بيرام ولد عبيدي: مقاتل "الرق" نجم سياسي صاعد بموريتانيا

بيرام ولد عبيدي: مقاتل "الرق" نجم سياسي صاعد بموريتانيا

27 يونيو 2014
تفوق بيرام بالانتخابات الرئاسية على سياسيين مكرسين (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
يُنظر إلى السياسي الموريتاني، بيرام ولد الداه ولد عبيدي، كشخصية مثيرة للجدل في بلاده، فالرجل الأربعيني، الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة وشريحة مهمشة، تحوّل إلى ظاهرة خاصة في موريتانيا، منتقلاً من كاتب خطابات بسيط إلى رمز حقوقي عالمي، حائز جوائز دولية وإقليمية، ومرشح لرئاسة الجمهورية. حصل على المرتبة الثانية، بعد الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، متفوقاً على نائبين، ورئيسي حزبين سياسيين لهما تاريخهما المشهود في الساحة السياسية الموريتانية.

من هو بيرام ولد عبيدي؟ وكيف حقق كل هذا النجاح خلال هذه الفترة؟

مناهضة العبودية

ولد بيرام ولد الداه ولد عبيدي عام 1969، في جدر المحكن في ولاية ترارزة، وهو ينحدر من أسرة فقيرة تنتمي إلى شريحة الرقيق السابقين.

بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، دخل الإدارة القضائية ككاتب ضبط، كما حصل على شهادة "الأستذة" في القانون العام، ثم حصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام من جامعة الشيخ آنتا جوب في داكار، في السينغال.

كان ناشطاً سياسياً في حركة "الحر" المدافعة عن شريحة "الرقيق"، وانتسب إلى حزب "اتحاد القوى الديمقراطية"، قبل أن يتمرد على الأحزاب والحركات السياسية الموريتانية، ويتهمها بترسيخ الفوارق الطبقية، والتغاضي عن المظالم، التي يعاني منها "الحراطين"، أي الشرائح المهمشة.

سطع نجمه من خلاله أنشطته الحقوقية المناهضة للعبودية، والمدافعة عن الرقيق السابقين، إذ نشطت منظمته المعروفة بـ "مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية"، عبر جملة من الأساليب الاحتجاجية القوية والمثيرة، والتي كان أبرزها حرق كتب المذهب المالكي في 27 أبريل/نيسان من عام 2012، باعتبارها تكرس "فقه النخاسة وتبيح الاسترقاق"، حسب رؤية الحركة.

أدت هذه الخطوة إلى موجة غضب شعبي، دفعت السلطات إلى اعتقاله، وعدد من رموز حركته، بتهمة المساس بالمقدّسات، قبل أن يتم الإفراج عنهم، مؤقتاً، في سبتمبر/أيلول من عام 2012.

ووقعت "معارك ساخنة" بين حركة بيرام والسلطات الأمنية الموريتانية، في العاصمة نواكشوط، ومدن كيهيدي وازويرات وبتلميت، بسبب ما تقول الحركة إنه اكتشاف لحالات استرقاق. كما قام عدد من أنصار الحركة بدفن أنفسهم في الرمال احتجاجاً على قمع الشرطة.

بقايا العبودية

رغم القوانين التي أصدرتها موريتانيا، لا تزال بقايا العبودية ومخلفاتها موجودة، خصوصاً في الريف الجنوبي للبلاد، حيث تسيطر العادات القديمة.

وأصدرت الدولة الموريتانية قوانين تجرّم العبودية، ومظاهر الاستغلال للبشر، كالتعميم الصادر عن وزارة العدل (1969) خلال فترة حكم الرئيس الراحل، المختار ولد داداه، كما صدر في عهد الرئيس الأسبق، محمد خونه ولد هيداله، القانون رقم (234/81) في عام 1981، الذي أصدره الرئيس السابق، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ويعتبر من أشمل القوانين، التي صدرت ضد ظاهرة العبودية.

وعلى الرغم من أن هذه المجموعة من القوانين ساهمت في التصدّي لظاهرة العبودية، والحد من الممارسات الاسترقاقية، غير أنها لم تقض عليها تماماً، وبقيت بقايا الرق موجودة، خصوصاً في المناطق، التي ينتشر فيها خطاب ديني تقليدي، يرى فيه العديد من الحقوقيين تبريراً وتسويغاً للعبودية.

وبما أنّ ظاهرة قديمة، ومعقدة، كظاهرة العبودية، التي يتداخل فيها العامل الديني مع العامل الاجتماعي والتاريخي، لم تعد مقبولة في العصر الحديث، تفهم الكثير من الحقوقيين والسياسيين حراك بيرام الحقوقي، وإن اختلفوا معه في أسلوبه الخطابي، وهجومه اللاذع على الدولة، ومجتمع "البيض"، وربما لهذه الأسباب صوتت نسبة معتبرة من الموريتانيين له، في الانتخابات الرئاسية، التي حل فيها في المرتبة الثانية، متفوقاً على سياسيين مكرسين.

خطاب حاد

يتسم خطاب بيرام بالحدة تجاه رجال الدين، ورجال الأعمال، وقادة الجيش. ويصف هذا الثالوث بـ "التحالف الإقطاعي"، الذي يسهر على حماية بقايا العبودية، ويرفض التصدي لها، ويحتمي به ملاك "العبيد" السابقون، من شريحة "العرب البيضان"، الذين يشكلون غالبية سكان موريتانيا. كما يتهم الأحزاب، والحركات السياسية الموريتانية، بالتغاضي عن بقايا العبودية، التي يعاني منها "الحراطين"، ويتهم القادة التاريخيين لحركة "تحرير وانعتاق الحراطين"، بالتخاذل والتواطؤ مع السلطات.

لكن هذا لم يمنع بيرام من التوقيع على أهم وثيقة أصدرها قادة "الحراطين"، وهي الوثيقة المعروفة بـ"الميثاق"، التي تحد من مظالم "الحراطين"، وطالبت بـ"إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاسم الحقيقي للسلطة والثروة بين كافة أبناء البلد"، وكانت معظم فقرات "الميثاق" تحمل خطاباً تصالحياً غير الذي يتحدث به بيرام ومنظمته.

علاقات دولية واسعة

ينظر كثير من الموريتانيين إلى بيرام بعين الريبة والشك، نظراً لعلاقاته الخارجية بالعديد من المنظمات الدولية، التي يتهمونها بدعمه وتشجيعه على مساره المتشدد، ولهجته المتشنجة، وخصوصاً بعد إقدامه على حرق نسخ من كتب المذهب المالكي، الذي يعتبر المذهب الفقهي المعتمد في بلاد المغرب العربي. كما أن الضغوط، التي قامت بها المنظمات الدولية، هي التي أدت، على الأرجح، إلى الإفراج عنه، بعد التهديد بوقف المساعدات الدولية لموريتانيا، وهي المساعدات، التي تحتاجها البلاد لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها.

توجت جهود بيرام الحقوقية بحصوله على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2013. في المقابل، رفضت وزارة الداخلية ترخيص حزبه السياسي، كما رفضت الاعتراف بمنظمته الحقوقية حتى الآن، لكنها تغاضت عن أنشطتها نظراً للحساسية والتعقيد، اللذين يلفان الطرح الخاص بالعبيد السابقين.

أعلن بيرام ترشحه لرئاسيات 2014 مبكراً، وشارك فيها إلى جانب أربعة مرشحين. وعلى الرغم من أن فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كان متوقعاً، غير أن ما كان مفاجئاً هو النتائج، التي حققها بيرام، والتي فاجأت المراقبين. فقد حصل بيرام  في العاصمة، وخصوصاً في مقاطعة السبخة، وهي معقل تقليدي لشريحة الزنوج، على المرتبة الثانية بعد ولد العزيز. وفي ازويرات، أقصى الشمال الموريتاني، حصد عدداً كبيراً من الأصوات، كما نافس المرشح، بيجل ولد هميد، في عقر داره في روصو جنوب البلاد، ونافس  المرشح ابراهيما مختار صار، في معقله، محققاً نتائج كبيرة ستؤهله لدور سياسي أكبر، وهو ما أعطى بيرام دفعة جديدة، فهو لم يعد مجرد حقوقي مغضوب عليه من الجميع، وإنما مرشح رئاسي حصل على المرتبة الثانية.