التلوث البلاستيكي والطيور

التلوث البلاستيكي والطيور

07 فبراير 2021
النفايات البلاستيكية تهدد النعام كما طيور وكائنات أخرى (محمود سردار آلاكو/ الأناضول)
+ الخط -

 

ما يشغل بال العالم ذلك التلوث البلاستيكي الذي أثر على الطبيعة ومكوناتها العضوية من خلال الشبكة الغذائية، حتى إن الأمر أصبح يهدد الإنسان أكثر مما يهدد غيره من الحيوانات. وكلنا نعرف عن الحملات التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات العالمية والمحلية لمكافحة التلوث البلاستيكي الذي كان معروفاً من زمن بعيد حين كانت السلاحف البحرية على سبيل المثال تموت بعد بلعها أكياس النايلون التي تظن السلحفاة أنها قناديل بحر. 

والكثير منا أصبح على علم بقصة طيور النعام التي كانت تأكل قطع البلاستيك الصغيرة الناتجة عن عمليات صيانة أنابيب الري بالتنقيط في بعض غابات المناطق الجافة والتي كانت تموت بسبب انسداد معدتها بالقطع البلاستيكية. وكم من مرة عثرنا في محمية جزر النخل الطبيعية ومحمية شاطئ صور في لبنان على طيور نوارس ميتة بسبب انسداد جهازها الهضمي بقطع بلاستيكية كان البحر يرميها على الشواطئ. 

يتعاظم اليوم إنتاج البلاستيك الذي ينتهي بمخاطر جدية على الكائنات الحية إلى درجة أن رسالة وجهها أعضاء الاتفاقية العالمية لهجرة الطيور المائية الأفريقية - الأوروآسيوية إلى الحكومات في عام 2019 بينت لهم تعاظم خطر المواد البلاستيكية على الطيور المائية المهاجرة وخطرها على أنواع بحد ذاتها كانت ولا تزال تتأثر من البلاستيك بدرجة واضحة للعيان، لعل الحكومات هذه تغير عاداتها وتزيد مستوى التوعية والتربية البيئيتين من أجل وقف تمدد هذا التلوث. 

ولقد أشارت الاتفاقية المذكورة، والتي لي شرف أن أكون نقطة ارتكازها التقنية في لبنان، إلى أنه من أصل 254 نوعاً مهاجراً تحت مظلة الاتفاقية هنالك أكثر من 60 في المائة من الأنواع تتأثر من قريب أو بعيد بالبلاستيك، منها 22 في المائة تأكل البلاستيك ويمتلئ جهازها الهضمي بمواد ضارة وغير مغذية قد تجرح المعدة (القانصة) أو تمنع الطعام من النزول إليها فتسبب المجاعة والعطش وتؤدي إلى الموت؛ و31 في المائة تختنق أو تموت من جراء مخلفات البلاستيك الذي يعلق برقابها ويخنقها أو يقيد أجنحتها وأرجلها فيقتلها؛ وهنالك أيضاً 8 في المائة من هذه الطيور التي تستخدم المواد البلاستيكية في بناء أعشاشها من دون أن تدري أن صغارها قد تبتلع هذه المواد إذا ما تأخر الأبوان عن الإتيان بالطعام لها لأي سبب كان. 

فالبلاستيك تأكله الطيور الجائعة ظناً منها أنه طعام ولكنه غير قابل للهضم بل يسد المجاري الهضمية أو يجرحها، وبالتالي قد يقتل الطيور. إن أكثر الطيور عرضة لفتك البلاستيك هي الطيور المائية، سواء كانت في المياه العذبة للأنهار والبحيرات والبرك والمستنقعات أو في المياه المالحة. لقد شاهدنا طيوراً غواصة وقد التفت حول أرجلها خيطان صيد السمك، فقيدتها وماتت غرقاً. ووجدنا بعض طيور غراب البحر عالقة في شباك مقطعة وعائمة في البحر لوجود فلين يطفو بها. 

في الماضي لم نكن نشاهد هذه الأعداد المرتفعة من الطيور الواقعة تحت الوباء المتمثل بالبلاستيك، أما اليوم فنعتقد من وتيرة مشاهدة حالات النفوق أن الأعداد أصبحت أكثر من مضاعفة، بل إنها تقترب من ثلاثة أضعاف الإصابات الماضية، ولقد كنا في عام 2017 قد أشرنا إلى هذا التضاعف الذي أكدته الاتفاقية العالمية لهجرة الطيور المائية الأفريقية - الأوروآسيوية في عام 2019. وهذا التطور السلبي الذي سببه البلاستيك أضاف عبئاً على الطيور المائية التي لا يكفيها أنها تأكل خردق خرطوش الصيد المصنوع من الرصاص والذي يسبب أمراضاً، خاصة أنواع البط، وغيرها من الطيور الغواصة التي تجد في القيعان كميات كبيرة منه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أوروبا كلها تحولت إلى استخدام معادن غير الرصاص في خرطوش الصيد ولكن معظم بلدان الشرق الأوسط لم تزل تستخدم هذا المعدن السام الذي لا يسمم فقط الطيور بل يصل أيضاً إلى المياه الجوفية التي نشربها، ويسبب لنا أعراضاً مشابهة لتلك التي تحدث عند الطيور. 

ومهما يكن من أمر، نجد أنه على الصعيد العالمي تدهورت أنواع بحرية من الطيور التي تصطاد بالغوص في الماء الذي يجعلها تعلق في شباك صيادي الأسماك وبالتالي تموت خنقاً، وهذه حال طائر الأطيش وإلى حد ما طائر غراب البحر القزمي. إلا أن خطر التلوث الأشد وغير المرئي يأتي من الميكروبلاستيك الذي يزيد العلة عند الطيور وغيرها. وهو، أي الميكروبلاستيك، يكون في العادة نتيجة تفكك بلاستيك أكبر حجماً، وتقوم بالتهامه أنواع من الطرائد التي تفترسها الطيور المائية عموماً والبحرية خصوصاً. 

لا بد من الإشارة إلى أنه من الضروري أن تتركز الدراسات على تأثير الميكروبلاستيك على الطيور في العالم، وأعتقد أن كل بلد في هذا الكون سيملأ ثغرة تساعد على وقف هذا الخطر. غير أن الإجراءات التي تتخذ لوقف هذا الخطر يجب، كالعادة، أن تبدأ من الآن. ومع ذلك، فإن الجانب المشرق هو أن الناس في جميع أنحاء العالم أصبحوا على دراية بعواقب البلاستيك والميكروبلاستيك المترتبة على الحياة البرية، لا سيما الطيور المائية والبحرية. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود توجه بالابتعاد عن المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد ونحو أسلوب حياة أكثر وعياً وصداقةً للبيئة.

*اختصاصي في علم الطيور البرية

المساهمون