المؤتمر الثاني لـ"المركز العربي":مقاربات عربية لمئوية الحرب العالمية الأولى

المؤتمر الثاني لـ"المركز العربي":مقاربات عربية لمئوية الحرب العالمية الأولى

20 فبراير 2015
الذكرى المئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية الأولى (حسين بيضون)
+ الخط -

انطلقت أعمال المؤتمر الثاني للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسة، اليوم الجمعة في بيروت، تحت عنوان "مئة عام على الحرب العالمية الأولى: مقاربات عربية"، ويقدم خلالها باحثون على مدى ثلاثة أيام دراسات تاريخية، واجتماعية، وسياسية تتناول الرؤية العربية للحرب العالمية الأولى ودورهم فيها.

في جلسة الافتتاح، أعلن مدير مكتب بيروت في المركز، صقر أبو فخر، انطلاق أعمال المؤتمر "في الذكرى المئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية الأولى، لتقديم أوراق عمل علمية تبرز المقاربة العربية للحدث".

كما قدم مدير المؤتمر، ورئيس دائرة الإصدارات في المركز، الدكتور وجيه كوثراني أهداف المؤتمر الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام في بيروت، "ويتناول المقاربات العربية للحرب العالمة الأولى في أسبابها وتداعياتها على البلدان العربية التي كانت واقعة تحت الحكم العثماني لا سيما مصر، والسودان، والمغرب العربي حيث قاوم عبد الكريم الخطابي الاستعمار، وجند الفرنسيون المغاربة والجزائريين والتونسيين في جيشهم، ووقع أسرى مسلمون في المعسكرات الألمانية".

 كما سيتوقّف عند الثورات السورية والمجاعة التي ضربت لبنان، والصراع الذي أدى إلى تقسيم البلاد العربية في إطار سايكس – بيكو.

وفي اليوم الأخير من المؤتمر، سيجري بحث "الشرق الأوسط بعد 100 عام على الحرب العالمية الأولى: من "المسألة الشرقية" إلى "الدولة الفاشلة": هل هناك "سايكس بيكو" جديدة؟" إضافة إلى عناوين أخرى، مثل مقاربة نقدية للمقاومة السودانية بين 1900 و1925، ودراسات عن الأمير الخطابي وشكيب أرسلان، وغيرها.

وفي جلسة الافتتاح أيضاً، استعرض رئيس دائرة البحوث في المركز العربي، محمد جمال باروت، أبرز مشاريع المركز العربي والمؤتمرات السنوية المتخصصة التي يعقدها، "والتي تهدف إلى إغناء خبرات الأكاديميين والباحثين، وتوفير الدراسات اللازمة لصنّاع الرأي العام والسياسيين".

ومن أبرز المشاريع، المؤتمرات السنوية لـ "العلوم الاجتماعية والإنسانية" التي عقدت في ثلاث دورات، وتعقد دورتها الرابعة في مارس/آذار المقبل في مدينة مراكش المغربية، ومؤتمر العرب والعالم الذي تناول مسائل العرب وتركيا، والعرب وإيران، وسيناقش في يونيو/حزيران المقبل عنوان العرب وروسيا.

كما يعقد المركز مؤتمرات خاصة بالمراكز البحثية للتشبيك بينها، وقد تناولت في دورات سابقة التحولات الجيو استراتيجية التي واكبت فلسطين والربيع العربي، على أن تتناول الجلسة المقبلة مجلس التعاون الخليجي، في ضوء المتغيرات السياسية والاجتماعية في المنطقة.

وفي الإطار العلمي نفسه، يعقد المركز مؤتمراً سنوياً، وقد تناول في دورتين سابقتين عنواني "الإسلاميون والحكم الديموقراطي" و"المواطنون والاندماج"، على أن ينعقد المؤتمر الرابع في أيلول/سبتمبر، وسيكون حول "العنف والسياسية في المجتمعات العربية المعاصرة".

كذلك، استعرض باروت الإصدارات العلمية الأربعة للمركز في العلوم الاجتماعية والسياسية والتاريخية، إضافة إلى استطلاعات الرأي العام المستمرة للعام الثالث على التوالي، وشملت أكثر من عشرين ألف مواطن عربي في 14 بلداً.

هذا ويطلق المركز العربي "المعجم التاريخي للغة العربية" الذي يضم مجموعة إلكترونية شاملة للمصطلحات العربية خلال ألفي عام. ومعهد "الدوحة للدراسات العليا" الذي سيستقبل بين 350 و400 طالب ماجستير في كليتي "العلوم الاجتماعية" و"الإدارة والسياسات العامة"، في عامه الدراسي الأول 2015 ــ 2016.

المحور الأول: "استراتيجيات الحرب وميادينها وأطرافها (المصالح والسياسات)"

المحور الأول من المؤتمر بعنوان "استراتيجيات الحرب وميادينها وأطرافها (المصالح والسياسات)"، تناول في الجلسة الأولى "الخلفية البلقانية للحرب" و"البعد النفطي للحرب العالمية الأولى". ترأست الجلسة الأولى الدكتورة هدى حوا التي اعتبرت أنّ "تلاقي عوامل الصراع في الوصول إلى المنافذ البحرية في البلقان، والمنابع النفطية الروسية والعربية، ساهم في تدويل الحرب وتوسيع دائرتها".

كما تحدث في الجلسة الأولى الدكتور محمد الأرناؤوط الذي قدّم "الخلفية البلقانية للحرب"، والقائمة على "صراع المشروعين الصربي والنمساوي في السيطرة على منطقة البلقان التي شكّلت في تلك المرحلة نقطةً استراتيجية، من حيث السيطرة على المنافذ البحرية فيها، وكونها ممراً مهماً من أوروبا نحو الشرق".

وفي هذا السياق، استعرض خرائط إثنية وسياسية للمشروعين، مؤكداً أنّ "اغتيال ولي عهد النمسا لم يقدم أو يؤخر في قرار الحرب، لأنّ الطرفين (النمساوي والصربي) كانا على أتم الاستعداد للحرب، ومن خلفهما الألمان والبريطانيون، وقد انتقلت الحرب سريعاً من ثنائية بين النمسا وصربيا إلى أوروبية ثم عالمية".

في البعد النفطي، رأت الأستاذة ريهام عمرو أنّ "التصوّر الشمولي لتاريخ المنطقة العربية، يفترض دراسة أهداف ومآرب ألمانيا وبريطانيا في البلاد العربية وأهمها النفط"، لافتةً إلى تلخّص الأهداف البريطانية في "السيطرة على مدينتي بغداد والقدس، وهو ما تمكّنت من تحقيقه عام 1917، في وقت سعت ألمانيا للوصول إلى نفط الشرق الأوسط في إطار مشروعها الأوسع في الاندفاع نحو الشرق".

أما الدكتورة دعد بو ملهب، فتحدّثت في مداخلتها عن العلاقات السياسية الدولية في مجال النفط، فلفتت إلى أنّ "النفط العربي في الخليج والروسي في القزوين، شكّلا عنوانين من عناوين الحرب والصراع، وقد أصبح النفط محرّكاً محورياً لاستراتيجية الحرب، لكلا المحورين اللذين اعتمدا على النفط اقتصادياً وعسكرياً، لا سيما في نقل الجنود".

الجلسة الثانية تناولت "مصالح إيطاليا ودورها خلال الحرب العالمية الأولى"

الجلسة الثانية تناولت "مصالح إيطاليا ودورها خلال الحرب العالمية الأولى" قدمها الدكتور علي شعيب، و"أثر الحرب على سياسات سكك الحديد" قدمها الدكتور محمد زين العابدين، و"دوافع وتداعيات الحملة البريطانية على العراق" قدمها الدكتور عبد الوهاب القصاب. وترأس الجلسة الدكتور سيار الجميل، فشدّد على ضرورة "مناقشة أسباب الحرب كمحصلة لتراكمات القرن التاسع عشر".

وتناول شعيب الدور الإيطالي في الحرب العالمية الأولى، من خلال التركيز على "الأسباب التي دفعت بإيطاليا للتوسع الاستعماري، نحو الشرق العربي والشمال الأفريقي، وهي: الإرث التجاري لإيطاليا في بلاد الشام، والإرث الديني المتمثل في الإرساليات المسيحية في البلاد العربية، والدعم الفاتيكاني لإيطاليا التي رأى فيها الفاتيكان أداة جيدة لاستبدال حماية فرنسا العلمانية لمسيحيي الشرق".

وفي الشمال الأفريقي أشار "إلى تركيز إيطاليا على محاولة استعمار مصر وتونس، وهو ما فشلت به أمام بريطانيا وفرنسا"، واصفاً تدخل إيطاليا العسكري بالسلبي "نتيجة ضعف الصناعات الحربية الإيطالية وعدم كفاءة القادة الطليان".

وبحسب شعيب فقد شكّلت السيطرة على القدس جزءاً أساسياً من الصراع البريطاني الفرنسي الإيطالي على مناطق النفوذ، فقد "سعت إيطاليا إلى فرض حماية على القدس بدعم من الفاتيكان".

بدوره ناقش زين العابدين أثر "سياسات سكك الحديد على الحرب"، فأشار إلى "تنافس الإمبرياليات الأوروبية على خطي الحجاز وبغداد، لما شكلاه من أهمية عسكرية واقتصادية".

وعرض في مداخلته أهداف بريطانيا من احتلال العراق، وهو الأمر الذي تمكنت منه بعد أربع سنوات، وتوقّف عند "ثلاثة عوامل وهي: وقوع سكة حديد بغداد فيه، وخطوط الأنابيب، وموقعه كرأس الجسر العربي الذي يمتد من البصرة إلى البحر المتوسط في الإسكندرون، والذي أرادت بريطانيا حفظ مصالحها في الهند من خلاله".

كما لفت إلى انعكاس الاحتلال البريطاني بمختلف الأشكال على العراق، إذ "انحلت منظومة القيم مقابل توسّع مجال الحرية، وتأسيس الصحف المستقلة، وانتشار الأحزاب السياسية والصالونات الأدبية"، كما عزّز سحب بريطانيا العديد من جنودها من العراق، بسبب الضائقة المالية بعد الحرب، وجه العراق المستقلّ، مع زيادة مداخيل الدولة من خلال امتيازات النفط بعد الحرب، فتطورت البنى التحتية".

الجلسة الثالثة: سياسات بريطانية خلال الحرب ... فرنسا وتحدي الحفاظ على المغرب

وناقش ناصر الدين سعيدوني، خلال الجلسة الثالثة، "السياسات البريطانية خلال الحرب"، واصفاً هذه السياسة بـ"المرونة والفاعلية لإخفاء النيات الحقيقية، وهي صفات مكنت بريطانيا من المحافظة على نفوذها المباشر في الخليج قبل الحرب العالمية الأولى، بانتهاج سياسة القوة عن طريق فرض المعاهدات غير المتكافئة التي أخضعت حكام الخليج لهيمنة بريطانيا وحدّت من تطلعات الدول المنافسة لها في المنطقة، كما سمحت هذه السياسة البعيدة النظر للساسة الإنكليز بعد الحرب بالتأقلم مع التغيرات التي عرفها عالم ما بعد الحرب، مما أبقى على هيمنة بريطانيا على الخليج".

ورصد سعيدوني، أربع نقاط ميزت تطور السياسة البريطانية في الخليج، وهي: "طبيعة النفوذ، موقف الدول الأوروبية الأخرى من هذا النفوذ، واقع الوجود الإنكليزي في الخليج أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وانعكاسات ما بعد الحرب العالمية الأولى على الهيمنة البريطانية في الخليج".

وفي دراسته عن "فرنسا وتحدي الحفاظ على المغرب خلال الحرب العالمية الأولى"، قدم زين العابدين قراءة شملت نظرة الرأي العام الفرنسي للمغرب إيان الحرب "فقد أدرك الرأي العام بأن المغرب سيكون مصدر قلق كبير لفرنسا في حال اندلاع حرب دولية، لأن بعض المناطق في المغرب كانت لا تزال خارج السيطرة الفرنسية، ولأن المغاربة، في نظرهم، محاربون أباة وتأثروا كثيراً بالدعاية الألمانية، وسيستغلون دخول فرنسا الحرب ليحاولوا التمرد. فتبلور منذ ذلك الوقت اتجاهان اثنان: إما الحفاظ على احتلال المغرب وفي هذه الحالة بقاء عدد كبير من الجنود بالمغرب على حساب الدفاع عن الحدود، وإما الانسحاب من الداخل والانحصار في المراسي مع ما كان يعنيه ذلك من احتمال الثورة العامة التي ترمي بالفرنسيين في البحر، وتنتقل إلى الجزائر وتعلن الجهاد في المستعمرات الفرنسية الإسلامية ".

ويشير زين العابدين إلى "سعي ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى إلى استغلال المجال المغربي لمشاكسة فرنسا من خلال دعم حركة المقاومة ضدها في محاولة منها لإضعاف الجبهة الأوروبية بتشتيت القوة العسكرية الفرنسية. وعلى الرغم من أن تطور مسار الدعاية الألمانية بالمغرب جعل الأوضاع في بعض الأحيان تأخذ طريقاً آخر، كادت مع اشتداد أعمال المقاومة المغربية أن تعصف بالاستقرار الفرنسي بالمغرب، فقد تمكن ليوطي بفضل حنكته واستراتيجيته الشاملة من إقصاء العنصر الألماني من المغرب، ومواجهة ورقة المغرب الخاسرة طبعاً، التي لعبتها ألمانيا ضد فرنسا أثناء الحرب هادفة إلى زعزعة استقرار المغرب عبر تهييج عدة جبهات بواسطة حركة دعائية ممنهجة".

واستعرض إدريس محارتي، بشكل مفصل "الاستراتيجية العسكرية للحماية الفرنسية للمغرب، فاس نموذجاً"، فأشار إلى "حساسية مفرطة تعاطت بها فرنسا مع الهواجس الأمنية في المغرب، وقد اعتمد الفرنسيون سياسات جعلت المغاربة يشعرون بأن فرنسا جاءت فعلاً لمساعدتهم على إدخال إصلاحات احتاجت إليها البلاد، فانعكست هذه السياسة على وتيرة وإيقاع التحرك العسكري الفرنسي بالمغرب، خصوصاً أن ألمانيا عملت على بث دعايتها بين القبائل المغربية التي أعلنت مقاومتها للوجود الفرنسي منذ 1907، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تعتمد على مبدأ الحماية والاختفاء وراء السلطان المغربي في مواجهة العديد من القضايا وعدم التظاهر بأنه المالك الحقيقي للسلطة، وعليه فقد خضعت الاستراتيجية الأمنية الفرنسية في إطار مشروع التهدئة لهذه المؤثرات محاولة التعايش مع المستجدات، فجاءت سياسة أمنية دفاعية تتحرك ببطء محاولة الحفاظ على الوضع، بالقدر الذي يسمح بعدم إثارة حنق المغاربة".

وأضاف أن، منطقة فاس، اعتبرت "ذات أهمية قصوى من الناحية الأمنية في سياق الحرب العالمية الأولى لما تشكله من أهمية استراتيجية في المخطط الاستعماري، بالإضافة إلى أن صدى الحرب العالمية كان قد وصل إلى القبائل المحيطة بمدينة فاس وتحركت إثره العديد من القبائل محاولة استغلال الأمر لصالحها ورد الغزو الفرنسي عن أراضيها، وبذلك فإن اندلاع الحرب كان له تأثير في تغيير الاستراتيجية الأمنية الفرنسية بالمغرب عامة ومنطقة فاس خاصة".

وفي الجزء الأخير، قدم عصام خليفة دراسة عن "سياسات الحدود في المشرق العربي بعيد انهيار السلطنة العثمانية". فأكد أن اتفاقية سايكس ــ بيكو "وزعت مناطق النفوذ بين فرنسا وإنكلترا وروسيا، ولم يكن هدفها تعيين حدود الدول بعد انهيار الدولة العثمانية. وقد جاءت الدول التي نشأت على أنقاض الدولة العثمانية في بعض مناطق المشرق العربي محصلاً لموازين قوى بين عدة جهات دولية وداخلية، ونتيجة اتفاقيات دولية متنوعة، منها وعد بلفور الذي قدم فلسطين المحتلة لدولة إسرائيل".

وأشار خليفة إلى "عدم استطاعة الشعوب العربية تطبيق مشروعها بقيام دولة قومية على المناطق المنفصلة عن الدولة العثمانية، تطبيقاً لمضمون مراسلات مكماهون ــ الحسين، وما حصل فرض أمراً واقعاً تمثل بانتداب بريطاني على فلسطين والعراق وانتداب فرنسي على سورية ولبنان".

وشكل عنوان "حماية الأقليات في ظل مركزية رعاية المفوضية الفرنسية" قاعدة الحكم لهذه الكيانات المستحدثة التي منحت حكماً ذاتياً، بحسب خليفة.

 

المساهمون