موجة الانقلابات غربي أفريقيا: الإرهاب المستفيد الأول

موجة الانقلابات غربي أفريقيا: الإرهاب المستفيد الأول

16 ديسمبر 2023
جنديان فرنسيان في نيامي بالنيجر، مايو الماضي (آلان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت منطقة غرب أفريقيا خلال العام الحالي سلسلة من الأحداث والتطورات التي أثّرت بشكل كبير على دول المنطقة وأنظمة الحكم فيها، وزادت من خطورة الوضع الأمني، لا سيما في المناطق النائية، مع مواصلة مسلسل الانقلابات أحداثه وفصوله بالمنطقة محدثاً "حزام انقلابات" كما سماه مراقبون، بعد أن شهدت المنطقة أكبر عدد من الانقلابات في العالم خلال العام الحالي.

ومع توالي الانقلابات، ارتفعت حدة الرفض إزاء الوجود الفرنسي بالمنطقة وانتقلت هذه "العدوى" من بلد إلى آخر، ومعها توالى مشهد حزم القوات الفرنسية حقائبها من دول غرب أفريقيا عائدة إلى قواعدها الأصلية البعيدة عن القارة الأفريقية. في المقابل، تمدد الوجود الروسي مع ارتفاع شعبية مجموعة "فاغنر"، التي حققت نتائج مهمة في إطار استراتيجيتها غربي أفريقيا.

وخلال العام الحالي تصاعدت هجمات التنظيمات المسلحة لا سيما "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، خصوصاً في منطقة الحدود التي تجمع النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وتهجير الآلاف من قراهم في شمال بوركينا فاسو وغرب النيجر وشمال وشرق مالي.

وعلى الرغم من كثرة استراتيجيات محاربة الإرهاب وتعدد المتدخلين في منطقة غرب أفريقيا، كقوة "برخان" الفرنسية والقوة الأوروبية والبعثة الأممية وقوات مجموعة الساحل الخمس، إلا أنها فشلت في احتواء تقدم المجموعات المسلحة بشكل كبير في الساحل الأفريقي.

الانقلابات... كرة ثلج

من أكثر البلدان الأفريقية التي عانت من تردي الأوضاع الأمنية تلك التي شهدت انقلابات عسكرية وصراعات على السلطة، أثرت بشكل سلبي على الاستقرار السياسي وعلى أداء ووظيفة الأجهزة الأمنية والعسكرية.

وعلى الرغم من أن الانقلابات تركزت في منطقة غرب أفريقيا، فقد امتد تأثيرها إلى مناطق أخرى في القارة، إذ شهدت دول أخرى مجاورة اضطرابات أمنية ومحاولات انقلاب عسكري، فيما تأثرت أخرى بالأوضاع على حدودها واستقبلت حركات نزوح كبيرة للاجئين فارين من بلدانهم.


أيدا أحمد: الانقلابات العسكرية أضرب بالديمقراطية في بلدان الجوار

حول مجريات الأحداث في الغرب الأفريقي، قال الباحث السياسي المالي، أيدا أحمد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن جميع دول الساحل الأفريقي واجهت تحديات صعبة، ناتجة من موجة الانقلابات، ولم يقتصر الأمر فقط على الحكومات الانتقالية، التي تشكلت بعد الانقلابات العسكرية أو بعد فترة من سيطرة وضع سياسي مضطرب وانعدام الأمن في مناطق واسعة من البلاد.

ولفت أحمد إلى أن تأثير الانقلابات العسكرية لم يقتصر فقط على تغيير الخريطة السياسية للبلدان التي شهدت انقلابات، بل جرى أيضاً على تسيير الحكم في البلدان الأخرى، إذ إنه أثر على تعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد.

وأوضح أنه "تم تأجيل الانتخابات وإلغاء جلسات الحوار الوطني في عدة دول، وتوقف تطور وتسيير الفترة الانتقالية في دول أخرى، كما أصبح التغيير بالقوة هو الأمل لدى الكثير من الشباب الحالم بالسلطة وبمستقبل أفضل في أفريقيا".

وأشار أحمد إلى أن "مالي ما زالت مترددة في قرار إجراء انتخابات رئاسية، فيما الأزمة في النيجر وبوركينا فاسو تراوح مكانها، ولم تنجح تشاد وغينيا في رسم معالم الفترة الانتقالية بسلاسة ولا زالت تتخبط في الحل... كما أن التغيير بقوة السلاح أضعف إلى حد كبير سلطة الدولة ومدى القناعة بالمؤسسات الديمقراطية".

وأكد الباحث تأثير الانقلابات العسكرية بغرب أفريقيا على تمدد ونشاط الجماعات المسلحة، خصوصاً ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" والجماعات المرتبطة بـ"القاعدة"، ومجموعة "دعم الإسلام والمسلمين" و"كتيبة ماسينا".

الإرهاب المستفيد الأول

يبدو أن الجماعات المسلحة هي أكثر مستفيد من توالي الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا، لأنها تسيطر بشكل كبير على منطقة "الحدود الثلاث" عند تخوم النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وتقوم بهجمات منتظمة ومتوالية على المدنيين في القرى، الرافضين للتعاون معها.

كما أنها ما زالت قادرة على إغراء الشباب للانضمام إلى صفوفها، مستغلة التوترات والصراعات الإثنية والعشائرية التي أحيتها الانقلابات. وتواجه منطقة الحدود الثلاث بين هذه الدول أكثر الهجمات دموية، كما أن التعزيزات العسكرية والأمنية لا تصل إلى المنطقة بعد كل هجوم، خصوصاً إثر الانقلابات.

وأوضح الباحث الموريتاني المتخصص في الحركات المسلحة في الساحل، محمد سعيد أحمدو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هجمات الجماعات المسلحة في هذه المنطقة أصبحت أكثر عنفاً ودموية مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق، إذ يرتكب المسلحون أسوأ المذابح في حق المدنيين من دون أن يعلم عنهم أحد، فينهبون السيارات العائدة من الأسواق الأسبوعية ويقتلون السكان ويحرقون الحقول ومخازن الحبوب، حتى من يقبل التعاون معهم يفرضون عليه جباية الضرائب على شكل زكاة أموال.


محمد سعيد أحمدو: توالي الانقلابات أكسب الجماعات المسلحة المصداقية التي خسرتها الدولة

وأشار أحمدو إلى أنه أصبح للجماعات المسلحة أسلوب عمل خاص بعد الانقلابات، مستغلة انشغال مؤسسات الدولة بترتيب أوضاعها بعد كل انقلاب. وقال: "هناك عمليات قتل متواصلة للمدنيين في المنطقة، وكلما شعرت الجماعات المسلحة أن هناك مقاومة شعبية لمشروعها، شنّت عمليات واسعة النطاق وارتكبت مذابح بحق المدنيين المتروكين لمصيرهم من قبل الدولة والمجتمعات الغائبة وغير المهتمة بما يعانون".

ولفت أحمدو إلى أن استخدام العنف أصبح هو القاعدة لتسوية النزاعات المجتمعية، إذ إن توالي الانقلابات والصراعات على السلطة تسبب في تقويض الوساطات العرفية، بل أكسب الجماعات المسلحة المصداقية التي خسرتها الدولة.

رحيل فرنسا وتفكك مجموعة الساحل

تسبب توتر الأوضاع الأمنية والتغييرات التي جاءت بها الانقلابات في خروج القوات الفرنسية تباعاً من دول الساحل، فبعد مالي جاء الدور هذا العام على القوات الفرنسية المتمركزة في النيجر وبوركينا فاسو.

وكانت فرنسا قد تدخلت عسكرياً في شمال مالي في يناير/كانون الثاني 2013، بهدف "طرد الجماعات الإرهابية"، وحققت نجاحاً محدوداً لأن العنف تضاعف بعد عامين من تدخلها، وارتفع معه عدد القتلى المدنيين والعسكريين وكذلك أعداد النازحين.

فالجماعات المسلحة التي كان الجيش الفرنسي يحاربها، والتي لم تكن تسيطر إلا على بعض المدن في شمال مالي عام 2013، وسّعت نفوذها إلى وسط مالي وشمال بوركينا فاسو وشمال غربي النيجر، وأصبحت تهدد البلدان الساحلية في غرب أفريقيا مثل بنين وساحل العاج.

كما تسببت الانقلابات وما حملته من تغيرات على قمة هرم السلطة في خروج البعثة الأممية من مالي، إضافة إلى خروج كل من مالي والنيجر وتشاد من مجموعة دول الساحل الخمس التي كانت تحارب التنظيمات المسلحة في غرب أفريقيا.

وتعد "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما) من أكبر البعثات الأممية وتضم أكثر من 13 ألف عنصر، وهي من أخطر مهام الأمم المتحدة حتى الآن، إذ قتل 180 جندياً منذ بدء العملية عام 2013 إلى جانب إصابة العديد من الجنود بجروح خطيرة خلال تلك الفترة.

أما مجموعة دول الخمس في الساحل الأفريقي، فقد تأسست في فبراير/شباط 2014، وأنشأت المجموعة عام 2017 قوة عسكرية خاصة بها، تقوم بعمليات محدودة على الحدود بين بلدان المجموعة، وكانت تأمل في الحصول على دعم كبير من الدول الأوروبية لاستعادة الزخم في معركة طال أمدها مع المتشددين.