الجريمة في الداخل الفلسطيني إلى تزايد مع غياب الردع

24 ابريل 2024
من تحرّك احتجاجي عقب جريمة في يافة الناصرة بالداخل الفلسطيني، يونيو 2023 (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشهد البلدات العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ارتفاعاً في معدلات الجريمة، مع غياب خطة حكومية فعّالة لمكافحة العنف وتفاقم الصراعات بين عصابات الجريمة.
- يؤكد وليد حداد، أستاذ علم الجريمة، على ضرورة وضع خطة حكومية شاملة لمحاربة الجريمة، مشيراً إلى فشل الحلول المؤقتة وتجاهل الحكومة الإسرائيلية للمشكلة.
- تُظهر الأحداث تجاهل الحكومة الإسرائيلية لمشكلة العنف في المجتمع العربي، مع إلغاء خطط فعالة سابقة وتجاهل الإمكانيات الذاتية للمجتمع في مكافحة العنف.

ما زالت الجريمة في الداخل الفلسطيني تسجّل تزايداً، منذ بداية العام الجاري، وذلك في امتداد لما كانت عليه الحال في عام 2023، من دون أيّ روادع تفرضها الشرطة الإسرائيلية. وقد شهدت الليلة الماضية جريمة قتل مزدوجة، ارتُكبت في مدينة شفا عمرو بالجليل الغربي (شمال)، وأدّت إلى مقتل شخصَين في عملية تبادل لإطلاق النار هما معمر سواعد (22 عاماً) وطاهر عكاوي (35 عاماً)، كذلك أُصيب شخص ثالث بجروح خطرة. يُذكر أنّه منذ بداية عام 2024، بلغ عدد ضحايا الجرائم المسجّلة في البلدات العربية 59 ضحية.

يعيد الأستاذ المحاضر في علم الجريمة وليد حداد ارتفاع حالات الجريمة في الداخل الفلسطيني إلى "عدم توفّر خطة حكومية تهدف إلى محاربة العنف على المدى البعيد، إلى جانب الصراعات على أرض الواقع بين عصابات الجريمة، الأمر الذي يفاقم العنف"، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه "من دون خطة حكومية من غير الممكن حلّ مشكلة العنف والجريمة في المجتمع العربي" بالأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948.

ويتحدّث حداد عن "أنواع من العنف. وفي حين يؤدّي المجتمع دوراً في عدد منها، فإنّ للجريمة المنظّمة حيثية مختلفة، وسط مخاوف من أن يذهب المجتمع إلى حلول الشارع من خلال تسلّح كلّ مجموعة في وجه أخرى. يضيف: "نحن قريبون من حالة حلة الحكم (فوضى السلاح). فعندما لا توفّر الدولة حلولاً تنتج عن ذلك فوضى خلاقة". وفي مثال على ذلك، يشير حداد إلى فوضى السلاح في أفغانستان، "عندما عمدت الحمائل إلى تسليح نفسها لحماية أفرادها من السطو والجريمة".

وعن العنف والجريمة بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يبيّن الأكاديمي العربي أنّ "نسبة الجريمة في الداخل الفلسطيني انخفضت كثيراً في بداية الحرب. لكنّ ذلك التراجع لا يتعلّق فقط بالقتل، إذ عمدت الشرطة الإسرائيلية إلى منع ظواهر سلبية عديدة، ولا سيّما التسوّل في الشوارع". يتابع حداد أنّه "في بداية الحرب، سُجّل كذلك وجود أمني كثيف في الأحراج إلى جانب البلدات العربية في منطقة الجليل، علماً أنّ عصابات اعتادت التدرّب على السلاح فيها ليلاً، وهذا أمر معروف. لكنّ بعد الشكاوى الواردة من البلدات اليهودية المجاورة، على خلفية أزيز الرصاص، منعت الشرطة ذلك في الشهر الأوّل من الحرب".

ويكمل أنّ "الشرطة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية الأخرى راحت تركّز في وقت لاحق على الوضع الأمني، ولم يعد الوضع الجنائي في المجتمع العربي يهمّها، الأمر الذي أدّى بالتالي إلى تصاعد الجريمة فيه مرّة أخرى". لكنّ حداد يلفت إلى أنّ "تسع جرائم قتل ارتُكبت في مدينة كفر قاسم (المثلث الجنوبي) قبل مدّة، ولم تُعرَف بعد هويات القاتلين. في المقابل، عندما أُطلقت النار على يهودي في المدينة نفسها، وهذا أمر مدان، فإنّ الشرطة الإسرائيلية اعتقلت أشخاصاً في خلال ساعة، وفُكّ لغز الجريمة".

ويقول الأستاذ المحاضر في علم الجريمة: "نحن نعرف أنّنا نتعامل مع مؤسسات وأجهزة شرطة لديها تقنيّات. فثمّة تقنيّات تجسّس لدى الشاباك والموساد، وقد تمّ اللجوء إلى هذه التقنيات عند اعتقال عصابات الجريمة اليهودية، مثل عائلة أبو طبول وروزنشتاين وأبرجيل. وقد استُخدمت تقنيّات الشاباك بموافقة قاضي محكمة وكانت الإدانة". ويؤكد حداد بالتالي أنّ "لا حاجة في إسرائيل إلى تدخّل الشاباك، فالشرطة تستطيع استخدام تقنياتها".

وعن دور الحكومة الإسرائيلية الحالية في ملفّ العنف والجريمة، يفيد حداد بأنّها "ألغت خطة الحكومة السابقة التي كانت تحمل اسم سيغالوبيتش والتي أدّت إلى انخفاض الجريمة في الداخل الفلسطيني بنسبة 20 في المائة بعد عام واحد من تطبيقها"، مضيفاً أنّها "لم تكن خطة ممتازة، غير أنّها استطاعت التأثير" بالنسبة المشار إليها. لكنّه يرى أنّ لا بدّ من الانتظار نحو ثلاثة أعوام قبل البتّ بجدوى أيّ خطة، كما هي حال الخطط الحكومية الأخرى.

ويوضح حداد أنّ حكومة بنيامين نتنياهو "لم تقدّم أيّ خطة لمحاربة العنف والجريمة في المجتمع العربي، ولم تنفّذ أيّ تقييم لخطة الحكومة السابقة بحسب المتّبع. فإهمال نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في ما يخصّ مكافحة العنف والجريمة أدّى الى زيادتهما". ويلفت إلى أنّ "ثمّة قيادات سابقة كانت تعمل في إطار جهاز الأمن وهي متقاعدة اليوم تفيد بأنّ من غير الممكن التعويل على الحكومة الحالية، وموضوع العرب والجريمة ليس من أولوياتها".

وتُسجّل في المقابل مخاوف إسرائيلية من أن "يتحوّل هذا السلاح المستخدم في جرائم جنائية إلى خطر على الأمن الإسرائيلي، وما هي إلا مسألة وقت حتى يُستخدَم في أماكن أخرى"، بحسب حداد. ويبيّن، في هذا السياق، أنّ "ثمّة قيادات أمنية وتقارير أمنية، ليس حبّاً بمجتمعنا العربي إنّما خوفاً على مجتمعها، تحذّر من أنّ السلاح عند العرب خطر استراتيجي على المجتمع الإسرائيلي، لكنّ الحكومة الحالية لا تنصت إلى ذلك".

وعن دور المجتمع العربي، يقول حداد إنّ "ثمّة أموراً في أيدينا لمحاربة العنف والجريمة، من بينها لجان الإصلاح والتثقيف. لكنّ مأساتنا هي مع الجريمة المنظّمة"، موضحاً أنّه في العام الماضي سقط 245 قتيلاً في هذا الإطار. ويكمل: "حتى في ملفات العنف بين أفراد العائلة الواحدة، كانت تُحَلّ الجرائم، لكن عند الاستعانة بعصابات الجريمة المنظّمة لتصفية خلافات في داخل العائلات، لم تتمكّن الشرطة من معالجة هذه الملفات، واحتمالات حلّها كانت تقترب من الصفر".

المساهمون