تضاربت التقديرات الإسرائيلية لنتائج الانتخابات النيابية في لبنان ومدى تأثيرها على الأوضاع الإقليمية. ففيما اعتبر وزير التعليم، نفتالي بينت، أن الانتخابات ونتائجها المتعلقة بتعزيز "حزب الله" لقوته، تعني أنه من الآن فصاعداً ينبغي عدم الفصل بين لبنان الدولة وبين "حزب الله"، لم تصدر أي تصريحات خاصة عن نتنياهو أو عن وزير الأمن أفيغدور ليبرمان تعليقاً على النتائج المذكورة.
في المقابل، اعتبر محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف" يوسي ميلمان أن النتائج في لبنان لن تغير شيئاً في الوضع القائم، ولن يكون لها تأثير على الجبهة الشمالية، كما أن تأثيرها على إسرائيل هامشي.
وأضاف ميلمان أن "ما كان هو ما سيكون، لقد عزز حزب الله وحلفاؤه من قوتهم قليلاً، لكن التوجهات التي ميزت المجتمع اللبناني ستبقى على ما هي عليه، وتوزيع النواب في البرلمان اللبناني وصلاحيات كل من الرئيس ورئيس الحكومة ستبقى محكومة بالقانون اللبناني من العام 1946، بإضافة التغييرات التي تم إضافتها على القانون، وهو تقاسم بين المسلمين والمسيحين والشيعة والدروز".
وبحسب ميلمان، فإن "حزب الله" سيواصل كونه العامل المهيمن في السياسة اللبنانية، والاحتفاظ بجيشه الذي يعد اليوم 30 ألف جندي وترسانة من مئة ألف صاروخ، لكنه لا يملك أي نوايا بنزع سلاحه.
وبحسب ميلمان، وبالاستناد إلى تقديرات للجهات الاستخبارية، فإن "حزب الله" لن يسارع بعد فوزه وإنجازاته الانتخابية إلى تسخين الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، لكن ينبغي عدم الركون إلى ذلك، ففي حال تلقى "حزب الله" أوامر مغايرة من إيران، فمن شأنه أن يضطر للعمل ضد إسرائيل.
أما محرر الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي برئيل، فاعتبر أن النتائج منحت "حزب الله" أسباباً للفرح، إذ أن النتائج الأولية للانتخابات تشير إلى أن "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" سيحصلون على 67 مقعداً في مجلس النواب اللبناني من أصل 128 مقعدا. وإذا كانت هذه النتائج نهائية، فبمقدور أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله أن يسجل إنجازاً سياسياً مهماً، على الرغم من الاحتجاج الجماهيري في لبنان على مشاركته في الحرب الأهلية في سورية إلى جانب قوات النظام، والزج بلبنان بـ"معركة" ليست له، بحسب تعبيره، كما النتائج تمنح الحزب تأثيراً على تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة.
وفي سياق كتلة سعد الحريري، وكونه المرشح لرئاسة الحكومة اللبنانية المقبلة، باعتباره يملك الكتلة السنية الأكبر في البرلمان، لفت برئيل إلى أن نجاح الحريري في تشكيل الحكومة يصب في مصلحة "حزب الله"، لأن حكومة برئاسة الحريري ستمنح وتوفر لـ"حزب الله" والحكومة اللبنانية شرعية دولية، كما سيستفيد الحزب من الدعم المالي السعودي لحكومة لبنان وضمان وصول أموال الدول المانحة المقدرة بعشرة مليارات دولار.
ويستدرك برئيل قائلاً إن هذا كله سيفرض على "حزب الله" تقديم تنازلات، وإن كانت ليست كبيرة، لكنها ستكون تنازلات باتجاه تجنيب لبنان انزلاق الحرب الأهلية في سورية إليه، وجعله ساحة حرب في مواجهة إسرائيل، مشيراً إلى أن الحزب الذي فقد مقعدين في محافظات موالية له، يدرك على ما يبدو الخطر الذي يتهدده.
ويرى برئيل أنه إلى جانب معضلة الحريري، فإن "حزب الله" سيكون عليه التغلب على معضلة الرئيس ميشال عون وقدرة الأخير على منح "حزب الله" التأييد اللازم له في الحكومة، علماً بأن كتلة عون منيت بخسارة كبيرة في حصوله على 21 مقعداً مقابل 33 مقعداً في الانتخابات السابقة، مقابل الانتصارات التي حققها معسكر سمير جعجع، الذي ضاعف قوته النيابية.
ويخلص برئيل إلى القول إن إنجازات "حزب الله" لا تمنحه بالضرورة سهولة في العمل في ظلّ التركيبة المرتقبة للبرلمان اللبناني، خاصة في حال اندلاع خلافات في الرأي حول توزيع الميزانيات، أو في قضايا تتصل بالملف السوري، أو في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، لفت إلى أن قوة "حزب الله" في السياسة الداخلية كانت في الولاية السابقة نابعة من قدرته على تعطيل قرارات حكومية، أو ما اصطلح على تسميته بـ"الثلث المعطل"، أي ثلث أعضاء المجلس زائد واحد.
وبحسب برئيل، فإن الرئيس اللبناني ميشال عون بعد خسارته لكونه "القوة الممثلة" للطائفة المارونية سيواجه صعوبات بطرح نفسه "رئيساً للجميع"، لا سيما وأن شراكته مع "حزب الله" ستبعده عن الإجماع القومي في لبنان.
ويتوقع برئيل أن تؤشر هذه النتائج "الجافة" للانتخابات للصراعات والأزمات السياسية القادمة، وبالتالي لا حاجة للمسارعة للحديث عن انتصار إيراني أو هزيمة سعودية، إذ أن نتائج الانتخابات تبقي بأيدي كل من السعودية وإيران رافعات ضغط وتأثير كافية لخدمة مصالحهما، وفي الوقت ذاته تلزم هذه الدول التحرك بحذر لتفادي خسارة تأثيرها ونفوذها في لبنان.
أما في ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، فهو يرى أن لإسرائيل مصلحة كبيرة في الاستقرار السياسي في لبنان والتطوير الاقتصادي، حتى في حال كون "حزب الله" شريكاً في الحكومة، لأن مثل هذه الشراكة ساعدت في السنوات الأخيرة في الإبقاء على ميزان ردع بين إسرائيل و"حزب الله" حال دون تدهور الأوضاع إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، ومن ضمن ذلك أيضاً بفعل التهديد (الإسرائيلي) بضرب بنى تحتية مدنية في لبنان في حال شن "حزب الله" هجوماً ضد إسرائيل.