جنوب السودان: استبدال سلفاكير "مسألة وقت" ودينق لخلافة مشار

جنوب السودان: استبدال سلفاكير "مسألة وقت" ودينق لخلافة مشار

23 يوليو 2016
عائلة سلفاكير تضغط عليه للتنازل عن السلطة (سمير بول/الأناضول)
+ الخط -
تتسارع الأحداث في دولة جنوب السودان، وتتقاطع المصالح الداخلية والخارجية، بعد ازدياد الضغط الداخلي على الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت للتنازل عن منصب رئاسة الدولة، وهو أمر يقف خلفه بقوة أبناء ميارديت، خصوصاً بعد تدهور حالته الصحية أخيراً، ونصيحة الأطباء له بالتزام الراحة التامة وعدم التعرض لأي ضغوط.

وبدأت الحكومة في جوبا مشاورات جدية لاختيار خليفة للرئيس، في خط موازٍ مع المحاولات والضغوط التي تُمارس عليه للتنحي طواعية عن السلطة. وأكدت مصادر حكومية في جوبا لـ"العربي الجديد"، أن عملية تنازل ميارديت عن السلطة باتت مسألة وقت، لا سيما أن تلك الرغبة وجدت دفعاً من عائلته بسبب ظروفه الصحية. وكشفت المصادر أنه تم اختيار وزير الدفاع الجنوبي كوال جوك لخلافة ميارديت، لكنه اعتذر عن المهمة، الأمر الذي حصر المشاورات حول القياديين في حكومة الجنوب، بونا موال، ونيال دينق نيال الذي يشغل منصب مستشار الرئيس للشؤون الخارجية، باعتبارهما من قبائل الدينكا التي تحرص على تقلّد الرئاسة لأنها أكبر القبائل الجنوبية. ولفتت المصادر إلى أن نيال دينق له الحظ الأكبر لخلافة ميارديت، مشيرة في المقابل إلى أن طموحات رئيس هيئة أركان الجيش الجنوبي بول ملونق لخلافة الرئيس الحالي قد تقطع الطريق أمام دينق.

وبدأت التحركات الجنوبية لاختيار خليفة سلفاكير ميارديت قبل انطلاق أحداث القصر الرئاسي الأخيرة، والتي دفعت النائب الأول للرئيس الجنوبي وزعيم المعارضة المسلحة رياك مشار للفرار إلى خارج جوبا، وأدخلت اتفاقية السلام الشامل التي وقّعها مشار والحكومة في جوبا في أغسطس/آب الماضي لإنهاء الحرب الأهلية، إلى غرفة العناية المركزة مجددا. ولم يكن السودان بعيداً عن الأحداث، إذ بدأت الخرطوم فور علمها بالتحركات في الجنوب، العمل لتقديم بديل لسلفاكير ميارديت يضمن مصالحها، في ظل عدم رضاها على الخيارات المطروحة لخلافة الرئيس الجنوبي. وأكدت مصادر أن الخرطوم تُعدّ حالياً مستشار الرئيس الجنوبي السابق كاستيلو قرنق، والذي كان معاوناً لرئيس "الحركة الشعبية" الراحل جون قرنق، لخلافة سلفاكير ميارديت، إذ وصل كاستيلو قرنق المقيم في ألمانيا إلى الخرطوم منذ ما يزيد عن شهر ونصف الشهر، وأجرى خلال تلك الفترة سلسلة لقاءات مع مسؤولين سودانيين بينهم الرئيس عمر البشير الذي التقاه مرات عدة خلال تلك الفترة آخرها الخميس الماضي، فضلاً عن لقائه قادة جنوبيين معارضين بينهم المتمرد الجنوبي بيتر قديت، ورئيس "الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي" لام أكول، الذي وصل إلى الخرطوم الأسبوع الماضي، إضافة إلى مجموعة من الجنرالات كانت في الجيش الجنوبي.

وذكرت المصادر أن الخرطوم سعت لإقناع القوى الغربية بكاستيلو قرنق كشخصية قادرة على الحصول على الإجماع الجنوبي، خصوصاً أنه من قبائل الدينكا كما يتمتع بخلفية أكاديمية مهمة، فضلاً عن أن والده يُعتبر أحد زعماء الدينكا، ما يمكن أن يخلق إجماعاً حوله، خصوصاً أنه شخصية مقبولة من المجموعات المسلحة لا سيما رياك مشار. ويُعتبر كاستيلو قرنق أحد أغنياء دولة الجنوب وتلقى تعليمه في ألمانيا التي لجأ اليها باكراً وتزوج من سيدة ألمانية.

وقالت المصادر إن خطط الخرطوم تقوم على أن يبدأ كاستيلو قرنق بتقديم نفسه كبديل للجنوبيين عبر البوابة الإنسانية، إذ يُنتظر أن يطلق نشاطاً إنسانياً خلال الفترة المقبلة لإغاثة الجنوبيين، خصوصاً على الحدود مع السودان. وذكرت مصادر قريبة من قرنق أنه سعى لشراء نحو أربعة قطارات لربط أقاليم الجنوب الثلاثة بالسكة الحديدية، فضلاً عن ربط الجنوب بالسودان. وتنظر الخرطوم لقرنق باعتباره بديلاً مناسباً لسلفاكير ميارديت، يمكن أن ينفذ مصالحها، وهو الذي كان محسوباً سابقاً على "المؤتمر الوطني"، إذ تربطه علاقة به حاول نفيها في وقت سابق.


ومنذ انفصال الجنوب في 2011، لم تشهد العلاقة بين السودان وجنوب السودان استقراراً، بل طغى التوتر عليها، فضلاً عن الاتهامات المتبادلة بمحاولة إسقاط نظام الآخر وزعزعة دولته، على الرغم من توقيع الطرفين تسع اتفاقيات تعاون عام 2012، لكنهما لم ينجحا في تنفيذها بشكل كامل. وأكدت مصادر ان خطوة الخرطوم بشأن كاستيلو قرنق تجد مباركة من رياك مشار، فضلاً عن الفصائل الجنوبية المسلحة الأخرى. لكن مراقبين يرون أن الخطوة قد تصطدم بمعوّقات تحد من إمكانية تنفيذها، على الرغم من محاولات تلميع صورة قرنق، وذلك لعدم وجود تأثير له على المشهد الجنوبي وغيابه عنه لفترات بعيدة، إلى جانب المنافسة الشرسة التي قد يواجهها من قِبل رئيس هيئة الأركان الجنوبي بول ملونق، الذي ينحدر من منطقته، ويرى أن له الحق في رئاسة الجنوب.

ويرى المحلل السياسي دينق اتم، أن اختيار الخرطوم لكاستيلو قرنق لم يأتِ عبثاً بل إن السودان يريد استغلال الرجل ضد ملونق، وخصوصاً أن الخرطوم تنظر للدينكا كأكبر تهديد لها وأن تركيزها الاستراتيجي على تولي مشار للسلطة يقودها لدعمه إذ إنها لا تثق في الدينكا إطلاقاً، كما أن قرنق يسهل السيطرة عليه. وسبق أن ساهمت الخرطوم في تغيير رؤساء عدد من الرؤساء وإيصال من ترى فيهم حلفاءها إلى كرسي السلطة.
وأمهل سلفاكير ميارديت نائبه الأول رياك مشار 48 ساعة انتهت أمس الجمعة للعودة إلى جوبا واستلام مهامه في القصر. وقال مصدر في حكومة الجنوب لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس الجنوبي سيعلن قريباً تعيين كبير مفاوضي مجموعة مشار، تعبان دينق نائباً أول له بدلاً عن مشار. ويرى محللون أن هذه الخطوة من شأنها أن تحدث انقساماً داخل مجموعة مشار وقبيلة النوير التي ينحدر منها الطرفان.

ويرى المحلل السياسي محمد محمود، أن تعيين رئيس جديد للجنوب يتطلب توفّر قاعدة سياسية ــ قبلية مناسبة، وأن الأخيرة مقسومة بين النوير والدينكا، ولكنه يعتبر أن تعيين رئيس جديد لفترة انتقالية أمر ممكن على الرغم من أن هذا الأمر سيواجه صعوبات عدة، بينها تشبّث سلفاكير ميارديت بالسلطة وتمسك مجلس قبائل الدينكا به. في الاتجاه الموازي، يرى مراقبون أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم بقوة إدخال جوبا تحت الوصاية الدولية، وإن كان الاتجاه نحو الوصاية الاقليمية التي بدت تباشيرها بإقرار الاتحاد الأفريقي إرسال قوات إلى جنوب السودان خلال القمة الأخيرة في رواندا. ويعتقد محمود أن قضية الوصاية الدولية أو الإقليمية أمر يصعب تنفيذه، كما أنه يخلق مخاطر كبيرة، فضلاً عن التكلفة العالية له.