هل ينصف القضاء الإداري نواب البرلمان التونسي؟

هل ينصف القضاء الإداري نواب البرلمان التونسي؟

03 سبتمبر 2021
نواب تونسيون: القضاء هو الفيصل في احتكار الرئيس للسلطات (فرانس برس)
+ الخط -

لم تصدر المحكمة الإدارية التونسية بعد قراراتها بشأن الطعون التي أثارها نواب تونسيون ضد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بخصوص الحالة الاستثنائية، فيما يواصل النواب التوافد إلى مقر المحكمة، معتبرين أن القضاء هو الفيصل في احتكار الرئيس للسلطات وتجاوزه للصلاحيات.

ويتابع التونسيون توافد النواب إلى مقر المحكمة، آملين أن تتدخل المحكمة الإدارية لتنصفهم أمام استمرار غلق مقر البرلمان بالمدرعات العسكرية وتعليق الرئيس عمل البرلمان إلى أجل غير معلوم.

وعقب 40 يوماً من إقرار سعيد تجميد عمل البرلمان وتعطيل نشاطه في 25 يوليو/ تموز، تواصل المحكمة تلقي قضايا، إذ قدم إلى اليوم 4 نواب من حزب "النهضة" قضايا، وهم موسى بن أحمد، النائب عن دائرة ألمانيا بالخارج، ولطيفة الحباشي، وفريدة العبيدي، فيما توجه نائب "النهضة" بشر الشابي إلى القضاء العدلي.

إلى ذلك، قدم نائب حزب "قلب تونس" جوهر المغيربي و9 نواب من المؤسسين (المجلس التأسيسي السابق الذي صاغ الدستور) قضايا، إلى جانب 3 قضايا من الإعلامي زياد الهاني. 

وتطالب جميع القضايا بإبطال قرارات سعيد ووقف تنفيذها سريعاً من خلال الطعن في تجاوزه لصلاحياته الرئاسية المنصوص عليها في الدستور واستحواذه على سلطة البرلمان وسلطة الحكومة بموجب البند 80 الذي يقضي ببقاء البرلمان في حالة انعقاد.

شكوى للاتحاد البرلماني الدولي

إلى ذلك، تقدّم مساعد رئيس مجلس نواب الشعب، المكلف بالإعلام والاتصال، والنائب عن حركة "النهضة" ماهر مذيوب، اليوم الجمعة، بشكوى لدى لجنة حقوق الإنسان صلب الاتحاد البرلماني الدولي، احتجاجاً على تجميد ثم تعليق عمله في البرلمان إلى أجل غير مسمّى.

وقال مذيوب في تدوينة عبر صفحته الرسمية "فيسبوك"، إن قرار تعليق عمله انبنى على أسس تعسفية وغير دستورية. وأكد مذيوب في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "تقدّم اليوم للجنة حقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي بشكوى ضدّ كل من يثبت عمله على تجميد وتعليق عمله بمجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، كمنتخب عن دائرة الدول العربية وبقية دول العالم، إلى أجل غير مسمّى، على أسس تعسفية وغير دستورية"، مضيفاً أن "هذه الشكوى تأتي كذلك ضد الحملة الممنهجة والخطيرة لشيطنة نواب الشعب منذ انتخابهم في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 والتحريض عليهم وتشويه سمعتهم بدون موجب حق، ونعتهم بأبشع النعوت".

وبيّن مذيوب أنه "اختار التوجه إلى الاتحاد البرلماني الدولي، وهذا طبيعي جداً لأنه المؤسسة التي تجمع برلمانات العالم منذ 1889". وحول جدل التدابير الاستثنائية، وخرقها للقانون والدستور، ردّ مذيوب أنها "خرق للفصل 80 من الدستور، الذي ينصّ على بقاء مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم عند تفعيله، وهي اعتداء على الحق في الحصانة المضمونة بالدستور، والتي لا يمكن البت في المحافظة عليها أو نزعها سوى الجلسة العامة للمجلس بعد المرور بلجنة النظام الداخلي للمجلس".

وفي السياق، تتلقى المحكمة الإدارية قضايا وشكايات وطعون بسبب قرارات سعيد استمرار الوضع الاستثنائي من قبل وزراء سابقين وسياسيين ونواب وقضاة ورجال أعمال تم وضعهم قيد الإقامة الجبرية أو تم منعهم من السفر.

وقدم حزب "النهضة" شكوى ضد وضع الوزير السابق أنور معروف قيد الإقامة الجبرية، كما قُدمت شكاوى كذلك من الوزير عن "تحيا تونس" رياض المؤخر، والقاضي ووكيل النيابة السابق بشير العكرمي، والرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب.. وغيرهم، لاعتبار أن قرارات وضعهم تحت الإقامة الجبرية مخالفة للدستور وللحقوق والحريات. 

وأصدرت المحكمة الإدارية منذ 2018 عدداً من قرارات بطلان الإجراء الاحترازي الذي تعتمده وزارة الداخلية للمنع من السفر المعروف بالملاحظة "إس 17" التي يتواصل تطبيقها إلى اليوم دون قرار قضائي.

وأقرت بطلان قرارات تقييد إقامة عدد من المواطنين سابقاً، منصفة بذلك المشتكين ضد الدولة ووزارة الداخلية، ما عزز الأمل عند البرلمانيين في إنصافهم أمام القضاء. 

وأكد المتحدث باسم المحكمة الإدارية القاضي عماد الغابري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المحكمة تلقت جملة من القضايا من نواب حاليين وسابقين وشخصيات من المجتمع المدني وإعلاميين. 

وعن مصير هذه القضايا، قال الغابري إن هذه الطلبات والشكايات "سينظر فيها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية في إطار ما يسمى بالقضاء الاستعجالي"، موضحاً أن "هناك آجالا تتجاوز شهراً أو أقل للبت في هذه المطالب، كما ينص القانون على شهر للبت فيها قابل للتمديد مع إمكانية تجاوز هذه الآجال إذا استوجبت الإجراءات ذلك".

وأضاف المتحدث باسم المحكمة الإدارية أن "هناك آليتين قضائيتين متصلتين بعضهما ببعض؛ الأولى آلية توقيف تنفيذ القرارات والثانية آلية إلغائها"، موضحاً أن "القاضي الإداري الأصلي المتعهد بالقضايا ينظر في قرار الإلغاء، وأما القاضي الإداري الاستعجالي فينظر في إيقاف التنفيذ". 

وحول اختصاص المحكمة الإدارية في إيقاف قرارات الرئيس من عدمه، أكد الغابري أن "الإقرار باختصاص المحكمة الإدارية من عدمه يبت فيها القضاء الإداري، الذي لا يمكن استباق أعماله وجلساته"، بحسب المتحدث.

وأضاف المتحدث باسم المحكمة الإدارية أنه "بالنسبة للقرارات الأخرى، كالوضع قيد الإقامة الجبرية والمنع من السفر، فإن المحكمة الإدارية ستنظر فيها أيضا"، مشيراً إلى أن المحكمة لديها أحكام سابقة في ذلك"، بحسب تأكيده.

وللتذكير، فقد سبق بالفعل أن ألغت المحكمة الإدارية قرارات لوزارة الداخلية بمنع السفر عن مواطنين تقدموا للطعن أمام المحكمة المذكورة.

في مقابل ذلك، يعتبر العديد من الخبراء في القانون الدستوري والإداري أنه لا يمكن الطعن في قرارات سعيد رغم الإجماع على عدم دستوريتها، خصوصاً في الوضع الاستثنائي، باعتبارها أعمال سيادة، مؤكدين أن ما أقدم عليه النواب لا يتجاوز بعده الرمزي والسياسي والإعلامي في إطار ما يكفله الدستور من إمكانية التقاضي والتظلم والطعن حتى في قرارات أعلى سلطة في الدولة.

وقال القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد الصواب، في تصريح صحافي، إن "هذا الأمر الرئاسي يعتبر قراراً إداريا قابلاً للطعن لدى المحكمة الإدارية"، مستدركاً بالقول "لكن هذا الأمر الرئاسي صدر وفق الفصل 80 من الدستور التونسي، أي وفقا لظروف استثنائية".

وأوضح أن "هناك إجماعاً في الفقه والقضاء في القانون المقارن على أن هذه القرارات جاءت في ظروف استثنائية وهي تندرج في إطار ما يسمى في تونس بنظرية (أعمال السيادة)، وهو نوع من الأعمال السياسية مثل قطع العلاقات مع دولة معينة، أو إعلان الحرب، أو الاستدعاء للانتخابات، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن".

واستطرد الصواب قائلاً "يمكن للنواب تقديم قضية في الطعن في القرارات، ولكن لن يتم قبولها"، مردفا أن "قرار تجميد البرلمان مخالف للدستور، لا جدال في ذلك".