عادت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران إلى نقطة الصفر من جديد، مع قرار الرباط قطع علاقاتها مع طهران بسبب ما اعتبرته تورطاً للسفارة الإيرانية في الجزائر في تسهيل تدريب "حزب الله" اللبناني لقوات جبهة البوليساريو، وذلك بعد "هدنة" بين البلدين لم تدم طويلاً، ليتكرس التذبذب الذي يكتسي علاقات الرباط وطهران منذ عقود.
الأزمة الجديدة برزت يوم الثلاثاء، مع قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران، متهماً سفارتها في الجزائر بتسهيل مهام قياديين عسكريين من "حزب الله" اللبناني لتدريب أفراد من جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، ومدّهم بالسلاح. هذه الاتهامات سرعان ما ردت عليها الأطراف الثلاثة المعنية، وهي "حزب الله" وإيران وجبهة البوليساريو، فالخارجية الإيرانية وصفت الاتهامات المغربية بكونها "بعيدة تماماً عن الواقع"، فيما نفت السفارة الإيرانية في الجزائر أن تكون لها يد في أي تعاون عسكري أو لوجيستي مع الجبهة. من جهتها، اعتبرت البوليساريو اتهامات الرباط لها بإقامة علاقات عسكرية مع "حزب الله"، بأنها "ملفّقة وكاذبة"، ودعت الرباط إلى تقديم أدلتها التي تقول إنها تمتلكها. بينما ذهب "حزب الله" إلى اتهام المغرب بأنه خضع لما سماه "ضغوطاً أميركية وإسرائيلية وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة"، وفق تعبيره.
في المقابل، فإن المغرب عزا قراره بقطع العلاقات مع إيران إلى وجود صلات عسكرية بين "حزب الله" وجبهة البوليساريو، بالتأكيد على أنها انطلقت في 2016 من خلال خلق "لجنة لدعم الشعب الصحراوي" في لبنان برعاية "حزب الله"، ثم زيارة وفد عسكري من الحزب إلى مخيمات تندوف في الجزائر. وبحسب الحكومة المغربية، فإن نقطة التحوّل كانت في 12 مارس/آذار 2017، وهو تاريخ اعتقال القيادي في "حزب الله" قاسم محمد تاج الدين في مطار الدار البيضاء بناء على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية بتهمة تبييض الأموال والإرهاب، خصوصاً بعد تسليم الرباط لتاج الدين إلى السلطات الأميركية. ووفق الرواية المغربية فإن الحزب بدأ يهدد بالانتقام من هذا الاعتقال، فأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات وتشكيل فرق كوماندوس وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، كما سلّم للبوليساريو صواريخ "سام 9" و"سام 11".
وحول دوافع قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران، والذي بدا مفاجئاً للكثيرين، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المغرب لم يُفاجأ بهذه التطورات، إذ تابعها أولاً بأول من خلال معطيات موثوقة أظهرت درجة التعاون العسكري الوثيق بين "حزب الله" والبوليساريو، وتوسط سفارة إيران في إقامة هذه العلاقات التي تضر بأمن واستقرار المملكة. وأوضح أن المغرب جمع معطيات كثيرة قبل فترة قامت الجهات المختصة بالتدقيق فيها، مشيراً إلى أن الرباط قدّمت هذه المعطيات معززة بصور وتفاصيل دقيقة بشأن مواقع وأسماء قياديين من "حزب الله" إلى مسؤولين في إيران، لكن المملكة لم تتلق أي رد بشأنها، وهو ما دفعها إلى اتخاذ قرار قطع علاقاتها مع طهران.
وعلى صعيد ذي صلة، نشرت منابر إعلامية جزائرية (معارضة) صوراً لشبان يتدربون داخل أنفاق أرضية، قالت إنهم استفادوا من تدريبات أشرف عليها عسكريون من "حزب الله" اللبناني متخصصون في حرب العصابات التي جربوها في الحرب مع إسرائيل في 2006، وذلك ضمن عمليات تمت تسميتها بـ"المظلة المضادة".
اقــرأ أيضاً
وتعليقاً على هذا الملف، قال الخبير السياسي محمد الزهراوي، لـ"العربي الجديد"، إن قطع المغرب علاقته مع إيران يحمل في طياته مجموعة من الرسائل التي يمكن إجمالها في أربعة مستويات أساسية، "الأول أن المغرب بهذا الرد الصارم يوجّه رسالة إلى إيران وتابعيها مفادها أن قضية الصحراء خط أحمر بالنسبة بالمغاربة. والمستوى الثاني، أن توظيف ملف الصحراء من قِبل إيران من خلال قيام "حزب الله" بتسليح وتدريب البوليساريو غايته الضغط على المغرب للانسحاب من حرب اليمن ومن الخليج العربي على اعتبار أن الجيش الملكي يؤدي أدواراً هامة للدفاع عن أمن دول الخليج".
وأضاف الزهراوي مستوى ثالثاً يتمثل في بروز وظهور محاور إقليمية تمتد من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، المحور المغربي السعودي الإماراتي الأميركي، يقابله محور ثانٍ تمثّله الجزائر وإيران وروسيا. بينما "الرابع هو رفض المغرب التخلي عن حلفائه الخليجيين، وتأكيده على انخراطه القوي في الدفاع عن الأمن القومي الخليجي"، وفق قوله.
وحول التداعيات الجيوسياسية المرتقبة لقرار قطع المغرب علاقاته مع إيران، ذهب المحلل إلى أن الساحة الدولية مقبلة على موجة جديدة من الاصطفافات الحادة والمفتوحة على كافة الاحتمالات. وأوضح أن "المغرب سيقوّي تواجده العسكري في الخليج للمساهمة في حماية أمن دول الخليج من ردة فعل إيران المحتملة في حالة توجيه ضربة أميركية لهذا البلد"، مضيفاً أن "دول الخليج مطالبة بدورها بالاصطفاف مع المغرب في معركته للدفاع عن وحدته الترابية، من خلال عدة أشكال سياسية واستراتيجية وعسكرية".
يُذكر أن العلاقات بين المغرب وإيران مرت بمحطات شد وجذب عديدة، فبعد أن عاش البلدان "سنوات عسل" في مرحلة شاه إيران محمد رضا بهلوي وملك المغرب الراحل الحسن الثاني، توترت العلاقات بشكل كبير بين البلدين في فترة الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وعادت علاقات الرباط وطهران إلى شيء من الدفء السياسي طيلة التسعينيات من القرن الماضي وإلى حدود مارس/آذار من عام 2009، عندما قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران بسبب تضامنه مع البحرين واتهامه طهران بالتخطيط لنشر المذهب الشيعي في البلاد، لتبقى العلاقات جامدة إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بتعيين سفيرين في البلدين، لكن ذلك لم يدم سوى قرابة عام ونصف، لتقرر المملكة من جديد قطع علاقاتها مع إيران.
اقــرأ أيضاً
الأزمة الجديدة برزت يوم الثلاثاء، مع قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران، متهماً سفارتها في الجزائر بتسهيل مهام قياديين عسكريين من "حزب الله" اللبناني لتدريب أفراد من جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، ومدّهم بالسلاح. هذه الاتهامات سرعان ما ردت عليها الأطراف الثلاثة المعنية، وهي "حزب الله" وإيران وجبهة البوليساريو، فالخارجية الإيرانية وصفت الاتهامات المغربية بكونها "بعيدة تماماً عن الواقع"، فيما نفت السفارة الإيرانية في الجزائر أن تكون لها يد في أي تعاون عسكري أو لوجيستي مع الجبهة. من جهتها، اعتبرت البوليساريو اتهامات الرباط لها بإقامة علاقات عسكرية مع "حزب الله"، بأنها "ملفّقة وكاذبة"، ودعت الرباط إلى تقديم أدلتها التي تقول إنها تمتلكها. بينما ذهب "حزب الله" إلى اتهام المغرب بأنه خضع لما سماه "ضغوطاً أميركية وإسرائيلية وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة"، وفق تعبيره.
في المقابل، فإن المغرب عزا قراره بقطع العلاقات مع إيران إلى وجود صلات عسكرية بين "حزب الله" وجبهة البوليساريو، بالتأكيد على أنها انطلقت في 2016 من خلال خلق "لجنة لدعم الشعب الصحراوي" في لبنان برعاية "حزب الله"، ثم زيارة وفد عسكري من الحزب إلى مخيمات تندوف في الجزائر. وبحسب الحكومة المغربية، فإن نقطة التحوّل كانت في 12 مارس/آذار 2017، وهو تاريخ اعتقال القيادي في "حزب الله" قاسم محمد تاج الدين في مطار الدار البيضاء بناء على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية بتهمة تبييض الأموال والإرهاب، خصوصاً بعد تسليم الرباط لتاج الدين إلى السلطات الأميركية. ووفق الرواية المغربية فإن الحزب بدأ يهدد بالانتقام من هذا الاعتقال، فأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات وتشكيل فرق كوماندوس وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، كما سلّم للبوليساريو صواريخ "سام 9" و"سام 11".
وعلى صعيد ذي صلة، نشرت منابر إعلامية جزائرية (معارضة) صوراً لشبان يتدربون داخل أنفاق أرضية، قالت إنهم استفادوا من تدريبات أشرف عليها عسكريون من "حزب الله" اللبناني متخصصون في حرب العصابات التي جربوها في الحرب مع إسرائيل في 2006، وذلك ضمن عمليات تمت تسميتها بـ"المظلة المضادة".
وتعليقاً على هذا الملف، قال الخبير السياسي محمد الزهراوي، لـ"العربي الجديد"، إن قطع المغرب علاقته مع إيران يحمل في طياته مجموعة من الرسائل التي يمكن إجمالها في أربعة مستويات أساسية، "الأول أن المغرب بهذا الرد الصارم يوجّه رسالة إلى إيران وتابعيها مفادها أن قضية الصحراء خط أحمر بالنسبة بالمغاربة. والمستوى الثاني، أن توظيف ملف الصحراء من قِبل إيران من خلال قيام "حزب الله" بتسليح وتدريب البوليساريو غايته الضغط على المغرب للانسحاب من حرب اليمن ومن الخليج العربي على اعتبار أن الجيش الملكي يؤدي أدواراً هامة للدفاع عن أمن دول الخليج".
وحول التداعيات الجيوسياسية المرتقبة لقرار قطع المغرب علاقاته مع إيران، ذهب المحلل إلى أن الساحة الدولية مقبلة على موجة جديدة من الاصطفافات الحادة والمفتوحة على كافة الاحتمالات. وأوضح أن "المغرب سيقوّي تواجده العسكري في الخليج للمساهمة في حماية أمن دول الخليج من ردة فعل إيران المحتملة في حالة توجيه ضربة أميركية لهذا البلد"، مضيفاً أن "دول الخليج مطالبة بدورها بالاصطفاف مع المغرب في معركته للدفاع عن وحدته الترابية، من خلال عدة أشكال سياسية واستراتيجية وعسكرية".
يُذكر أن العلاقات بين المغرب وإيران مرت بمحطات شد وجذب عديدة، فبعد أن عاش البلدان "سنوات عسل" في مرحلة شاه إيران محمد رضا بهلوي وملك المغرب الراحل الحسن الثاني، توترت العلاقات بشكل كبير بين البلدين في فترة الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وعادت علاقات الرباط وطهران إلى شيء من الدفء السياسي طيلة التسعينيات من القرن الماضي وإلى حدود مارس/آذار من عام 2009، عندما قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران بسبب تضامنه مع البحرين واتهامه طهران بالتخطيط لنشر المذهب الشيعي في البلاد، لتبقى العلاقات جامدة إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بتعيين سفيرين في البلدين، لكن ذلك لم يدم سوى قرابة عام ونصف، لتقرر المملكة من جديد قطع علاقاتها مع إيران.