الجامعة اللبنانية ترتكب خطأ "عن غير قصد" بحقّ أبناء اللبنانيات

الجامعة اللبنانية ترتكب خطأ "عن غير قصد" بحقّ أبناء اللبنانيات

13 أكتوبر 2021
في خلال حملة مطالبة بحقّ أبناء اللبنانيات بالجنسية (حسين بيضون)
+ الخط -

 

أثار قرار صادر عن رئاسة الجامعة اللبنانية استهجاناً، إذ نصّ على وجوب سداد تكاليف دراسة أبناء اللبنانيات بالدولار الأميركي، وسط الأزمة القائمة في البلاد.

قبل أقلّ من أسبوع، يوم الخميس الماضي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أصدر رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب قراراً يقضي باستيفاء رسوم الدراسة من الطلاب العرب والأجانب بالدولار الأميركي في كلّ المراحل، الإجازة والدراسات العليا والدكتوراه، باستثناء الطلاب الفلسطينيين والسوريين. لكنّ هذا القرار الذي وقّعه وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي لم يستثنِ الطلاب الأجانب أبناء الأمهات اللبنانيات. لكن سرعان ما صرّح المعنيّون بأنّ عدم استثناء الفئة الأخيرة هو خطأ عن غير قصد. وهذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها سهواً أبناء المرأة اللبنانية المتزوجة بأجنبي من حسابات السلطات، فيُحرَمون من حقوقهم البديهية، ولعلّ أوّلها الحقّ في الجنسية الذي تناضل من أجله الأمهات منذ سنوات طويلة من دون جدوى حتى اليوم. وفي كثير من الأحيان، تُعلّل "الانتهاكات" بأنّها خطأ عن غير قصد أو آخر مطبعي على سبيل المثال، مع الإشارة إلى أنّ قضايا أبناء المرأة اللبنانية عموماً هي قضاياها هي بالذات.

تعليقاً على القرار الذي صدر عن رئاسة الجامعة قبل الإشارة إلى خطأ عن غير قصد، تقول مديرة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبّو، لـ"العربي الجديد"، إنّه "قرار غير مقبول، ولا يجوز عند كل استحقاق أن تدفع النساء اللبنانيات وعائلاتهنّ ثمن التمييز والإجحاف القانوني والقرارات الاعتباطية، مع تبرير: ما انتبهنا. وهذا ما قيل لنا لدى متابعتنا القضية مع وزارة التربية والتعليم العالي ومع الجامعة اللبنانية"، مشيرة إلى أنّ "أبناء اللبنانيات المتزوّجات من أجنبي ما زالوا يُعدّون أجانب بحكم قانون الجنسية البالي والعفن الذي يعود إلى عام 1925". وإذ تلفت شبّو إلى وعودٍ تلقّوها يوم الجمعة الماضي من مكتب وزير التربية والتعليم العالي بتصحيح القرار ليُستثنى أبناء اللبنانيات المتزوجات من أجنبي أسوة بزملائهم من اللبنانيين ومن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين"، توضح أنّ "المعنيّين في الجامعة اللبنانية أصدروا قراراً تصحيحياً في هذا السياق، وقد أصبح نافذاً أوّل من أمس الإثنين". لكنّها أصرّت على أنّه "من جهتنا لا نعوّل إلا على ترجمة التصحيح المذكور بالتنفيذ العملي".

وتؤكّد شبّو أنّ "سداد الرسوم بالعملة الأجنبية (الدولار الأميركي تحديداً) قرار يرهق الأم اللبنانية المتزوّجة من أجنبي، لا سيّما في حال كان لديها أكثر من ابن في المرحلة الجامعية، الأمر الذي يضطرّها إلى تكبّد مبالغ طائلة والبحث عن دولارات في السوق السوداء". وتشرح شبّو أنّ "أبناء اللبنانيات في الأصل كانوا يدفعون ما يقارب مليوناً و50 ألف ليرة لبنانية (نحو 700 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي) لمرحلة الإجازة، فيما يدفع اللبناني 300 ألف ليرة لبنانية (نحو 200 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي) في حال كان مشمولاً بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأمر الذي يرسّخ انعدام المساواة وغياب مبدأ المعاملة بالمثل".

وتنبّه شبّو إلى أنّ "قضايا النساء ليست سلعة في السوق السوداء لنصنّف اللبنانية المتزوّجة من أجنبي على أساس مستويات اجتماعية أو اقتصادية ومعيشية. فهي تعمل وأفراد أسرتها في لبنان ويتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. كذلك فإنّ بعضهم حُجزت أمواله في المصارف، ناهيك عن أنّه لا يستطيع الحصول على أمواله المودعة بالعملة الأجنبية إلا بالليرة اللبنانية"، مشدّدة على أنّه "حتّى لو كانت تلك الأسر ميسورة، فهذا لا يعني انتهاك حقّ اللبنانيات (وأبنائهنّ) في المواطنة والحق الأساسي في التعليم. ولا يجوز التعامل مع أبناء اللبنانيات بشكلٍ مختلف عن أبناء الرجال اللبنانيّين. لكنّه للأسف، ثمّة استشراس في التمييز والانتهاكات اليومية".

الصورة
امرأة لبنانية وأولادها في لبنان (حسين بيضون)
من حقّها منح جنسيّتها لابنتَيها (حسين بيضون)

آمال، اسم مستعار لإحدى الأمّهات اللبنانيات المتزوّجات من أجانب، تقول: "بغضّ النظر عن جنسية زوجي، إنّه قرار إلغائي ومجحف بحقنا. وتسأل: "كيف سندفع بالدولار، ونؤمّن ما يقارب 14 مليون ليرة لبنانية، أي 700 دولار وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وهذا فقط لمرحلة الإجازة، فماذا عن مرحلتَي الماجستير والدكتوراه، فأنا أم لطالبتين في الجامعة اللبنانية، في سنتهما الأولى والثانية". وإذ تذكّر بأنّ "الحق بالتعليم تكفله المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان"، تتابع: "لدى مراجعتي وزارة التربية، كان الجواب (إنّه خطأ مطبعي سيتمّ تصحيحه يوم الاثنين)، وكذلك جواب الجامعة اللبنانية، لكن من المحتمل أن ينسونا كما حصل لدى إصدارهم القرار المذكور. فنحن كنساء للأسف لسنا في قاموس الوزراء والنواب، إنّها سلطة ذكورية بحتة". 

تحكي آمال، التي تحفّظت عن كشف هويتها، لـ"العربي الجديد"، عن معاناتها مع الدولة اللبنانية في مختلف مراحل تعليم أولادها، "علماً أنّهم من المتفوّقين". وتبدي أسفها لـ"التمييز الحاصل حتّى بين امرأة وأخرى. فعلى سبيل المثال، في حال كانت أختي متزوّجة من سوري أو فلسطيني فهي (بحسب القرار الذي صُحّح) لا تدفع رسوم أولادها بالدولار، في حين أنّني المتزوّجة من أجنبي من غير هاتَين الجنسيتَين أدفع بالعملة الصعبة". وتقول آمال: "أعطينا أبناءنا روحنا ودمنا، فكيف لا نعطيهم الجنسية؟ وكيف يحقّ لأخي مثلاً أن يعطي جنسيته لزوجته الأجنبية ولأولاده وأُحرَم أنا من هذا الحق؟ والمؤسف أنّهم أوصلوا بناتنا إلى درجة يتمنّينَ فيها الزواج بأيّ شخص لبناني ولو كان عمره مائة عام، فقط للحصول على الجنسية والخروج من المأزق".

من جهتها، تعبّر جنى، التي تحفّظت كذلك عن كشف هويتها، لـ"العربي الجديد"، وهي طالبة جامعية تتابع دراستها في مجال الصيدلة، عن استيائها، وتقول: "هذا قرار يتلاعب بمصيرنا ومستقبلنا. كيف أستطيع سداد رسوم دراستي بالدولار في ظلّ الأزمة الراهنة؟ ما الفرق بيني وبين الطالب اللبناني؟ وكيف نميّز بين والد ووالدة؟". تضيف جنى: "يعدّونني أجنبية عندما يتعلّق بالأمر بتكاليف دراستي الجامعية، لكنّني أُعامَل كما اللبنانيين من خلال مصادرة مالي المودع في المصرف بالعملة الصعبة، ولا يسمحون لي بسحبه إلا وفق سعر صرف 3900 ليرة لبنانية لكلّ دولار أميركي (الدولار في السوق السوداء فوق 19 ألف ليرة بحسب آخر التعاملات)، علماً أنّ أهلي يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية". وتؤكد جنى، المتفوّقة في اختصاصها: "اخترت الجامعة اللبنانية نظراً إلى مستواها التعليمي الجيد وشهادتها المعترف بها عالمياً. كذلك اخترت الصيدلة كوني أعشق هذا المجال، مع علمي المسبق أنّه لا يمكنني الانتساب إلى نقابة الصيادلة في لبنان لأنّني لا أحمل الجنسية اللبنانية"، مشددة على أنه "لن نتخلّى عن حقنا في المساواة ولن نفقد أملنا بالحصول على الجنسية اللبنانية".

المساهمون