مصر: النظام يبدأ حملة ترويض منظمات المجتمع المدني

مصر: النظام يبدأ حملة ترويض منظمات المجتمع المدني

19 مارس 2016
تخوّف من تصاعد الإجراءات بحق المنظمات (جون مور/Getty)
+ الخط -

 

جاءت الحملة الأخيرة على المنظمات الحقوقية غير الحكومية في مصر، لتنذر بمرحلة جديدة من تعامل النظام المصري مع مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، وذلك عقب إعادة فتح القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلامياً باسم "قضية تمويل المجتمع المدني". فبعد خفوت دام أربعة أعوام منذ أن فتحت وزيرة التعاون الدولي والهجرة السابقة، فايزة أبو النجا، قضية تمويل منظمات المجتمع المدني، عادت القضية من جديد لتحمل في طياتها قرارات منع من السفر والتصرف في الأموال، وقد يعقب ذلك قرارات أكثر تضييقاً على مديري ومؤسسي المنظمات، الذين علموا بتلك القرارات من خلال وسائل الإعلام.

وأعلنت السلطات المصرية، أمس الأول الخميس، رسمياً، ما كشفته "العربي الجديد" في 1 مارس/آذار الحالي، عن منع كل من مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، ومؤسس ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، من التصرف في أموالهما والسفر تطبيقاً لقرارات قضائية ترتبط بإعادة فتح قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية المصرية. وأكثر من ذلك، أعلنت السلطات عن تقديم قضاة التحقيق في القضية طلباً لمحكمة جنايات القاهرة لإصدار أمر بالتحفظ على أموال بهجت وعيد واثنين آخرين، تنظر فيه المحكمة اليوم السبت.

وقالت مصادر قضائية مصرية إن الدائرة التي تنظر في القضية، معروفة بانتمائها لتيار وزير العدل المقال أحمد الزند داخل القضاء المصري، ومعارضتها لتيار الاستقلال. ومن بين أعضاء الدائرة الثلاثة قاضٍ يدعى صفاء أباظة كان مرشحاً مضاداً لتيار استقلال القضاء، وهو من اتهم رئيس نادي القضاة السابق المستشار زكريا عبدالعزيز، باقتحام مقر أمن الدولة والعمل بالسياسة مما أدى لصدور قرار بإحالته للتقاعد أخيراً. كما يحقق أباظة نفسه في بلاغات الزند ضد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة بدعوى سبه وقذفه.

ويُعتبر إجراء منع عدد من أبرز الحقوقيين من التصرف في أموالهم، واختيار دائرة قضائية معروفة بمعاداتها للحريات للنظر بالأمر، نقطة تحوّل في القضية التي تديرها الدائرة الاستخبارية-الرقابية التي شكّلها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في سرية تامة، للقضاء على المنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني المصرية الناشطة في مجالات حقوق الإنسان والتحوّل الديمقراطي والدفاع عن القضايا العمالية.

وتقول مصادر حقوقية مصرية إن عدداً من المنظمات تلقى تعليمات بتسليم كل الأوراق المالية الخاصة بها، وكل المستندات الخاصة بالتمويل وأوجه الصرف، لتقديمها لقضاة التحقيق خلال الأسبوع الحالي. ويبدو أن قضاة التحقيق سيوجهون اتهامات أخرى للحقوقيين المتورطين في القضية، غير إنشاء مراكز بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية وتلقي تمويل أجنبي من دون علم الدولة، من بينها اتهامات بالتهرب الضريبي، والتحريض على النظام في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.

وتتراوح المبالغ، التي تدّعي الجهات الأمنية ولجنة التحقيق القضائية أن المنظمات قد تلقتها، بين عشرات الآلاف وملايين من الدولار واليوروات من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الأميركية، والأوروبية، التي كانت تعمل في مصر قبل 30 ديسمبر/كانون الأول 2011 وهو تاريخ اقتحام فروع المنظمات الأجنبية ووقفها عن العمل.

اقرأ أيضاً: السلطات المصرية تبدأ مطاردة منظمات المجتمع المدني باستدعاء البرعي

كما تواجه المنظمات اتهامات بالاستفادة السرية غير المعلنة من برنامج المعونة الأميركية، وتوفير ستار للجهات الحكومية الأميركية والأوروبية للتدخّل في الشؤون المصرية الداخلية، واختراقها أمنياً. وتواجه اتهامات بخرق قانون الجمعيات بتلقي أموال من الخارج من دون موافقة الوزارة المختصة، وإنشاء كيانات تقوم بأنشطة الجمعيات والمؤسسات الأهلية من دون ترخيص، ومباشرة نشاط سياسي بالمخالفة للقانون، وهي اتهامات تصل عقوبتها إلى الحبس سنة ونصف السنة وغرامة.

ويكتفي النظام في حملته الجديدة بالآليات القضائية والقانونية، التي تظهره دولياً بصورة النظام المحافظ على دولة القانون، واحترام الدستور، بإيعاز من دائرة السيسي ومستشارته للأمن القومي الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا. وترى المصادر الحقوقية أن تولي أبو النجا هذا المنصب كان يهدف في الأساس لتقليم أظفار المجتمع المدني المصري، وقطع الصلات بينه وبين الخارج، وفرض سيطرة الدولة على الأموال التي توجهها منظمات مدنية أجنبية، بالإضافة لاستخدام أجهزة الدولة المختصة في التضييق على الحقوقيين.

وكانت "العربي الجديد"، قد كشفت قبل أيام، كواليس الاستعداد لشن حملة جديدة، بإعادة فتح قضايا قديمة، وإعداد لوائح تتضمن عشرات الأسماء من الشخصيات الحقوقية والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني، لتقديمها للمحاكمة، في تحرك وصفته مصادر سياسية، بأنه "حملة جديدة تأتي بتوجيهات مباشرة من مؤسسة الرئاسة المصرية، وبموافقة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، للثأر من هذه المجموعات"، على حد وصف المصادر، بسبب موقفها في قضية قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، في مصر، بعد اختفائه في 25 يناير/كانون الثاني الماضي. وتوضح المصادر أن "إعادة فتح القضية القديمة الخاصة بالتمويل، وإعداد قضايا جديدة، فكرة سابقة على قضية ريجيني، في محاولة لترويض الشخصيات والمنظمات الحقوقية، لكن ما سرّع بتنفيذ الحملة الآن، هي توصيات البرلمان الأوروبي الذي انتقد النظام في مصر، مهدداً بفرض عقوبات عسكرية واقتصادية".

وكان جمال عيد قال في تدوينات كتبها على موقع "فيسبوك"، تعليقاً على الموضوع: "حسابي في المصرف فيه أموال جائزتي التي حصلت عليها، وهي جائزة المدافع عن الكرامة الإنسانية، والتي أنشأت بها 6 مكتبات عامة في أحياء شعبية، تخدم أطفال وشباب وأهالي هذه الأحياء"، مستطرداً: "نحن نبني مكتبات، والنظام يبني سجوناً، هذا هو الفرق".

من جهته، علّق المحامي الحقوقي والمدير السابق للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خالد علي، على إعادة فتح القضية، قائلاً: "ليس غريباً على الأجهزة التي ترعى عمليات نهب المال العام وتجريف ثروة الشعب بل وتصدر القوانين لحماية النهابين، أن تستخدم كل أدواتها القمعية للنيل والتشهير بالمعارضين أو الحقوقيين عبر المنع من السفر والتحفظ على الأموال، وتلفيق التهم".

يذكر أن منظمات المجتمع المدني التي شملتها التحقيقات في القضية منذ العام 2011، يصل عددها إلى 41 منظمة تلقت منحاً أميركية، بالإضافة إلى 4 منظمات أخرى تلقت منحاً وتمويلاً من دول غير الولايات المتحدة، تم توجيه اتهامات لها بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية من دون ترخيص، وتسلّم وقبول أموال ومنافع من هيئات خارج مصر لتأسيس فروع لمنظمات دولية، والاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة على ارتكاب جريمة إدارة فروع لمنظمات ذات صفة دولية من دون ترخيص في مصر.

وتخشى المنظمات في مصر، من تطبيق المادة 78 من قانون العقوبات عليها، وتعديلاتها الصادرة في 23 سبتمبر/أيلول 2014، لما فيها من مصطلحات قانونية واسعة ومطاطة كـ"النظام العام والسلم العام"، والتي تحدثت عن "كل من طلب لنفسه أو لغيره وقبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضارٍ بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

اقرأ أيضاً: القاهرة تتلقى قرار البرلمان اﻷوروبي حول العقوبات بالقلق والإنكار

المساهمون