هكذا تدرّب الأحزاب الجزائرية قيادات المستقبل

هكذا تدرّب الأحزاب الجزائرية قيادات المستقبل

26 يونيو 2023
الحراك الشعبي أظهر حاجة للتأطير السياسي للشباب (العربي الجديد)
+ الخط -

تبرز في الجزائر تجارب متقدمة لدى مجموعة من الأحزاب ذات المرجعيات السياسية والأيديولوجية الثابتة في المشهد الجزائري لإنشاء أكاديميات وهيئات منظمة ومدارس لتكوين القيادات الشبابية وتأهيل الكوادر الفتية التي تضمن استمرار الحزب وأفكاره ومبادئه، وتمكينها من أدوات التفكير والتعامل مع تعقيدات الساحة والمنافسة السياسية.

"حركة مجتمع السلم" وتجربة "جيل الترجيح"

قبل فترة قصيرة أشرفت إدارة "أكاديمية جيل الترجيح" للتأهيل القيادي، والتي تتبع لـ"حركة مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، على حفل نوعي لتخرج فوجين من القيادات الشابة، امتد تكوينها على مدار خمس سنوات من التعليم والتنشئة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية. وبدأت الأكاديمية نشاطها في عام 2008، وفي صيف 2009 كانت قد نجحت في تشكيل 11 فوجاً قيادياً، وتطورت بشكل خاص بعد انتخاب الرئيس السابق للحركة عبد الرزاق مقري عام 2013.

ويؤكد رئيس الأكاديمية وأمين قسم الشباب في "حركة مجتمع السلم" مروان بوقطاية، لـ"العربي الجديد"، أن "الأكاديمية تضم في الوقت الحالي ما يقارب الألفي قائد وقائدة، وتخرج منها منذ تأسيسها إلى غاية العام الحالي ما يقارب خمسة آلاف شخص، في أربع دفعات مختلفة تلقت كل منها خمس سنوات من التأهيل القيادي وفق طريقة وفلسفة تأهيل خاصة".

تمدّ الأكاديميات الحزبية الأحزاب بالقيادات والمرشحين الشباب للانتخابات

ويشير أمين قسم الشباب في "حركة مجتمع السلم" إلى أن الهدف من تأسيس الأكاديمية "هو تجديد وتفعيل وتطوير الموارد البشرية لحركة مجتمع السلم ومؤسساتها، وضمان تشغيل أمثل لهياكل ومؤسسات الحركة والمجتمع المدني محلياً ومركزياً، وإعداد جيل قيادي مستقبلي مؤهل لقيادة الدولة والمجتمع والإصلاح الشامل".

ويوضح بوقطاية أن "الأكاديمية تقدم أنماط تكوين وتأهيل قيادي في مجالات الفكر والمعرفة ومجالات السياسة والشأن العام والتنمية الذاتية، والإعلام والإنتاج الفني، كما أنها تهتم بالتكوين في المال وريادة الأعمال".  

وكان واضحاً تأثير ومساهمة "أكاديمية جيل الترجيح" في إمداد الحزب بالقيادات، بما فيه الصف القيادي الأول والأمانات الوطنية، كما باتت أغلب المؤسسات التابعة للحركة تعمل بطاقم شبابي من خريجي الأكاديمية التي ساعدت أيضاً في تطوير تعبئتها في الاستحقاقات الانتخابية والسياسية.

وتنطلق هذه التجربة التي تعد الأبرز والأكثر تنظيماً على الصعيد الجزائري، كغيرها من التجارب المماثلة، من مسعى لضمان استمرارية الحزب والحفاظ على مرجعيته من جهة، وتكوين قيادات تستمر في حمل المشعل وتكون الأقدر على مسايرة تطورات الساحة السياسية المعقدة والمتداخلة في الجزائر، وتحضيرهم للحكم والحكومة والبرلمان وغيرها.

قبل ذلك، كانت جبهة القوى الاشتراكية قد أنشأت مدرسة تكوين سياسي (تحمل اسم المناضل والمحامي علي مسيلي الذي اغتيل في باريس عام 1986)، حيث انتبهت الجبهة إلى ضرورة وضع منهاج لتكوين القيادات الشابة وتأهيلها للنشاط السياسي والعمل القيادي والتنظيمي.

ويوضح مدير هذه المدرسة السياسية نصير عبدون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قرار إنشاء المدرسة صدر خلال المؤتمر الرابع الذي عقد في سنة 2007. ويقول في هذا الصدد إن "إنشاء هذه المدرسة يدل على الاهتمام الذي يعلقه حزبنا على التكوين، وهذه المدرسة هي مساحة مميزة للتكوين والدعم والتبادل والنقاش الديمقراطي، وكأداة للترويج لمثل وقيم وأهداف ومشروع الحزب، ومنتدى لتعلم كيفية ممارسة الديمقراطية وبناء القدرات على مستويات متعددة".

وتعتمد مدرسة التكوين السياسي لجبهة القوى الاشتراكية على برنامج تكوين غني ومكثف، يقدم على شكل دورات تكوينية وندوات وموائد مستديرة وورش عمل موجهة للقيادات الشابة والطلاب. ويؤكد عبدون أنها "تساعد هؤلاء على فهم النظام السياسي الجزائري والدفاع عن مُثُل وأفكار الحزب التي تسمح له بمناقشة القضايا الوطنية والدولية، وتسمح للناشطين في المجتمع المدني المتشبعين بالقيم الديمقراطية، وللأعضاء الجدد في الحزب، بمعرفة قيم ومواثيق الحزب وفهم مواقفه بشكل أفضل".

تعد تجربة "أكاديمية جيل الترجيح" لـ"حركة مجتمع السلم" الأبرز والأكثر تنظيماً على الصعيد الجزائري

ويلفت عبدون في هذا الصدد إلى أن "هناك برامج تكوين قيادي موجهة لصالح المسؤولين والمنتخبين المحليين لجعل سلوكهم وأفعالهم داخل المجتمع منسجمة مع قيم ومواقف الحزب، وترجمة التزامات وتعهدات الحزب الانتخابية، وأيضاً تعزيز قدرات إدارة الهياكل السياسية للحزب، وتحسين المستوى الاتصالي". كما تنظم المدرسة ورشات لمسؤولي الحزب والنساء والنقابيين، بهدف رفع مستوى النقاش الوطني وضمان التناوب السياسي الجيد.

أحزاب الجزائر: انحياز للنمط العلمي في تنشئة الكوادر

ويؤشر انتقال الأحزاب السياسية في الجزائر إلى نمط أكاديميات التكوين السياسي وإنشاء محاضن منظمة وبرامج لصنع القيادات الشبابية، إلى تحول إيجابي كبير في عمل هذه الأحزاب السياسية، من خلال الانحياز إلى النمط العلمي والبيداغوجي في آليات التنشئة السياسية للكوادر القيادية الشابة.

ويحصل ذلك بخلاف العقود الأولى للعمل السياسي بعد الانفتاح التعددي الذي حصل في عام 1989، والتي كان فيها التأهيل السياسي للقيادات غائباً أو يعتمد على نمط تقليدي، كما أن الصفوف القيادية كانت مرتبطة بالنضالية والأسبقية وغيرها. ومن المتغيرات، تطور الممارسة السياسية في الجزائر ولغة الأجيال الجديدة وتقدم مستواها العلمي والأكاديمي، مقارنة مع القيادات الحزبية السابقة. كما تجدر الإشارة إلى تشعب القضايا المطروحة في المجتمع السياسي والاقتصادي محلياً ودولياً، حالياً، والتي تفرض مستوى من المنهجية العلمية، تعد من العوامل التي فرضت على الأحزاب التفكير في إنشاء مدارس تكوين سياسي.

في عام 2015، بادر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" إلى إنشاء تنظيم شبابي تابع له، تحت اسم "منظمة الشبيبة الحرّة"، يمثل إطاراً لتكوين القيادات الشابة، قبل أن يبادر الحزب إلى تطويرها لـ"هيئة الشباب التقدمي" التي اعتمدت بصفة رسمية قانونية في المؤتمر الخامس للحزب الذي انعقد في فبراير/ شباط 2018، والتي عقدت جلساتها التأسيسية في مايو/ أيار من العام ذاته، وأوكلت مهمة قيادة "الشباب التقدمي" للشابة منال بوزيد.

وتؤكد بوزيد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الشباب التقدمي واجهة شبابية للحزب"، وأن "أغلب المنتمين إلى هذه المدرسة السياسية حاصلون على شهادات جامعية وناشطون في مختلف الهيئات الطلابية والجمعيات والنوادي العلمية والثقافية على مستوى الجامعات وفي مختلف الولايات". وتلفت بوزيد إلى أنه "منذ عام 2015 ينظم الشباب التقدمي الجامعة الصيفية، والتي يتم فيها تكوين أكثر من 500 مناضل عبر ورشات متنوعة في الشؤون السياسية والقانون والإعلام وقضايا الاقتصاد، وتنظيم ندوات ومناقشات".

لم تنجح أحزاب السلطة، خصوصاً جبهة التحرير الوطني، في الحفاظ على مدارس تكوين سياسي كانت تتبع لها، كاتحاد الشبيبة

وتوضح بوزيد أن الهدف من هذه المنظمة "بناء قياديين ومناضلين قادرين على تولي المسؤوليات محلياً ووطنياً"، مؤكدة أن التجربة أثمرت "نتائج طيبة". وتشير في هذا الإطار إلى أن أغلب مرشحي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في انتخابات المجالس المحلية لا تتجاوز أعمارهم الـ30 عاماً، وأحسن مثال على ذلك كان في الانتخابات المحلية عام 2017، حين كان سفيان أوملام أصغر رئيس بلدية عن ولاية بومرداس، قرب العاصمة الجزائرية، كما يتم دمج القياديين الشباب في الصف القيادي الأول للحزب، وتكليف مجموعة من الشباب برئاسة مكاتب الحزب في الولايات".

إضافة إلى هذه التجارب التقدمية والرائدة للأحزاب الجزائرية في تأهيل قيادات المستقبل وتهيئتها لحمل المشعل وخوض غمار العمل والمناكفة السياسية، تملك أحزاب أخرى تجارب مختلفة، كحزب العمال اليساري، الذي أنشأ "منظمة شباب من أجل الثورة"، حيث يساهم شباب المنظمة في حملات التعبئة العمالية التي يقوم بها الحزب. كما أسّست جبهة العدالة والتنمية (إسلامية)، قبل فترة قصيرة، إطاراً شبابياً للقيادات الشابة باسم "شعلة"، حاول التجمع الوطني الديمقراطي الاعتماد على تنظيم طلابي، كهيكل لاستقطاب الإطارات. من جهتها، لم تنجح أحزاب السلطة، خصوصاً جبهة التحرير الوطني، في الحفاظ على محاضن تكوين سياسي كانت تتبع لها، كاتحاد الشبيبة.

يلاحظ الكاتب المتابع للحركة الحزبية في الجزائر عبد الحميد عثماني أن تجارب التكوين القيادي ما زالت تتركز بشكل خاص لدى كتلة معينة من الأحزاب السياسية. ويقول عثماني في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من أهمية التوريث القيادي والتنشئة السياسية والتكوينية للموارد الشبابية للأحزاب، فإن أغلب الأحزاب الجزائرية لا تولي ذلك أهمية على أجندتها التنظيمية، وهذا من أوجه أزمة المنظومة الحزبية في الجزائر، بسبب غياب رؤية استشرافية تجاه المستقبل".

ويعتبر عثماني أن "الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو لدى بعض المكونات الرئيسية ضمن الطيف الوطني والإسلامي والعلماني (الديمقراطي) باعتبارها أحزاباً تقوم على العقيدة الأيديولوجية، لذلك فهي تهتم بمرافقة الأطر الشبابية من خلال أجهزة تدريب وآليات تكوين مفتوحة طيلة السنة على شكل ندوات ومخيمات شبابية وبعضها يتم في الخارج في إطار فضاءات دولية تستفيد من تجارب الأقطار الأخرى".

ويلفت الكاتب إلى أن هذه الأحزاب على قلّتها "لها روافد طلابية وشبابية مستقلة تنظيمياً تنشط في الأوساط الجامعية والمجتمعية، ما يساهم أيضاً بفاعلية في تنشئة كوادرها الناشئة بصفة عملية في الميدان". ولذلك برأيه، فإن "عناصر هذه الأحزاب التمثيلية في المجالس المنتخبة والأطقم الحكومية، أغلبها من مخرجات العمل الطلابي الشبابي ولها حضور بارز ضمن هياكلها القيادية".

المساهمون