خارطة التدخل العسكري في ليبيا: "منطقة خضراء" وقرار دولي

خارطة التدخل العسكري في ليبيا: "منطقة خضراء" وقرار دولي

14 يناير 2016
يقود لودريان اجتماعات الأركان الغربية المشاركة(دومينيك فاغيت/فرانس برس)
+ الخط -

يتوقّع متابعون للملف الليبي، أن تشهد الأسابيع المقبلة، بالتوازي مع إنشاء حكومة وحدة وطنية ليبيّة بقيادة رئيس الوزراء المكلّف، فايز السراج، تحرّكاً عسكرياً دولياً جوياً وبرّياً في ليبيا ضد ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش). وتشارك في هذا التدخل، دول أوروبية عدة من بينها، فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا تحت قيادة إيطالية وبدعم لوجستي أميركي، لتأمين المنشآت النفطية، في محاولة للقضاء على المعقل الأوّل لـ "دولة الخلافة" في الأراضي الأفريقية، وتجنُّب تكرار السيناريوهَين العراقي والسوري. ويأتي ذلك، في ظلّ توقعات وزارة الدفاع الفرنسية المتتالية بشأن مخاطر تمدُّد "داعش" نحو آبار النفط، بعد إحكام سيطرته على مدينة سرت الليبية الساحلية.

كما تمكّن التنظيم، أخيراً، من السيطرة على مدينة بن جواد، وهي أهم مدينة في منطقة الهلال النفطي الشرقية، حيث توجد كبرى المنشآت النفطية الليبية. وبعث التنظيم رسائل واضحة حول أهدافه بتنفيذه هجمات دمويّة هي الأعنف منذ انهيار نظام العقيد الراحل، معمّر القذافي. واستهدف "داعش" المنشآت النفطية في السدرة (غرب راس لانوف)، وراس لانوف (شمالي ليبيا)، على حاجز لحرس المنشآت النفطية، أسفرت عن سقوط ستة قتلى. كما شنّ التنظيم هجوماً انتحارياً في زليتن (غرباً)، أسفر عن سقوط 55 قتيلاً وعشرات الجرحى في مركز لتدريب الشرطة. ونجح حرس المنشآت النفطية، الإثنين الماضي، في صدّ هجوم بحري لتنظيم "داعش"، استهدف محطة زويتينة النفطية (شمال البلاد).

أمام هذه الاعتداءات، تصاعد القلق في باريس، وروما، ولندن من النفوذ المتنامي لتنظم "داعش" في ليبيا. وبحسب مصادر فرنسية مطلعة، فإن باريس تحديداً، باتت تُسرّع أكثر من أي وقت مضى، القيام بتدخل عسكري حاسم في أقرب وقت، لتقويض بنيات التنظيم في سرت، ومنعه من تهديد المنشآت البترولية.

وبحسب وزارة الدفاع الفرنسية، فإن التنظيم يتمدد بحيوية فائقة في ليبيا بسبب الفوضى الأمنية والسياسية القائمة في عموم التراب الليبي. وزاد التنظيم عديد قواته ليبلغ 5 آلاف مقاتل، كما أنّ بنيته التنظيمية صارت أكثر احترافية بعد تطعيمه بكوادر مهمة أتت من معاقل التنظيم في سورية والعراق، وفقاً لتصريحات وزارة الدفاع الفرنسية. وبات التنظيم يسيطر على شريط ساحلي يُقدّر طوله بـ300 كيلومتر، يضمّ سرت، وبن جواد. وهناك خشية كبيرة من سقوط مدينة أجدابيا (شمال شرق ليبيا) في يد "داعش"، بسبب النشاط الكثيف لعناصره داخل المدينة التي شنّت فيه، أخيراً، عدداً من الهجمات وقامت بعدد من الاغتيالات.

ويعوّل الأوروبيون كثيراً على رئيس الوزراء الليبي المكلّف، فايز السراج الذي تم تعيينه في إطار الاتفاق بين أعضاء من البرلمانَين المتصارعَين في مدينتَي طبرق وطرابلس الليبيّتَين، الذي تم توقيعه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، برعاية مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتان كوبلر. وتنتظر العواصم الأوروبية أن يتمكن السراج، الأسبوع المقبل، من تشكيل حكومة وحدة وطنية. وبحسب مصادر مقربة من وزارة الدفاع الفرنسية، فإنّ "على السراج أن يتحكّم بالجيش، والبنك المركزي، والمنشآت النفطية. وهذا شرط أساسي يسبق التدخل العسكري الخارجي لقتال تنظيم داعش"، وفقاً للمصادر ذاتها. كما تتطلع باريس إلى احتواء اللواء خليفة حفتر (يطالب حزب المؤتمر الوطني في طرابلس بإبعاده عن المشهد)، والذي لا يزال يتمتع بنفوذ على قسم من الجيش الليبي.

اقرأ أيضاً: "داعش" وذرائع تدخل عسكري غربي في ليبيا

كما يحتاج الغربيون إلى موقف حيادي، على الأقل، من جهة تنظيم "فجر ليبيا"، المعروف بمناهضته لـ"داعش"، والذي يقوم على بنية عسكرية وازنة في ليبيا. مع العلم، أنّ إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا سبق أن أصدرت بياناً مشتركاً في فبراير/شباط 2015، دانت فيه تحركات "فجر ليبيا" في منطقة الهلال النفطي، غير أنّ الحرب ضد "داعش" ليّنت المواقف الأوروبية، منه، أخيراً.

ويتوقّع مراقبون، أنّه إذا تمكّن السراج من تحقيق هذه الأهداف، فإنّ الشقّ الأوّل من التدخل العسكري الأوروبي سيكون من بوابة مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يشرّع التدخل العسكري الغربي ضد "داعش" في ليبيا، يؤمن مظلّة قانونية دولية له. وبحسب مصادر مطلعة على الملف الليبي في وزارة الخارجية الفرنسية، فإن الخطوة الميدانية الأولى الممهّدة للتدخل، تكمن في إقامة "منطقة خضراء" عازلة ومحصّنة في العاصمة طرابلس، تؤوي الحكومة الليبية، والوزارات، والمرافق الحكومية الأساسية، والسفارات الأجنبية على شاكلة "المنطقة الخضراء" في بغداد. ومن المتوقع، أن يتكلّف الجيش الإيطالي بضمان أمن هذه "المنطقة الخضراء" بدعم من وحدات ألمانية وبريطانية متخصّصة في تدريب وتأهيل القوات الخاصة الليبية.

وكشفت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، أخيراً، عن أنّ لندن ستبعث قريباً حوالي ألف عنصر من القوات الخاصة للمشاركة في قتال تنظيم "داعش"، في إطار قوة أوروبية قد يبلغ قوامها 6 آلاف عنصر تحت قيادة إيطالية. كما أكّدت وجود عشرات من القوات البريطانية في التراب الليبي للقيام بمهمات تقييم للأوضاع الميدانية والحاجيات العسكرية واللوجستية لضمان نجاح الخطة الأوروبية ضد "داعش". 

وبحسب مصادر في وزارة الدفاع الفرنسية، فإن "خلية أزمة ليبية" تعمل على قدم وساق منذ أشهر، على تحضير المشاركة الفرنسية في الخطة الأوروبية في ليبيا ضد "داعش"، بناءً على معلومات ميدانية لفريق من القوات الخاصة الفرنسية من داخل ليبيا. كما تعتمد هذه الخلية على صور وتقارير لسلاح الجو الفرنسي الذي يقوم بطلعات منتظمة في سماء الشريط الساحلي الذي يسيطر عليه التنظيم، وعلى المنشآت النفطية التي ستتكلّف القوات الأوروبية الخاصة بحمايتها وتأمينها.

ويتوقّع متابعون، أن تقوم الدول المعنيّة بالتدخل العسكري ضد "داعش" في ليبيا بمشاورات مكثّفة لتنظيم خطة التدخل وتقويمها في اجتماع تحتضنه باريس، الأسبوع المقبل، والذي دعا إليه وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، كلا من نظرائه الأميركي، والبريطاني، والألماني، والإيطالي. 

اقرأ أيضاً سيناريوهات التدخل العسكري في ليبيا: ساعة الصفر للعملية الكبيرة

المساهمون