نعيم ونعمان: حكايتان من القدس العتيقة

نعيم ونعمان: حكايتان من القدس العتيقة

22 يونيو 2015
القدس تستعدّ لشهر رمضان (أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -
للقدس المحتلة حكاياتها الخاصة، تلك التي تتميّز بها شوارعها العتيقة لتُضفي رونقاً يجمع التاريخ بالحاضر. من بين تلك الحكايات حكاية نعيم ونعمان أبو اسنينه. رجلان متحدران من عائلة واحدة، ويملك كل منهما فرنه الخاص، وتعرفهما القدس وأهلها جيداً، كما يعرفانها هما أيضاً.

يقع فرن الواد الخاص بنعيم في شارع الواد في القدس القديمة، بينما هجر نعمان "أبو موسى"، فرن عائلته القديم في سوق المصرارة خارج أسوار البلدة القديمة، لينتقل إلى داخلها على مسافة مائة متر من فرن نعيم. في فرنه العتيق ظلّ نعيم أبو اسنينه، منشغلاً في إعداد عجين الكعك المقدسي، وأرغفة البيض والسجق، الذي بات سِمَة فرنه. للبسمة على شفاه نعيم بريق خاص، خصوصاً حين يشير إلى تاريخ فرنه وعمله في هذا المجال، ويقول "أنا لست خبير آثار، فقط خبراء الآثار وأساتذة العمارة يمكنهم معرفة تاريخ بدئي العمل في الفرن، مع ذلك فإن عمري من عمر هذا الفرن". ومن دون الإفصاح عن عمره، يتهّكم "هل تصدق بأن عمري 300 سنة؟ ليس من شأن أحد معرفة عمري".

وفي غمرة سخرية نعيم، دخل ثلاثة صبية صغار وكانوا على عجل، طالبين منه اعطائهم بعض الخبز. وسألوه "متى ينضج؟"، فأجابهم ساخراً "أنا ما دخلني اسألوا الفرن، إيمتا بستوي الخبز؟". قبل أن يشير إليهم بجدّية "عودوا بعد ساعة".

وعن استعدادات فرنه لشهر رمضان، قال "سلامة تسلمك"، قبل أن يتحدث عن "المعاناة وسوء الحال في غياب من يدعم البؤساء والفقراء في القدس". واحتدّ قائلاً "ما بنسمع غير الكلام، لا إنت ولا سلطتك (السلطة الفلسطينية) قادرين تعملولنا شي، عندك غير هالكلام؟".

اقرأ أيضاً سفير سابق: إسرائيل منعت هجوماً أميركياً على سورية

كانت سخريته عن كل سؤال بمثابة نقد لاذع لواقع يعيشه ويشاركه فيه آلاف المقدسيين، ومنهم عائلات اعتادت في رمضان أن تصطف في طوابير طويلة أمام تكية خاصكي سلطان، عند ملتقى الطريق إلى المسجد الأقصى، منتصف شارع الواد، هناك يتجسّد الفقر في أشباحٍ من البشر. لكن نعيم يحتفظ بالأمل "مع كل هذا يا بني إحنا صامدين، وحياة اللي خلقك ما بنطلع من هون إلا لقبورنا".

يُبدي نعيم غضبه من وسائل الإعلام وكذلك نعمان أبو اسنينه، الذي لا يرضيه حال الإعلام المحلي، الذي اعتبره "متغاضياً عن معاناة البؤساء والمساكين في القدس العتيقة، وفي سلوان وفي الأزقة الفقيرة المزدحمة بآلاف البشر". واعتبر نعمان "أبو مازن"، أن "جميع المقدسيين صابرون مرابطون، وحوّلوا محالهم التجارية إلى مساكن، ليقيموا في القدس العتيقة على ما فيها من حال الناس ومن معاناتهم، التي جعل الاحتلال الحياة فيها جحيماً. كما حوّلوا هم الجحيم إلى واقع، يواجهون فيه مطرقة الاحتلال برباطٍ وصمودٍ على الرغم من الألم والوجع، ومع ذلك يبقى ظلم ذوي القربى أشدّ من أمة المليار ونصف المليار".

وعن تحضيراته لشهر رمضان، قال نعمان "ما بدي تحكي لي عن استعداداتنا في رمضان"، إذ لا يتورّع المواطن الستيني، بصموده في دكان نجله المتواضع في منتهى شارع الواد، عن توجيه النقد لكل المسؤولين الفلسطينيين "الذين أبدوا تقصيراً حيال القدس، ولم يولوها الاهتمام الكافي من المساعدة والدعم".

وما بدا أكثر ألماً، هو إخراج نعمان من جيبه أوراقاً كثيرة، عبارة عن إخطارات من الضريبة الإسرائيلية، تطالبه بدفع نحو 391 ألف دولار على شكل ضرائب، لا يعلم لماذا فُرضت عليه. تراكمت الإخطارات لديه، لكنه يبدو غير مبالٍ بذلك، على الرغم اقتياده مع نجله في بداية انتفاضة الأقصى الثانية (2000)، على خلفية الامتناع عن دفع الضرائب، التي يصرّ على جهله طبيعتها حتى الآن.

ولا تقتصر مضايقات الاحتلال على نعمان على الشق الضرائبي، بل قبل أسبوع تقريباً كان مسكنه في سلوان عرضة لاقتحام جنود إسرائيليين، أمطروا المنزل ومن فيه بالغاز المسيّل للدموع واعتدوا على أفراد أسرته. وفي هذا الاعتداء كانت العائلة وحيدة، ولم تحظ باهتمام الإعلام المحلي.

يمضي نعمان يومه بالقرب من دكان العصائر الذي يديره نجله، وعلى الرغم من صغر المحل وبساطته، إلا أن أحد المستوطنين حاول شراءه منه، لكن نعمان طرده قائلاً "هل تظنّ أنه بشرائك كوباً من العصير يُسهّل عليك شراء المحل؟". تبدو حال نعمان ونعيم، على الرغم من جحيم الحياة، ومن ضيق العيش، كرواية صمود في القدس العتيقة، وذخراً لأيام آتية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبرئ جيشها وقادتها من جرائم الحرب وتتّهم "حماس"