نواز شريف والضوء الأخضر الأميركي: ثناء مشروط ولاءات

نواز شريف والضوء الأخضر الأميركي: ثناء مشروط ولاءات

25 أكتوبر 2015
زيارات العسكريين الباكستانيين أهم من زيارة شريف(برندن سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
حظيت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الأخيرة للولايات المتحدة باهتمام كبير وتغطية مكثفة من جانب وسائل الإعلام الباكستانية والأفغانية، لا سيما أنها جاءت فور قرار الولايات المتحدة بإبقاء قواتها في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016. وجاءت التغطية الإعلامية بوزن الإطراء الذي حظي به شريف من الرئيس باراك أوباما، وهو ما ظهر في البيان الختامي للقاء الثنائي، والذي كشف عن عرض باكستاني بالمساعدة في تحرير "الأميركيين الذين تحتجزهم الجماعات الإرهابية" في المنطقة كرهائن، فضلاً عن تجديد أوباما التعاون الثنائي في مجال "مكافحة الإرهاب"، وهو ما يعني أولاً في أفغانستان.

وما زاد من أهمية هذه الزيارة، تأكيد أوباما يوم إعلان قرار التمديد لقواته في أفغانستان أن الملف الأفغاني سيكون في مقدمة النقاش مع شريف، إضافة إلى ما تناولته قبيل الزيارة بعض المنابر الإعلامية من أن واشنطن تطلب من إسلام أباد توقيع اتفاقية معها بشأن السلاح النووي  الباكستاني، والحد من صناعة السلاح النووي محدود التأثير، والتي أعلنت إسلام أباد صناعتها أخيراً بهدف مواجهة ما تسميه "عدواناً" من الجانب الهندي.

سبقت تطورات إقليمية مهمة زيارة شريف إلى واشنطن، وكانت معظمها حاضرة على طاولة النقاش. من أهم تلك التطورات، ارتفاع وتيرة الحرب في أفغانستان واستيلاء حركة "طالبان" على بعض المناطق المهمة في شمال البلاد، ما دفع بالحكومة الأفغانية إلى اتهام إسلام أباد بتواصل دعمها لـ"طالبان"، والإدارة الأميركية إلى إعلان بقاء قواتها في أفغانستان ما بعد عام 2016. كما أن العلاقات بين إسلام أباد وكابول قد توترت إلى أقصى حد، على الرغم من محاولات باكستانية متكررة، مستخدمة جميع الوسائل والسبل لإرضاء الحكومة الأفغانية على إحياء عملية الحوار مع "طالبان". كذلك حذّر قائد القوات المسلحة الباكستانية راحيل شريف من انضمام الحركة إلى تنظيم "داعش" إذا أصرت الحكومة الأفغانية على رفض الحوار مع "طالبان". إلا أن الجانب الأفغاني عدّ كل تلك المحاولات بمثابة "شراء للوقت"، وطالب إسلام أباد بالعمل ضد "طالبان" وجميع المسلحين الذين يأخذون من الأراضي الباكستانية مقراً قبل إحياء عملية الحوار. لكن كل ذلك بدا وكأنه هامشياً في ظلّ شكر أوباما لنواز شريف على "الدور الذي لعبه في دعم المباحثات بين أفغانستان وحركة طالبان".

اقرأ أيضاً: تزايد التحديات أمام باكستان: هل تدفعها لتغيير استراتيجيتها؟

التصعيد الأبرز الذي سبق الزيارة، كان على جبهة العلاقات الهندية الباكستانية، إذ أعلنت الداخلية الباكستانية أن جهاز الاستخبارات الهندي (را) يخطط لاغتيال نواز شريف. كما أن وكيل وزارة الخارجية إعزاز شودري شدد على أن بلاده "قادرة على الرد بسلاح نووي محدود النطاق ضد أي عدوان يستهدف استقرار باكستان من جانب الهند"، وهو ما بدا أنه لم ينعكس بشكل جدي على حصيلة لقاءات نواز شريف أميركياً.

الأهم من ذلك كله هو التكهنات التي أوردتها وسائل إعلام باكستانية بشأن نية واشنطن إزاء السلاح النووي الباكستاني، وهو ما قد يكون تُرجم في البيان الختامي للقاء أوباما ـ شريف بتشديد الرئيس الأميركي على "ضرورة تجنب أي تطورات يمكن أن تجلب المزيد من المخاطر على السلامة والأمن النوويين والاستقرار الاستراتيجي وتعهد الطرفين بمواصلة تعاونهما القوي في الأمن النووي".

وكانت تسريبات صحافية قد أشارت إلى أن رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية الجنرال رضوان أختر قد زار واشنطن قبل زيارة شريف، وناقش مع القيادة الأميركية بعض الملفات محط الاهتمام المشترك، منها قضية أفغانستان، والتوتر على الحدود مع الهند، إضافة إلى ما تطلبه واشنطن من باكستان بشأن السلاح النووي. 

إلا أن من رافق رئيس الوزراء خلال الزيارة أكدوا أن واشنطن طلبت من باكستان بشدة العمل ضد كل من حركة "طالبان أفغانستان" و"شبكة حقاني" و"جماعة الدعوة" التي بدأت تنشط في أفغانستان بعد أن كان نشاطها ينحصر في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان. وأوردت تسريبات صحافية أن أوباما أكد خلال لقائه مع شريف أن المساعدات العسكرية الأميركية ستكون رهن القضاء على تلك الجماعات، الأمر الذي وافق عليه شريف.

اقرأ أيضاً: سقوط قندوز بيد طالبان: ضرب للنفوذ الصيني بالشمال الأفغاني؟

ويعتقد الخبراء أن تعهد باكستان بالعمل ضد جماعة الدعوة اختبار صعب للحكومة الباكستانية، وتتساءل الصحافية أسماء شيرازي إذا ما كانت الحكومة الباكستانية قادرة على الوفاء بالعمل ضد جماعة الدعوة، الوحيدة التي تنشط حالياً ضد القوات الهندية في إقليم كشمير.

وفي ما يخص ملف المصالحة الوطنية الأفغانية، فقد طلب أوباما من رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، العمل لإحياء الحوار مع الحكومة الأفغانية. لكن الجديد بهذا الشأن هو اتفاق أميركي ــ باكستاني على أن يكون حوار طالبان مباشراً مع الحكومة الأفغانية، من دون أي وسيط، وهو ما كان يطلبه الرئيس الأفغاني أشرف غني.

وحول التوتر مع الهند، تكشف مصادر من الوفد المرافق لرئيس الوزراء الباكستاني، والذي ضم كلاً من مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي والشؤون الخارجية سرتاج عزيز، ووزير الدفاع خواجه أصف، ووزير الداخلية شودري وغيرهم، أن الجانب الباكستاني سلم الإدارة الأميركية حزمة مما تسميها إسلام أباد "الأدلة ومستندات تثبت ضلوع الاستخبارات الهندية بما تشهده باكستان من أعمال العنف والتوتر".

يخلص مراقبون إلى أن زيارة رئيس الوزراء الباكستاني لواشنطن، بدعوة من أوباما، تشير في حد ذاتها إلى أن واشنطن ما تزال بحاجة إلى إسلام أباد في المنطقة، خصوصاً حيال الملف الأفغاني. وبما أن القرارات المصيرية في باكستان محصورة بيد المؤسسة العسكرية، فإن زيارة شريف لم تكن مهمة بقدر أهمية زيارة رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال رضوان التي سبقت وصول شريف إلى واشنطن. كما أن زيارة قائد القوات المسلحة الباكستانية لواشنطن في الشهر المقبل، سترسم الخطوط الأساسية للسياسة الباكستانية الأميركية في المنطقة. لكن الواضح هو أن باكستان باتت مستعدة لمناقشة جميع القضايا والملفات مع الإدارة الأميركية، باستثناء سلاحها النووي.

وعن هذا الموضوع، يجزم الدبلوماسي الباكستاني السابق شاهد أمين أن إسلام أباد "لن تتحمل العداء مع أميركا ولكن عليها أن تتعامل معها بصورة حكيمة كي نحصل على ما نحتاج إليه، وفي الوقت نفسه نحافظ على صداقتنا مع واشنطن".

اقرأ أيضاً: تزايد التحديات أمام باكستان: هل تدفعها لتغيير استراتيجيتها؟