دبلوماسية القنصليات: سلاح المغرب الفعّال في ملف الصحراء

دبلوماسية القنصليات: سلاح المغرب الفعّال في ملف الصحراء

02 مارس 2020
بوريطة: لدينا تفاؤل بفتح المزيد من القنصليات(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي يسود فيه الترقب والانتظار بشأن تعيين مبعوث أممي جديد إلى الصحراء، بدت الدبلوماسية المغربية في موقع قوة، بعد أن أثمرت تحركاتها افتتاح عشر قنصليات أفريقية في الأقاليم الجنوبية في ظرف شهرين فقط. وعلى نحو لافت، بدا أنّ الدبلوماسية المغربية تستغلّ مرحلة الجمود التي يمرّ بها ملف الصحراء، لتسجيل نقاط على خصومها، وتحديداً جبهة البوليساريو بفضل استراتيجيتها الجديدة القائمة على حثّ الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثّل بفتح قنصليات، كان آخرها قنصلية جمهورية بوروندي في مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء، وقنصلية جيبوتي في مدينة الداخلة (أقصى الجنوب) يوم الجمعة الماضي.

وبحسب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، فإنّ دينامية افتتاح تمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة "تتواصل بوتيرة معززة على الرغم من الضغوط والبيانات واستدعاء السفراء (في إشارة إلى الجزائر)"، معتبراً خلال ندوة صحافية عقدها يوم الجمعة الماضي في مدينة العيون، مع نظيره البوروندي، إيزيكيال نيبيجيرا، أنّ فتح قنصليات في العيون "قرار سيادي للدول، ينسجم مع مسار التاريخ وحقيقة هذا الملف، ويتماشى مع المواقف الثابتة لأكبر عدد من المجموعة الدولية".

ولم يفوّت المسؤول المغربي الفرصة لبعث رسائل إلى الجزائر، مشيراً إلى أنه على الرغم من الضغوط التي تمارسها على الدول الأفريقية الراغبة في افتتاح قنصلياتها بمدن الصحراء "افتتحنا عشر قنصليات، وهو الهدف الذي حددناه لسنة 2020... ولدينا تفاؤل كبير بفتح المزيد من القنصليات في الأشهر العشرة المقبلة".

ومنذ العام الماضي، بدأ المغرب تحركاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية لتشجيع الدول المتحالفة معه على فتح تمثيليات دبلوماسية في المدن الصحراوية، فيما أثار ذلك التحرك ردود فعل غاضبة من جانب كل من جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر.

وعلى امتداد الأسابيع الماضية، اعتبرت البوليساريو افتتاح عدد من الدول الأفريقية قنصليات في مدن الصحراء "خطوة غير مسؤولة" و"عدواناً غير مبرّر"، متوعدةً بالردّ من خلال خطوات ستسلكها لدى كل من الاتحاد الأفريقي وعبر القانون الدولي. بدورها، اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية أنّ هذا الإجراء يرمي إلى "تقويض مسار التسوية الذي ترعاه الأمم المتحدة في الصحراء، ويخرق القواعد والمبادئ وممارسة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في الحالات المشابهة".

وكان لافتاً، استدعاء الجزائر في 20 فبراير/شباط الماضي، سفيرها بجمهورية كوت ديفوار للتشاور، بعد أن أثار فتح هذا البلد الأفريقي قنصلية له في مدينة العيون حفيظتها. واعتبرت أنّ قنصلية كوت ديفوار في الصحراء تعدّ "ضرباً للالتزام الجماعي للبلدان الأفريقية المؤسسة للاتحاد الأفريقي، القاضي بالتمسك بمبادئ المنظمة، والعمل على تحقيق الأهداف المكرسة في العقد التأسيسي، خصوصاً ما تعلق منها بضرورة الوحدة والتضامن بين الدول والشعوب والدفاع عن السيادة والوحدة الترابية واستقلال الدول الأعضاء".

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى الباحث المغربي في الشؤون الصحراوية، نوفل البوعمري، أنّ الغضب الجزائري من إقدام دول أفريقية على فتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية، مرده إلى "رغبة الجزائر في استمرار الوضع جامداً في المنطقة، والحيلولة دون ميلاد تكتل إقليمي ودولي ضدّ أطروحتها الداعمة للبوليساريو". ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ التنديد بالدول التي افتتحت قنصلياتها "يؤكد أنّ الحكومة في الجزائر جزء من الصراع، وطرف أساسي فيه، ومعنية باستمراره".

وبحسب البوعمري، فإنّ "أكثر ما يخيف السلطة في الجزائر، أن تسقط ورقة الصحراء من يديها، لما لها من أهمية في ترتيب البيت الداخلي بين أجنحتها"، مضيفاً أنّ "حلّ النزاع ككل، وافتتاح قنصليات في المنطقة، يسقط هذه الورقة من حسابات العسكر، ويجعله مفتقداً لواحد من الملفات التي ظلّ يعتمد عليها لإحداث التوازنات بين مختلف أقطاب المربع المسيطر على قصر مرداية". 

وقال البوعمري إنّ سياسة فتح القنصليات "لا ترمي إلى خلق واقع جديد، لأنّ هذا الواقع موجود منذ استرجاع المغرب لصحرائه، بل تعكس تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع، وانحيازها الكلي إلى دعم المسلسل السياسي المتمثل بالحكم الذاتي، ما سيشكل دعماً لهذا المسار، ونقطة قوة إيجابية في الملف المغربي".

ورأى المتحدث نفسه، أنّ افتتاح القنصليات في العيون والداخلة "يدخل في سياق المسلسل السياسي الذي دشنه المغرب منذ سنة 2015، بانفتاحه على مختلف الدول مهما كان موقفها من نزاع الصحراء، واسترجاعه لمكانته الطبيعية داخل الاتحاد الأفريقي، وكذا تنويع الشراكات الاقتصادية والثقافية والسياسية، واتجاهه نحو اختراق العمق اللاتيني". ولفت إلى أنّ "هذا التراكم، وتسويق المغرب الجيّد لمبادرة الحكم الذاتي، أدى إلى اقتناع دول عدة بأهمية فتح قنصليات لها في الأقاليم الصحراوية، تعبيراً عن موقفها السياسي من الملف ككل، وأخذاً بالاعتبار للمصالح الاقتصادية التي تريد الحفاظ عليها، خصوصاً أنّ مدينة العيون تعتبر الممر التجاري البري الآمن والوحيد لمعاملاتها التجارية من أفريقيا إلى أوروبا، ومن أفريقيا إلى أميركا اللاتينية"، وفق البوعمري.

من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول في مدينة وجدة، خالد الشيات، أنّ "آلية افتتاح القنصليات، وانفتاح مجموعة من الدول على الأقاليم الجنوبية، يعدّ أمراً إيجابياً في سياق سعي المغرب لتكريس العمل الميداني، الذي كان غائباً لسنوات عدة عن دبلوماسيته". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "افتتاح عشر قنصليات في ظرف شهرين فقط، إنجاز بكل المقاييس، لكنه يحتاج إلى الاستكمال بالعمل على إقناع دول أخرى بفتح تمثيليات لها، ولا سيما تلك التي أصبحت ضمن مجال اهتمام الدبلوماسية المغربية الجديدة في أميركا الجنوبية وآسيا وأوروبا، وهو ما سيدعم من قوة المغرب التفاوضية في إطار المسار الأممي لحلّ قضية الصحراء".

وأكّد الشيات أنّ "افتتاح قنصليات لدول أفريقية يعطي انطباعاً بأنّ ذلك لا يندرج في سياق رمزي، بل هناك أدوار متجددة ستقوم بها الأقاليم الجنوبية في ما يتعلّق بالاستراتيجية المغربية للانفتاح على القارة السمراء". وأشار إلى أن "فتح القنصليات والبعثات الدبلوماسية يجري وفق معايير وممارسات دبلوماسية تخضع للقانون الدولي، وأساساً، اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات القنصلية لسنة 1963، التي تنصّ على أن إقامة العلاقات القنصلية يكون بين الدول بالاتفاق المتبادل".

وبينما يضع افتتاح المزيد من القنصليات، بحسب مراقبين، الجزائر ومعها البوليساريو في وضع ردّ الفعل، اعتبر الشيات استدعاء السفير الجزائري في كوت ديفوار والاحتجاج على الدول التي افتتحت قنصليات في الصحراء "تدخلاً سافراً في شؤون تلك الدول، التي لها خياراتها وقناعاتها ومصالحها".

وتوقّع أستاذ العلاقات الدولية "استمرار المنظومة السياسية الحالية في الجارة الشرقية في النهج نفسه، القائم على اعتبار الصحراء قضية استراتيجية وحيوية، بل قضية وجود"، مضيفاً: "منذ نحو عقد من الزمن، لم يسجّل أي تطور في تعامل الجزائر مع قضية الصحراء، وهو جمود ينعكس على الجمود الذي تعبّر عنه البوليساريو أيضاً بشكل متطرّف، عندما تهدد بالعودة إلى حمل السلاح".

المساهمون