أسئلة غربية للسيسي عن عملية سيناء والقمع والانتخابات

أسئلة غربية للسيسي عن عملية سيناء والقمع والانتخابات

13 فبراير 2018
أكد تيلرسون دعم جهود مصر بمحاربة الإرهاب(خالد الفيقي/فرانس برس)
+ الخط -


تحاول الدوائر الدبلوماسية الغربية في مصر فهم نوايا النظام من العملية العسكرية الأمنية الموسعة التي أطلقها الجمعة الماضية في سيناء والصحراء الغربية وبعض محافظات الدلتا، في ظل غموض الأوضاع الميدانية، وتشابه البيانات العسكرية التي تصدرها قيادة الجيش يومياً، وحظر نشر أي معلومات في وسائل الإعلام المصرية أو عبر مكاتب الإعلام الأجنبي المعتمدة في القاهرة غير ما يصدر عن الجيش. إلا أن ذلك لم يمنع وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من تأكيد دعم بلاده "لجهود القاهرة في محاربة الإرهاب، وفي عملياتها الحاصلة في سيناء"، والتزام واشنطن تعزيز العلاقات مع القاهرة حول الجانب الأمني. وقال تيلرسون، في مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة أمس الإثنين، إن "الشعب المصري عانى على مدار سنوات عديدة من هجمات تنظيم داعش، وغيره من المجموعات الإرهابية"، متابعاً "نحن شركاء لمصر في استجابتها وتعاملها مع هذه الهجمات".

ولا تقتصر محاولات الدوائر نفسها لفهم تحركات نظام عبدالفتاح السيسي على العملية العسكرية، بل إن هناك اهتماماً متزايداً بمناخ الوضع السياسي العام، على خلفية فشل النظام في إخراج انتخابات رئاسية تعددية ولو بشكل صوري، وتصعيد التصريحات والإجراءات الأمنية والقانونية للتنكيل بالمعارضين مثل رئيس أركان الجيش الأسبق سامي عنان، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة، ومجموعة المعارضة المدنية الداعية لمقاطعة الانتخابات، فضلاً عن حزب "مصر القوية" برئاسة عبدالمنعم أبو الفتوح بعد حبس نائبه محمد القصاص بتهمة الانتماء لجماعة "الإخوان" التي انفصل عنها منذ 7 سنوات.

ويكشف مصدر دبلوماسي مصري، أن دبلوماسيين غربيين من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد والدنمارك ومفوضية الاتحاد الأوروبي، أجروا اتصالات موسعة مع وزارة الخارجية المصرية لاستطلاع الأسباب الحقيقية للعملية العسكرية الأمنية وما إذا كانت تهدف فعلاً للقضاء النهائي على تنظيم "داعش" في سيناء والصحراء الغربية، فالإجراءات الرسمية المصرية توحي بذلك، لكن المعلومات الاستخباراتية لتلك الدول ما زالت تؤكد أن هذا الهدف بعيد المنال.

ووجّه تنظيم "داعش" في سيناء ضربة إعلامية للحملة المصرية الأخيرة، مساء أمس الأول، بإصداره تسجيلاً مطولاً عبر شبكة الإنترنت بعنوان "حماة الشريعة" لإعلان قدرته على التواصل الخارجي. وظهر في المقطع عناصر التنظيم بسيناء في وضع ميداني مريح، كما أعلن أنه نجح في إدخال عناصر جديدة إلى سيناء قادمة من العراق بعد هزيمة التنظيم هناك، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول كفاءة الأجهزة المصرية التي تعلن مراراً أنها تعزل بصورة شبه تامة المنطقة التي يسيطر عليها "داعش".


ويوضح المصدر الدبلوماسي أن القلق الغربي يرجع لأن تكون العملية مصطنعة لأغراض انتخابية لرفع شعبية السيسي وزيادة المشاركة في الانتخابات المحسومة سلفاً والمقررة نهاية مارس/آذار المقبل، أو استدرار المزيد من المساعدات الأوروبية وتسهيلات الحصول على الأسلحة، لمحاولة مواجهة الضغوط التي تمارسها المجموعات اليسارية في البرلمان الأوروبي لمنع التعامل عسكرياً مع نظام السيسي باعتباره نظاماً قمعياً معادياً للحريات.

كما أعرب بعض الدبلوماسيين الغربيين خلال اتصالاتهم عن مخاوفهم المشتركة مع النشطاء السياسيين المحليين، من أن تكون العملية الموسعة في سيناء غطاءً لمزيد من القمع الأمني للمعارضين، متسائلين عن مصير البلاغات المقدّمة من محامين معروفين بعلاقتهم بالأجهزة الأمنية ضد الشخصيات المعارضة، والأسباب الحقيقية لحبس القصاص، وهو شخصية معروفة في أوساط الدوائر الغربية بمصر بالاعتدال والتعقل ونبذ العنف.

وفي ملف الانتخابات، وجّه الدبلوماسيون الغربيون تساؤلات لما حدث مع جميع المنافسين، وأعربوا عن "إحباطهم للجوء نظام السيسي إلى ألاعيب قديمة لإضفاء الجدية على انتخابات هزلية" وأنهم كانوا يودون لو أتاح السيسي هامشاً مناسباً لحرية التعبير للمنافسين بمختلف اتجاهاتهم، بما في ذلك سامي عنان، المعروف بعلاقاته الجيدة ببعض دوائر وزارة الدفاع الأميركية.

يضيف المصدر أن وزير الخارجية سامح شكري كان قد شكّل منذ أشهر إدارة جديدة تابعة مباشرة لمكتبه للتعامل مع الدبلوماسيين والإعلاميين الأجانب، تلقى أعضاؤها دورات مكثفة في التواصل السياسي والإعلامي، بهدف تحسين صورة مصر في الخارج، وطمأنة شركائها في أوروبا وأميركا. وتولى هذا المكتب مسؤولية الرد على التساؤلات الغربية، لكن الإجابات لم تخرج عن البيانات الرسمية المنمّقة سواء عن العملية العسكرية الأمنية أو التطورات السياسية، مع التشديد على استقلال قيادة الجيش والنيابة العامة والهيئة الوطنية للانتخابات في القرارات الأخيرة الخاصة بعنان والقصاص وكذلك التصرفات المرتقبة في البلاغات المقصودة.

وفي السياق ذاته، يؤكد مصدر دبلوماسي غربي مقيم في القاهرة، أن مشكلة الدوائر الغربية ليست مع استمرار السيسي في الحكم، فهم لا يرون غيره صالحاً لقيادة مصر في هذا الوقت، لا سيما مع انشغال كل عاصمة بأجندتها الخاصة بالمنطقة، وتراجع أهمية الحراك السياسي في المنطقة بشكل عام أمام أهمية قضايا أخرى ترتبط بالمنطقة وتؤثر على كيانات الدول الغربية كاللاجئين والهجرة غير الشرعية وتصاعد الأفكار التكفيرية في مجتمعات اللاجئين الجدد والمخاوف الاجتماعية منها والتي أدت لصعود مناوئ لليمين.

ومع هذا، فالدوائر نفسها تريد بحسب المصدر الغربي، أن تعود مصر إلى وضع يفصل على الأقل بين ديكتاتورية النظام عسكرياً وأمنياً وبين قدرة مؤسسات الدولة الأخرى على أداء عملها بكفاءة، مع إعطاء هامش أوسع للحريات السياسية والإعلام، وهذه حصيلة مناقشات دبلوماسيين أجانب مع شخصيات سياسية وإعلامية وحقوقية على مدار العام الماضي 2017.
ويستطرد قائلاً: "وصلتنا الكثير من المعلومات السلبية والمؤشرات غير الطيبة، وبعضها لمسناه بأنفسنا في مشكلتي قانون العمل الأهلي وقضية المجتمع المدني، فنظام السيسي مسيطر على كل المفاصل بما لا يسمح بأي حركة مخالفة، وتطور ذلك إلى إعاقة ممارسة أجهزة كاملة لعملها، وهذا يمثّل خطراً طويل الأمد على السلم الأهلي بمصر، وليس فقط على النظام الحاكم".

ويوضح المصدر الغربي أن "هناك مطالبات طوال الوقت في دوائر رسمية بدول كفرنسا وألمانيا، فضلاً عن الولايات المتحدة، بمراجعة العلاقات العسكرية والاقتصادية مع نظام السيسي، لكن هناك اعتبارات لا يمكن تجاهلها تتطلب وجود سلطة قوية في مصر مسيطرة على الجيش والشرطة"، مستبعداً أن تزيد الضغوط الغربية عن حد "المطالبة بتخفيف القيود على المجال العام وتحسين التعامل مع المعارضين".