المراصد: أمل السوريين الوحيد لاتقاء طيران النظام

المراصد: أمل السوريين الوحيد لاتقاء طيران النظام

05 ديسمبر 2014
لا يُمكن حماية السكان بشكل كافٍ (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يفوّت طيران النظام السوريّ يوماً، إلا و"يزور" المناطق الخارجة عن سيطرته لرمي قذائف الموت المتعددة الأسماء والأحجام: صواريخ، براميل، حاويات، وغيرها. وبعد أكثر من عامين على استخدامه سلاح الطيران، اختبر الناس أنواعَ الطائرات وحمولتها ومزاياها الفنية، والارتفاع الذي تقصف منه، ودلالات مناوراتها لدرجة بات في إمكانهم التمييز بين طائرة عابرة وأخرى ستقصف.

ولاتقاء شرّ الطيران والبراميل المتفجّرة، انتشرت "قبضات" الاتصال اللاسلكيّة في منازل السوريين، والتي يصطحبونها أيضاً في جولاتهم وزياراتهم وتنقلاتهم. ضُبطت القبضات على موجة واحدة، ورُبطت بمراصد الطيران التابعة لفصائل المعارضة والمنتشرة بالقرب من المطارات العسكريّة. وتضمّ مراصد الطيران أشخاصاً متطوعين أو متفرغين لهذه المهمة، ومزوّدين بقبضات وأجهزة استقبال ترصد تحركات الجيش النظامي، وتتنصت عليه داخل معسكراته.

كما ترصد القبضات طائرات النظام من لحظة إقلاعها، وتنقل معلومات إلى مراصد أخرى على الجبهات، عن وجهة الطائرة وارتفاعها التقديري والمسار الذي تسلكه، لتقوم بدورها بتحذير استباقي للمقاتلين، والناس عبر القبضات اللاسلكيّة. كما تضطلع مراصد الطيران بمهمة مراقبة الاتصالات بين قمرة القيادة في الطائرة، وغرفة التحكم بالمطار لمعرفة نوع الهدف ومكانه.

يصطحب أبو يونس قبضته المشحونة دائماً في حله وترحاله، ويضبطها على موجة وحيدة هي "موجة المراصد". يستفيض في شرح دور القبضات وأثرها في تقليل الخسائر البشرية التي تتسبب بها صواريخ النظام وبراميله، عدا عن دورها في إدارة المعارك التي تخوضها فصائل المعارضة ضد النظام. لكنه، يتوقف ملياً عند لحظة تعجز فيها كل الوسائل عن درء الخطر أو الاحتماء منه. أبو يونس، رجل في الأربعينيات من عمره، مهووس بتتبع المراصد وحركة الطائرات العسكريّة، كما نجا أكثر من مرة من غاراتها.

يُشغل أبو يونس تسجيلاً صوتياً في هاتفه النقال، ويُسمعنا محادثة بين قائد إحدى الطائرات وغرفة التحكم. يقول قائد الطائرة "سيدي الهدف غير محدد.. حوّل.. سيدي الهدف غير محدد.. حوّل"، فيأتي الرد "استهدفْ أي تجمع.. استهدف أي تجمع". يتنهّد أبو يونس قائلاً "ندرك حينها أن مجزرة ستقع، ونشعر بالعجز الكامل. كيف سنخلي كل التجمعات؟ من يخرج الأطفال من المدراس ويفرغ الأسواق؟ من يخبر الطوابير على المخابز أنهم قد يكونوا مستهدفين؟ أين نذهب؟ نعول على رحمة الله فقط".

على مدار العامين الماضيين، ومنذ استخدامه لسلاح الطيران منتصف تموز/ يوليو 2012، يحرص النظام على استهداف الحاضنة الاجتماعية والمدينة للمعارضة المسلحة، ويتفنن في اختيار أهدافه، فتارة مدرسة أطفال أو مخبز مزدحم، وتارة أخرى سوق يضج بالناس. وغالباً ما تكون الخسائر البشريّة في الأرياف أقلّ، لكنها تتضاعف في المدن المكتظة بالسكان كمدينة حلب، التي هجّرت البراميل العشوائية والتي تحصد كل يوم عشرات الأرواح، أكثر من مليون شخص، تشرّدوا في الأرياف القريبة أو لجأوا إلى تركيا. وأخيراً، لم يعد النظام مقتنعاً بالبراميل وأثرها التدميري، فتفتقت عقليته على ما أهو أكثر تدميراً، عبر جمع براميل عدة في حاويات تحملها مروحياته، وتلقيها من فوق دون تحديد للهدف.

لطالما طالبت المعارضة السورية، وفصائلها المسلّحة المجتمع الدوليّ بإقامة منطقة حظر جوي، أو توفير صواريخ مضادة للطائرات، لكن من دون أن تجد نداءتهم صدى. لذلك لم يبق لهم إلا المراصد والقبضات، وسيلة لاتقاء شر النظام وطيرانه. لكنها غير متاحة للجميع، فأسعار القبضات، وكما يشرح أحد مقاتلي "الجيش الحرّ" ابراهيم عبد الجبار، تتراوح بين 80 إلى 110 دولارات أميركيّة، بحسب مدى تغطيتها (10 ـ 100 كيلومتر)، في حين يبلغ سعر جهاز الاستقبال أكثر من 600 دولار أميركي.

المساهمون