداني/ الأناضول)
العمل الوحيد المتاح (مرتضى السوداني/الأناضول)

ويؤكد العبيدي أن العاملين في جمع القمامة معرضون للإصابة بأمراض معدية، ويلفت إلى أن "من أكثر الأمراض التي يتعرضون لها هي تلك في الجهاز التنفسي نتيجة التعرّض المستمر للغبار والروائح الكريهة، وأخرى في الجلد والعيون، وأيضاً التسمّم الغذائي، كما لا يمكن تجاهل الأمراض النفسية".
ولا ينكر العاملون في جمع النفايات حقيقة أن مخاطر كثيرة تتربص بهم، في حين يؤكد بعضهم أنهم يعانون من أمراض قاتلة، وأن آخرين توفوا بسبب تداعيات أمراض تسبب بها عملهم. لكنهم يعتبرون هذا العمل الوحيد السهل المتاح لكل من أراد عملاً"، بحسب ما يقول صلاح جمعة، الذي سبق أن عمل في جمع النفايات أكثر من سبع سنوات، ويشرف حالياً على موقع لتجميع المواد التي تجمع من أجل فرزها ثم بيعها إلى ورش إعادة التدوير. 
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "أعاني من مرض في الكبد بسبب العمل في جمع النفايات. وجميع العاملين يتعرضون لإصابات مستمرة وجروح، إضافة إلى أمراض مختلفة نتيجة استنشاق أبخرة متنوعة قد تكون كيميائية أو سامّة".

ويروي خضير أبو حمرة (32 سنة) الذي ترك العمل في جمع النفايات قبل نحو عام بعدما تعرّض لإصابات جسدية، وأصيب بالتهاب في الرئتين وتقرّح في المعدة، لـ"العربي الجديد": "عمال جمع النفايات من أعمار مختلفة، لكن غالبيتهم دون العشرين، وبينهم عدد كبير دون سن الـ15، وأيضاً نساء تجاوزن سن الأربعين".
ويؤكد أن أي شخص يعمل في جمع النفايات مهدد بالتعرض لأمراض أو إصابات، ويعرف الجميع المخاطر المتوقعة، وأنه لا بدّ أن يصابوا بأمراض لكنهم لا يبالون، إذ قد يرافق الحظ الكبير أحدهم فيعثر يوماً ما على ضربة العمر في كومة نفايات تغنيه عن ممارسة هذا العمل تمهيداً لبدء مشوار عمل جديد بلا نفايات. هذا ما يفكر فيه جميع العاملين في جمع النفايات، لكن الأرجح أن تدهم الأمراض هؤلاء الاشخاص قبل أن يحققوا الحلم المستحيل".

المساهمون