العدوان على غزة يكلّف المزارعين "الروح والأرض"

العدوان على غزة يكلّف المزارعين "الروح والأرض"

15 يونيو 2023
دمّر العدوان مزروعات عبد الملك العطار في غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

انتظر المزارع عبد الملك عبد الله العطار موسم الصيف في غزة كي يحصد رزقه من الشمام الذي كرّس جهده ووقته لزرعه في مارس/آذار الماضي، وحرص على سقايته يومياً قبل غروب الشمس، وكذلك على توفير كمية الشمس المطلوبة لنمو فواكه نباتات خضراء قرب أشجار زيتون، لكن العدوان الإسرائيلي الأخير دمّر مزرعته ورزقه الذي ينتظره كل عام، وذلك للمرة الثانية بعد عدوان عام 2021.
يعمل العطار البالغ 44 عاماً مزارعاً منذ 30 عاماً بعدما ورث المهنة عن عائلته التي تنقلها من الجد إلى الأحفاد، وقد رُزق بـ9 أبناء أكبرهم محمد البالغ 15 عاماً، ويملك مزرعة بمساحة خمسة دونمات يزرع غالبيتها بالشمام، وهو معروف لدى تجار الخضار والفواكه بتوزيع الشمام على عدد من المتاجر خلال موسم صيفي.
قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مزرعة العطار في 11 مايو/أيار الماضي خلال العدوان الذي امتدَّ ستة أيام، وذلك بعد شهرين من شرائه معدات زراعية حديثة، وتجديده البيوت الزراعية وتوصيلات المياه وحبال تعليق الزرع. وهو يوضح أن هذه التجهيزات جعلته يتكبد خسائر تجاوزت قيمتها 100 ألف شيكل (28 ألف دولار).

الصورة
مجرد بقايا حمضيات (محمد الحجار)
مجرد بقايا حمضيات (محمد الحجار)

يقول لـ"العربي الجديد": "كل المعدات كانت جديدة واستخدمت للمرة الأولى. وقد استهدفت أرضي بصاروخ أحدث حفرة ضخمة، ودمّر المحصول. والآن لا أستطيع بيع أي شيء من هذا المحصول الذي كان في أيامه الأخيرة قبل القطف، فالمزروعات قد تكون أصيبت بتسمم من القصف، ولا يمكن طرحها في الأسواق، لذا تخلصت منه".
يضيف: "أحاول الآن أن أجمع نفسي كي أستطيع تعويض بعض الخسائر من خلال أرض زراعية أخرى كنت زرعتها بالشمام أيضاً. وكانت مزرعتي تدمّرت في عدوان عام 2021، ويمكن القول إن المزارع يدفع ثمنين في كل عدوان: الروح والأرض".

الصورة
شتول متكسّرة (محمد الحجار)
شتول متكسّرة (محمد الحجار)

وخلال عدوان عام 2021 الذي استمر 11 يوماً، قصفت مزرعة العطار في موسم زراعة الفراولة والبازيلاء، ما دمّر كل المحصول بعد تجهيزه ودفع تكاليف إضافية لتحضير الموسم الصيفي للإنتاجين، في وقت حصل العدوان خلال موعد القطف. وهو يؤكد أنه ما زال يسدد حتى اليوم ديون المحصول الذي أتلف عام 2021، علماً أن وزارة الزراعة عوّضت عبر مشاريع ممولة جزءاً طفيفاً من الخسائر، ما ساعده في العودة للعمل مرة أخرى، وتحقيق موسم مثمر وجيد العام الماضي.

لكن العطار يوضح أن "حصول المزارعين على تعويضات نتيجة العدوان والقصف أمر غير سهل، فهي تمنح بتأخير كبير، ولا تغطي كل الخسائر، علماً أنها تعتمد على مشاريع ممولة من وزارة الزراعة والبلديات، وبلدية بيت لاهيا ومؤسسات تدعم القطاع الزراعي".

الصورة
حفنة من الرزق الكبير (محمد الحجار)
حفنة من الرزق الكبير (محمد الحجار)

وكان العطار أصيب بجروح خطرة خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية عام 2000، إذ استهدفته مروحية "أباتشي" مباشرة حين كان في أرض والده، لكنه نجا من الموت بعدما أصابت شظايا الصاروخ مناطق متفرقة من جسمه. 
وتمتهن عائلة العطار، على غرار عائلات عدة في بلدة بيت لاهيا، الزراعة وتورثها للأبناء، لكن القصف والعدوان الإسرائيلي المستمر يجعلان بعض أبناء هذه البلدة يعزفون عن العمل، باعتبار أن المهنة خطرة، وعلى تماس دائم مع الاحتلال، لأن أراضي زراعية كثيرة تتواجد قرب السلك الفاصل مع الاحتلال.

ويشرح العطار بأن تربة بلدة بيت لاهيا تتميز عن تلك في مناطق أخرى بغزة، وتعتبر مناسبة جداً لزراعة محاصيل الذرة والشمام والزيتون والخضار والحمضيات، وأيضاً اللوزيات والفواكه مثل التفاح والخوخ والمشمش والإجاص والعنب والفراولة الأكثر تميزاً في فلسطين، بحسب وزارة الزراعة، والتي يجري تصديرها إلى مدن في الضفة الغربية. لكنه يشير إلى "مواجهة المزارعين مشاكل تنتج من الحصار المفروض على غزة الذي يمنع الحصول على مبيدات حشرات وأدوية خاصة بالمحاصيل والتربة، علماً أن أسعارها زادت بنسبة 500 في المائة عن السابق، خصوصاً أسطوانات الغاز الخاصة بتغذية النبات والتربة. وتلاحق مخاطر المزارعين الذين يملكون أراضي حدودية، بينها التعرض لتجريف وقصف مباشر، ورشّ طائرات مسيّرة المحاصيل بسموم، كما قد تغرق الأراضي بمياه الصرف الصحي".
يضيف: "يساعدني أولادي أحياناً في تنظيف المحاصيل وقطفها، ويعملون إلى جانبي، لأنني لا أستطيع إحضار عمال في بعض الأوقات. وتبقى مهنة الزراعة عائلية بالنسبة لي، ويتعلم أولادي خلال وجودهم معي كل مهاراتها، ويتعرفون على أنواع المحاصيل ومواسمها وكيفية الاعتناء بها، لكنني أتمنى أن يكون مستقبلهم بعيداً عن الاحتلال".

المساهمون