إيران: موجة خامسة من الوباء

إيران: موجة خامسة من الوباء

05 يوليو 2021
متحوّر دلتا يهدّد الإيرانيين كذلك (عطا كناره/ فرانس برس)
+ الخط -

 

أكثر فأكثر، يجد الإيرانيون أنفسهم تحت ضغوط نفسية تنغّص حياتهم، إذ تلازم يومياتهم. منذ ثلاثة أعوام، يعيشون أزمة اقتصادية متصاعدة على خلفية العقوبات الأميركية القاسية التي أدّت إلى تضخّم يومي في الأسعار وتراجع متواصل في القوة الشرائية. إلى جانب ذلك، هم يواجهون، منذ فبراير/شباط 2020، موجات قاسية من فيروس كورونا الجديد، واحدة تلو أخرى. علماً أنّ إيران تُعَدّ الدولة الأكثر تضرراً من جرّاء الجائحة في الشرق الأوسط.

في أواخر الأسبوع الماضي، حذّرت وزارة الصحة الإيرانية من دخول البلاد في موجة خامسة من الوباء، مشيرة إلى ارتفاع مطّرد في الإصابات في نصف المحافظات تقريباً (من أصل 31)، خصوصاً الجنوبية منها، في مقدّمتها محافظة سيستان وبلوشستان في الجنوب الشرقي. وأكد رئيس محافظة سيستان وبلوشستان، أحمد علي موهبتي، لقناة "الخبر" الإيرانية، أنّ أرقام حالات كورونا فيها تعادل ما يُسجّل في باكستان التي يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة، مشيراً إلى تسجيل أكثر من 1200 إصابة ونحو 20 وفاة يومية في المحافظة.

تُظهر البيانات اليومية التي تصدرها وزارة الصحة الإيرانية ارتفاعاً لافتاً في الإصابات والوفيات، ويأتي ذلك مرتبطاً بمتحوّر "دلتا" شديد العدوى الذي ظهر للمرّة الأولى في الهند قبل نحو ثلاثة أشهر. بالتالي، بات اليوم نحو 100 قضاء إيراني من أصل 435، من بينها العاصمة طهران، مصنّفاً "مستوى أحمر"، وهو الأعلى وفق التصنيف الوبائي المعتمد محلياً. فأعادت السلطات فرض القيود، منها إغلاق المدن الأكثر تضرراً، وحظر دخول السيارات إليها من المدن الأخرى، فضلاً عن منع السيارات التي تحمل أرقام تلك المدن المصنفّة من دخول مدن أخرى، بالإضافة إلى إغلاق الأماكن العامة ودور السينما ومختلف الصالات وغيرها، إلى جانب حظر التنقل الليلي من الساعة العاشرة مساءً حتى الساعة الثالثة فجراً، مع منح أكثر من 50 في المائة من الموظفين في الدوائر فرصة للعمل عن بُعد.

ويشير مراقبون إلى ثلاثة عوامل بارزة أدّت إلى الموجة الجديدة من الوباء في إيران. العامل الأول هو زيادة التجمّعات في خلال الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجالس المحلية في المدن والقرى. وقد أكّد ذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، يوم السبت الماضي، إذ قال إنّ الاحتفالات في خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 يونيو/حزيران الماضي، إلى جانب انتخابات مجالس البلديات وعدم الالتزام بالبروتوكولات الصحية فيها، أدّت إلى زيادة الإصابات بكوفيد-19.

أمّا العامل الثاني فهو تراجع الاهتمام العام بالبروتوكولات الصحية والتوعية إلى 69 في المائة، وفق بيانات رسمية، إذ تحوّل فيروس كورونا الجديد إلى أمر عادي في يوميات عدد كبير من المواطنين الإيرانيين، كما هي الحال في دول أخرى. فبعد أكثر من عام ونصف العام من الوباء الذي ضرب البلاد، لم يعد الفيروس مخيفاً كما كان، على الرغم من أنّه ما زال يحصد الأرواح.

وفي ما يتعلق بالعامل الثالث، فإنّ التحصين ضد كوفيد-19 لم يبلغ بعد مستوى يشكّل حالة رادعة عامة، إذ إنّ شرائح قليلة من الإيرانيين تلقّت اللقاح المضاد لكوفيد-19، مثل الطواقم الطبية وبعض كبار السنّ. يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه السلطات إنتاج لقاحَين محليَّين. يُذكر أنّ الحكومة ووزارة الصحة تتعرّضان إلى انتقادات شديدة هذه الأيام، وسط اتهامات لهما بالتقصير وانعدام توفّر خطة مدروسة على هذا الصعيد. وبحسب آخر بيانات وزارة الصحة، فقد تلقّى نحو أربعة ملايين و500 ألف مواطن الجرعة الأولى من اللقاح، ونحو مليون و710 آلاف شخص الجرعة الثانية، لكنّ أعداد هؤلاء تبقى قليلة جداً مقارنة بعدد سكان البلاد البالغ نحو 85 مليون نسمة.

الصورة
تحصين ضد كوفيد-19 في إيران (عطا كناره/ فرانس برس)
ما زالت عمليات التحصين قاصرة (عطا كناره/ فرانس برس)

وفي هذا الإطار، يقول الطبيب الإيراني محمد براري، لـ"العربي الجديد"، إنّ عملية التحصين "غير كافية"، مشدداً على "وجوب أن تغطّي كلّ المجتمع في خلال فترة زمنية قصيرة، لقطع سلسلة انتقال الفيروس". يضيف براري، الذي يعالج المصابين بكوفيد-19 في مستشفيات مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، أنّ "استمرار وتيرة تفشّي كورونا يؤدّي إلى ظهور طفرات ومتحوّرات جديدة، الأمر الذي يقلّص تأثير اللقاحات". ويأسف براري لأنّ "إيران من البلدان التي لا تُنفّذ عمليات التحصين وفق برنامج، وأحياناً نواجه نقصاً في اللقاحات وأحياناً في الجرعات التكميلية".

ويوضح براري أنّ "سرعة انتقال العدوى من جرّاء متحوّر دلتا من إصابة إلى أخرى تأتي مضاعفة ما بين ستّ مرات و12 مرّة، مقارنة مع ما شهدناه في السابق"، مشيراً إلى أنّ "متحوّر دلتا الذي دخل إلى إيران من المحافظات الجنوبية لم يصل بعد إلى محافظة كردستان (غرب)، لكنّها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الإصابات أخيراً". ويحكي براري عن "ظاهرة معالجة مصابي كورونا بطرق غير علمية في البيوت"، معرباً عن أسفه إزاء ذلك. يضيف أنّ "هؤلاء المصابين يُنقَلون إلى المستشفيات عندما تتدهور حالتهم، الأمر الذي يزيد من العدوى في أماكن خارجة عن الرقابة الصحية". ويرى براري أنّ ذلك "من أسباب استمرار الوباء" في إيران، متوقعاً أن تكون الموجة الجديدة "أقسى من سابقاتها" وأن تخلّف إصابات ووفيات أكثر. ودعا المواطنين إلى مراجعة المستشفيات في حال ظهور أيّ عارض من أعراض الزكام للتأكد من عدم إصابتهم بكوفيد-19.

قضايا وناس
التحديثات الحية

واليوم الإثنين، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الصحة الإيرانية، سيما سادات لاري، عن 157 وفاة و16 ألفاً وخمس إصابات جديدة في خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، علماً أنّ عدد الإصابات والوفيات اليومية ارتفع ضعفَين مقارنة بالأسبوع الماضي. أضافت لاري في مؤتمرها الصحافي اليومي عبر خدمة "فيديو كونفرانس" أنّ الأرقام الجديدة رفعت حصيلة الوفيات إلى 84 ألفاً و949 وفاة، والإصابات إلى ثلاثة ملايين و270 ألف و843 إصابة، مع الإشارة إلى أنّ ثلاثة آلاف و255 شخصاً من بين المصابين هم في العناية المركّزة، فيما ارتفاع عدد المتعافين إلى مليونَين و940 ألفاً و874 شخصاً.

وأوضحت لاري أنّ وزارة الصحة الإيرانية أجرت 24 مليوناً و43 ألفاً و129 فحصاً لتشخيص الإصابة بكوفيد-19 منذ 19 فبراير/ شباط 2020، عندما أعلنت الوزارة عن تسجيل الإصابة الأولى بفيروس كورونا الجديد في البلاد التي عُدّت حينها بؤرة الفيروس الأأولى في الشرق الأوسط. أضافت أنّ أنّ عدد جرعات اللقاحات المضادة لكوفيد-19 المستخدمة في البلاد بلغ ستّة ملايين و476 ألفاً و320 جرعة.

المساهمون