موسم "التصفيات الجسدية" في مصر

موسم "التصفيات الجسدية" في مصر

30 مايو 2015
لم يُقدّم أي شرطي للمحاكمة بتهمة قتل معارضين (الأناضول)
+ الخط -
يرى كثيرون أنه ليس غريباً على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر أن يتبع سياسة "التصفيات الجسدية" ضد رافضي الانقلاب والمعارضين بشكل عام، رغبةً منه في ردع أي حراك ثوري سواء من رافضي الانقلاب، أو حتى من التيارات والمجموعات الشبابية، التي بدأت تهاجم السيسي.

ولم يُقدَّم فرد واحد من الشرطة إلى المحاكمة بتهم تصفية رافضي الانقلاب بالرصاص الحي من دون وجه حق وبشكل مخالف للقانون، إذ إن الروايات التي تخرج من وزارة الداخلية حول وقائع قتل بعض المواطنين، تفيد بـ"الوفاة خلال مواجهات مع الشرطة".

لم تختلف هذه المبررات كثيراً عن تلك التي صدّرتها وزارة الداخلية في تصفيات جسدية شبيهة في القرن المنصرم. كما أن القتل خارج القانون الذي تشهده مصر خلال الفترة الحالية، يحدث تحت أعين رجال القضاء، فيما لم تتمكن منظمات حقوق الإنسان المصرية من الكشف عن ملابسات وحقائق وقائع التصفيات، نظراً للتضييق الأمني المفروض عليها بشكل كبير.

روايات عديدة خرجت من وزارة الداخلية، لإعلان قتل شخص هنا وهناك، وكان المبرر هو أن تلك العناصر كانت مسلّحة، وهاجمت قوات الشرطة أثناء القبض عليها، فضلاً عن أنهم متهمون بالهجوم على قوات الشرطة وكمائن وغيرها من الاتهامات.

الروايات الصادرة عن وزارة الداخلية مشكوك في صحتها، بيد أنه لا يوجد ما يدعم عكسه، لكن قصة طالب جامعة الأزهر إسلام صلاح الدين عطيتو، كشفت المستور من "الجرائم النظامية". عطيتو، طالب في جامعة الأزهر، أعلنت الشرطة مقتله خلال مواجهات مع قواتها، ولكن الأمر لم يقتصر عند هذا الحد كما هو الحال في كل واقعة، إذ ترددت أنباء عديدة عن اختطاف الشاب من داخل الجامعة.

وقال أحد المحامين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من أسرة إسلام يوم القبض عليه من داخل الجامعة، تفيد باختطافه، ودعا الأسرة إلى تحرير بلاغ للنائب العام. وأضاف المحامي لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد يومين أو أكثر وجدنا جثة إسلام، ويقال إنه قُتل في اشتباكات مع قوات الأمن"، متسائلاً: "تم اعتقاله من الجامعة، وبعدها اشتبك مع الأمن؟". وشدد على أن الواقعة هي تصفية جسدية مباشرة لا محالة في ذلك، وهي أشبه بما حدث في عقود سابقة من قتل المعارضين خارج القانون.

ولأن الحالات التي قد يلجأ فيها فرد الشرطة إلى قتل أي شخص، محددة وفقاً لقانون الشرطة المادة 102، فإن ذريعة قتل الأمن لشخص ما هي "تبادل إطلاق نار والتعدي على الشرطة". وحدد قانون تنظيم الشرطة حالات يمكن فيها قتل الشرطة للمتهمين، منها الاعتداء على فرد الأمن بالرصاص، والهجوم على كمائن شرطة بالرصاص الحي، أو تبادل إطلاق نار خلال محاولة ضبط متهم عليه أحكام تزيد عن 3 أشهر.

اقرأ أيضاً: مصر: تشييع فريد إسماعيل و"الحرية والعدالة" يتّهم النظام باغتياله

وتزايد القلق داخل الأوساط الحقوقية خلال الأسبوعين الماضيين، حول عودة وزارة الداخلية لعملية التصفية الجسدية للمعارضين، عقب واقعة عطيتو، فضلاً عن مقتل شابين داخل شقتيهما في حلوان. وهو ما دفع المحامي والحقوقي خالد علي، للقول بوجود ثلاثة شواهد لانتهاج الشرطة التصفيات الجسدية، منها واقعة محمد الجندي، في فترة الرئيس المعزول محمد مرسي. اختلفت الروايات الرسمية حول سبب الوفاة، تارة تُوفي في حادث سيارة، وتارة قُتل جراء التعذيب من قبل الشرطة. أما الشاهد الثاني، بحسب علي، فهو مقتل شيماء الصباغ، فأكد وزير الداخلية عدم وجود خرطوش، ودفاتر الوزارة لا يوجد فيها خرطوش، ولا في محاضر المأموريات. والشاهد الثالث، مقتل الطالب إسلام صلاح الدين طالب كلية الهندسة الذي اختُطف من جامعة عين شمس وأعلنت الداخلية تصفيته في اشتباكات بالصحراء.

بيد أن الأخطر في قضايا التصفيات الجسدية، ما تشهده سيناء، والتي تدخل وفقاً لمراقبين ضمن جرائم الحرب، من خلال قصف المدفعية والطائرات المقاتلة وأخرى من دون طيار يُعتقد بأنها تابعة لإسرائيل.

ويعتمد الجيش سياسة التصفية الجسدية ضد أهالي سيناء، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك، هو تصفية الجيش أحد الشباب الإعلاميين، الذي كان مسؤولاً عن إحدى الصفحات التي ترصد الانتهاكات هناك. واقتحم الجيش منزل هذا الشاب ويدعى أحمد، ومن دون محاولة القبض عليه، قُتل داخل منزله، من دون أن يطلق رصاصة واحدة ضد قوات الجيش، بحسب شهود عيان في سيناء لـ"العربي الجديد".

ويبدو أن الوضع في سيناء هو الأخطر على المدنيين، منذ عامين تقريباً، مع بدء العمليات العسكرية ضد المجموعات المسلحة وتحديداً "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ويؤكد المحامي عادل معوض، أن القانون واضح في ما يخص القتل خارجه، إذ لا يعتبر قتل المتظاهرين مثلاً تصفية جسدية، ولكنه يُعدّ في إطار القتل الخاطئ، وهو الأمر ذاته بالنسبة لمن يُقتل خلال التعذيب داخل السجون وأقسام الشرطة.

بيد أن معوض يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود اتهامات للشرطة بتصفية معارضين للنظام الحالي خارج القانون، من خلال اصطحابهم لمكان معين وقتلهم، بدعوى الاشتباك مع القوات خلال محاولة القبض عليه.

ويشدد على أن مثل هذه الحالات لا بد من أن تخضع للقانون وللتحقيقات حتى يتبين مدى صحة روايات الشرطة، فضلاً عن روايات أهالي هؤلاء القتلى بأن ذويهم اعتُقلوا ثم تم العثور على الجثث بعد اشتباكات مع الأمن. ويلفت إلى أن الوضع في سيناء غير واضح لغياب الشفافية، وبالتالي لا يمكن الحكم بشكل قطعي بطبيعة الأوضاع هناك، لذلك لا بد من تحقيقات جادة وشفافة في كل الوقائع.

اقرأ أيضاً: مقابر سريّة بمقرات أمن الدولة بمصر واعترافات بحرق المستندات

في المقابل، يقول خبير أمني إن ما تقوم به الشرطة المصرية من تصفية المعارضين هو أمر ليس بالغريب ولا بالجديد، ولكنه ليس سياسة عامة في مصر الآن. ويؤكد الخبير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع في مصر الآن سيئ للغاية من حيث استخدام العنف من قبل وزارة الداخلية، وهو ما يُعطي مبرراً للشباب للرد بقوة على ذلك.

ويلفت إلى أن وزارة الداخلية لا تنتهج أسلوب التصفيات الجسدية حالياً، ولكن هذه تصرفات فردية من بعض الضباط والأفراد، وهو لا بد أن يخضع لتحقيق شفاف، مشيراً إلى أنه في فترات سابقة من القرن المنصرم، كانت التصفيات الجسدية منهجاً واضحاً في التعامل مع المتهمين بقتل ضباط شرطة، ويقال للضباط الآخرين: "جبت فلان حي ليه.. ده قتل زميلك.. لا تأتوا به حياً".

ويقول الخبير الأمني إن وزارة الداخلية تكيّف الوقائع حسب هواها، فتارة تقول قُتل شخص ما لأنه هاجم كمائن أو تبادل إطلاق النار مع قوة الضبط، مشدداً على ضرورة إجراء تحقيقات سريعة في هذه القضايا، حتى ينال المخطئ عقابه، وخصوصاً أنه يمكن التفريق بين حق الشرطي في الدفاع عن النفس وتعمّده القتل.

ويفرّق بين الأمرين، بأنه في حالة مهاجمة شخص لكمين شرطة، هناك ضوابط تحدد سير التحقيقات، منها أن يكون الشخص المهاجم بحوزته سلاح ناري، وأن يكون استخدمه وبالتالي توجد طلقات نارية فارغة في مكان إطلاق النار، فضلاً عن إصابة فرد من أفراد الكمين، وهي أمور خاضعة لتحقيقات النيابة والمعاينة.

أما عن الوضع في سيناء، فيشدد الخبير الأمني، على أن هناك سياسة متبعة خاطئة في ما يخص الأزمة هناك، فالقتل والاعتقالات العشوائية لن تحل المشكلة. ويلفت إلى أن انتهاج سياسات عنيفة وخارج القانون، تؤزم الوضع، وتُفقد الجيش والشرطة تعاطف أهالي سيناء، وبالتالي تعطي فرصة لتوسع الجماعات المسلحة.

من جهته، يقول القيادي في حزب "الحرية والعدالة"، أحمد رامي، إن من قتل المعتصمين في رابعة بقذائف طيران حارقة، ثم حرق الجثث وجرفها بالجرافات، لا يُستبعد منه القيام بتصفيات جسدية.

ويضيف رامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الموضوع ليس ممارسات وزارة الداخلية، وإنما سياسة ممنهجة للتمهيد للتصفيات الجسدية، عبر الترويج لتلك الفكرة من المنابر الإعلامية"، معتبراً أن "هذا التنظير جاء قبل انتهاج الداخلية لهذا الأسلوب، وهناك العديد من مقالات الرأي في الصحف الموالية للنظام الحالي والعسكر تدعو لذلك، فضلاً عن التحريض في البرامج الفضائية".

ويشدد القيادي في "الحرية والعدالة"، على أن "هذا التحريض لن يمر من دون حساب، فكما القاتل خارج إطار القانون، والمحرضون أيضاً سيحاسبون". وعن تأثير سياسات وزارة الداخلية على توجّه الشباب إلى العنف، يشير إلى أن "هذا ما نحذر منه الجميع، وخصوصاً الشرطة، من خطورة تلك الممارسات عليهم هم أيضاً"، مؤكداً أن "هذه السياسات قابلها الثوار بالثبات والصمود والإصرار، وسيكون الرد على تلك الجرائم بمزيد من الإصرار على انتصار الثورة".

اقرأ أيضاً: النيابة في "محرقة أبو زعبل": غاز الشرطة خنق القتلى

المساهمون