ما وراء تأجيل ولادة حكومة الكفاءات التونسية وعقد التشكيل

ما وراء تأجيل ولادة حكومة الكفاءات التونسية وعقد التشكيل

31 ديسمبر 2019
آمال التونسيين معقودة على حكومة قوية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يتوقع التونسيون استقبال عامهم الجديد بحكومة جديدة طال انتظارها، بعد شهر ونصف من المشاورات وقبل انتهاء المهلة الدستورية، بسبب تعقُّد مسارها وتغير خياراتها أكثر من مرة، بما يطرح أسئلة حقيقية عن مدى صلابتها وإمكانيات نجاحها في محيط سياسي مناوئ إجمالا.

وأكد رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، في تصريح صحافي مقتضب، اليوم الثلاثاء، بقصر الضيافة بقرطاج، أنّه سيقوم ببعض التدقيق في قائمة التركيبة الحكومية، معبّرا عن أمله في أن يحتفل التونسيون بالسنة الجديدة وقد تحدّدت معالم الحكومة.
وزالت تقريبا أهم الخلافات التي حالت دون الإعلان عن مكونات التشكيل الجديد إلى حد الآن، بعدما ذهب الجملي إلى خيار الكفاءات المستقلة عن الأحزاب، ولكنه لم يسلم من ضغوطات الأحزاب بخصوص بعض الأسماء المرشحة.
وكشف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، عن وجود ضغوطات تمارس على رئيس الحكومة المكلف، داعيا في تصريح صحافي إلى إطلاق يده في تشكيل الحكومة.
وأكد مصدر حزبي مطلع على مسار المفاوضات لـ"العربي الجديد"، أن الطبوبي لم يكن مخطئا أو متجنياً على أحد في هذا التصريح، لأن هناك بالفعل ضغوطات مورست على الجملي من حزبي "قلب تونس" و"النهضة" بشأن بعض الأسماء.

وكشف المصدر أن الجملي رفض عدة أسماء اقترحت عليه من الحزبين، حتى من القيادات البعيدة أو ما يعرف بقيادات الصف الثالث، وهو ما أدى إلى تأجيل الإعلان عن الحكومة أكثر من مرة وعكس حالة من التردد لدى الجملي، مشيرا إلى أنه من غير المستبعد أن يتبيّن ما بعد الإعلان عن الحكومة وجود ترابط بين بعض الشخصيات والأحزاب.

في المقابل، اتهم نائب رئيس مجلس شورى حركة "النهضة"، مختار اللموشي، الطبوبي بممارسة ضغط كبير على الجملي.
وقال إن "الطبوبي مارس ضغطا كبيرا على الجملي وساهم في إرباك تشكيل الحكومة ممليا شروطه في بعض التسميات ويطلب حذف بعض الأسماء ويقترح أخرى".
وتحدثت قيادات من حركة "النهضة" لـ"العربي الجديد"، عن إرباك أحدثه الجملي بخياره الذهاب إلى حكومة كفاءات مستقلة، لأن هذا الخيار لم يكن خيار الحركة منذ البداية، حتى بعد فشل المفاوضات مع "حركة الشعب" وحزب "التيار الديمقراطي"، وأن التوجه كان نحو كفاءات سياسية، إلا أن الجملي راوغ الجميع وفرض الأمر الواقع، وهو ما يمكن أن يشكل خطوة سياسية غير محسوبة ستتبين تبعاتها في ما بعد.
ويرد الجملي على هذا الامتعاض داخل "النهضة" في تصريح لـ"العربي الجديد"، بالقول إن الحركة أبقت على دعمها لحكومته وستصوت لها، لأنه "من غير المعقول أن يسحب الحزب دعمه من الشخصية التي كلفها".


وبرزت إشارات أولى حول طبيعة هذه العلاقة بين "النهضة" والجملي، حيث أشار القيادي بالحركة سمير ديلو، في حوار لإذاعة "موزاييك"، إلى أن "الحكومة القادمة ليست حكومة حركة النهضة بل هي حكومة الحبيب الجملي"، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أن "المحاسبة ستكون للحكومة ولجميع المكونات التي تدعمها والتي ستصوّت لمنحها الثقة". وأشار إلى أنه "في الظروف العادية يُفضل أن تكون الحكومة سياسية لكن تونس اليوم في ظرف آخر".

وأكد ديلو أن "حكومة الكفاءات المستقلة ليست خيار حركة النهضة بل خيار رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي"، لافتًا إلى عدم وجود إجماع حاليًا داخل "النهضة" حول هذا الخيار الذي فيه استبعاد تام ومطلق وقاطع للمنتمين للأحزاب بكل درجاتهم ومن المنتمين للصف الأول والثاني والثالث، حسب تعبيره.
وأبرز أنه "رغم وجود آراء مختلفة داخل النهضة فإنها تتجه نحو التصويت لصالح الحكومة القادمة"، لافتًا إلى أن الحكومة قد تحصل على أصوات كتلة "ائتلاف الكرامة" وكتلة "قلب تونس" أيضًا.
ولا يبدو التصويت في البرلمان بهذه الدرجة من الثقة التي يتحدث بها ديلو، حيث كشف الناطق الرسمي باسم "ائتلاف الكرامة"، سيف الدين مخلوف، عن استيائه من تصريحات ديلو.
وقال مخلوف في حوار تلفزي إن "سمير ديلو ليس له الحق بالحديث باسم ائتلاف الكرامة.. وأن الائتلاف سيكون بشكل مبدئي في المعارضة".
وأوضح أن "حكومة فيها قلب تونس تعني بالضرورة أن ائتلاف الكرامة سيكون في المعارضة، فنحن لن نقبل بوجوه مرتبطة بالفساد والاستبداد في الحكومة"، على حد تعبيره.
وبرغم أن هذا الكلام لا يعدو أن يكون مزايدة سياسية، وفق ملاحظين، لأن "قلب تونس" لن يكون موجودا بشكل مباشر في الحكومة، فإن الجملي ينطلق بحكومته في مناخ مناوئ وغير داعم بالشكل اللازم، لأن ما يحتاجه ليس فقط تصويتا في البرلمان لنيل الثقة، وإنما إسنادا على الأرض في ما بعد، خصوصا إذا كان مقبلا على اتخاذ إصلاحات تحتاج إلى جهد سياسي للحد من تأثيراتها شعبيا.

ولكن يبدو أن الجملي يلعب خيار "الكل في الكل"؛ أي إما أن كفاءاته التي سيختارها ستحسن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وينجو حينئذ بحكومته وخياراته، وإما يفشل وتتم إقالته، ولن يخسر كثيرا في هذه الحالة لأنه لا ينطلق أصلا من رصيد حزبي أو طموح سياسي خاص.
أما على مستوى الأسماء المطروحة حكوميا، فيبدو أنه تم التوافق مع رئيس الجمهورية، قيس سعيد، حول حقيبتي الدفاع والخارجية، اللتين يفرض الدستور التفاوض بين الحكومة والرئيس حولهما. وإذا صحت التسريبات، فيسكون كمال العيادي في الدفاع وعثمان الجرندي في الخارجية، وكلاهما كان وزيرا بعد الثورة في حكومتي علي العريّض والحبيب الصيد، فيما تسير الأمور نحو بقاء هشام الفوراتي على رأس وزارة الداخلية إذا لم تحدث مفاجآت في آخر لحظة.

المساهمون