مصر: خطط للتوسع في الصناديق الخاصة

مصر: خطط للتوسع في الصناديق الخاصة

15 يناير 2023
معظم حصيلة الضرائب جاء من الدخل والقيمة المضافة (Getty)
+ الخط -

فيما لا يزال الجدل مستمراً بشأن مشروع صندوق قناة السويس، الذي وافق عليه مجلس النواب المصري بصورة مبدئية أخيراً، صدرت تكليفات رئاسية، لدوائر اقتصادية وقانونية تابعة لرئاسة الجمهورية، بإعداد تصور جديد كامل للجهات الحكومية الخاضعة للموازنة العامة للدولة، والتي تمتلك موارد مالية ضخمة، وبحث إمكانية إنشاء صناديق خاصة بتلك الجهات.

وتحدثت مصادر برلمانية من توجهات مختلفة، لـ"العربي الجديد"، عن إشارات صدرت من جهات وصفتها بـ"السيادية"، للكتلة النيابية الأكبر عدداً في مجلس النواب المصري، تضمنت ضرورة الاستعداد والتمهيد لمناقشة مشاريع قوانين جديدة، تسمح بتأسيس هذه الصناديق التي يجرى العمل على تنفيذها، وتهيئة الكوادر الحزبية في محافظات مصر المختلفة، للحديث حول الفكرة، وإقناع الشرائح الشعبية المختلفة بجدواها الاقتصادية والاجتماعية.


تعكف مجموعة من القانونيين والاقتصاديين على إعداد مشروعي قانونين بإنشاء صندوقين للضرائب والجمارك

وتطابقت أحاديث البرلمانيين مع تصريحات صحافيين وإعلاميين لـ"العربي الجديد"، كشفوا عن تسريبات وصلت إلى المؤسسات الإعلامية، تؤكد المضي في هذا الاتجاه، وضرورة أن تتولى وسائل الإعلام المختلفة الترويج لفكرة الصناديق، قبل الشروع في اتخاذ الخطوات والإجراءات التشريعية التي تفضي للتنفيذ، باعتبار أن هذا ضمن "طرق مبتكرة للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد"، وأن رفضها يعني المزيد من حدوث تأثيرات سلبية على المواطنين أكثر فداحة من الوضع الحالي.

الهدف تمكين الرئيس من التصرف بموارد الدولة

وقال قيادي في أحد الأحزاب، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "التوسع في إنشاء الصناديق الخاصة هدفه الأساسي تمكين رئيس الدولة من التصرف بحرية في إدارة موارد الدولة، بما يخدم السياسات التي يعتقد أنها الأصلح".

وأوضح أن "شروط صندوق النقد الدولي التي وافقت مصر عليها تتضمن شرطاً بعدم الإنفاق من موازنة الدولة على المشروعات الكبرى، مثل المدن الجديدة والطرق والجسور التي بلا عائد، ولذلك لجأت الدولة إلى فكرة الصناديق الخاصة للإنفاق منها دون حسيب ولا رقيب".

وأضاف المصدر أن الانفراد بالقرار، في ما يتعلق بالسياسات العامة، من شأنه أن يهدد كيان الدولة ذاته، ويمتد أثره إلى ما هو أبعد من "الأزمة الاقتصادية" التي تمس حياة المواطنين، بل إنه يهدد الأمن القومي للبلاد.

وأكد المصدر أن "إهدار موارد الدولة بهذه الطريقة الممنهجة، والتوسع الرهيب في سياسة الاقتراض الخارجي، من الممكن أن يؤديا إلى رهن مستقبل البلاد لصالح المؤسسات النقدية الدولية، التي تخضع بطبيعة الحال إلى الدول العظمى، وبالتالي يصبح القرار السياسي المصري في قبضة قوى خارجية تسعى لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها على حساب المصالح المصرية". 

وأوضح أن هذا الأمر "اتضح سابقاً في تعامل النظام المصري مع قضية مياه النيل التي تمثل جوهر الأمن القومي المصري، وفشله في الدفاع عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وبعدها قضية جزيرتي تيران وصنافير، التي تنازل فيها النظام أيضاً عن مصالح البلاد واعتبارات الأمن القومي".

إعداد مشروعي قانونين بإنشاء صندوقين

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنه وفقاً لتوجيهات رئاسية، تعكف مجموعة من القانونيين والاقتصاديين، على إعداد مشروعي قانونين، بإنشاء صندوقين، أحدهما يتبع مصلحة الضرائب، والآخر مصلحة الجمارك على الواردات، باعتبارهما من الهيئات صاحبة الموارد المالية الكبيرة، والتي يمكن اقتطاع جزء من مواردها لتمويل الصندوقين، حيث تشكل الضرائب 75% من الموازنة العامة للدولة.

وتشير أحدث بيانات وزارة المالية إلى ارتفاع الإيرادات إلى 161.7 مليار جنيه، (الدولار يساوي نحو 30 جنيهاً) بزيادة قدرها 15.4% خلال الشهر الأول من العام المالي الحالي 2022-2023، بدعم من زيادة حصيلة الضرائب التي استحوذت على 82.7% من الإيرادات العامة للدولة.

ووفقاً للمؤشرات المالية الصادرة عن وزارة المالية، فقد سجلت الحصيلة الضريبية 133.7 مليار جنيه، بزيادة نسبتها %21.7، جاءت معظمها من زيادة حصيلة الضرائب على الدخل والقيمة المضافة والممتلكات ثم الجمارك.

والثلاثاء الماضي، كشف صندوق النقد الدولي أن مصر "تستهدف رفع نسبة حصيلة الضرائب إلى 15% من الناتج الإجمالي". وذكر أن السلطات المصرية "تخطط لتحديد تدابير السياسة الضريبية التي سيجرى تنفيذها في السنة المالية 2023-2024، لضمان زيادة قدرها 0.3 نقطة مئوية في نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي". 

وأضاف أن "تدابير السياسة الضريبية وإدارة الإيرادات المستندة إلى استراتيجية الإيرادات متوسطة الأجل المعتمدة تهدف إلى زيادة نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطتين مئويتين على المدى المتوسط (من نحو 12.9% إلى 15%)".

تحذير من التوسع بالصناديق الخاصة

في مقابل ذلك، حذر خبير اقتصادي، يتولى موقعاً قيادياً بأحد أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، من خطوة التوسع في الصناديق الخاصة، وبالتحديد في الهيئات والجهات التي تمثل الممول الرئيسي للموازنة العامة للدولة، خاصة في ظل ضعف الرقابة على تلك الصناديق.

وأوضح الاقتصادي الحزبي أن "الهدف من التوسع في سياسة الصناديق الخاصة هو استنساخ تجربة صندوق "تحيا مصر"، الخاضع مباشرة لإشراف الرئيس عبد الفتاح السيسي بعيداً عن أي جهات رقابية".

من جهته، حذر برلماني مصري، طلب عدم كشف اسمه، عن وجه آخر من أوجه إضعاف مدخلات الموازنة العامة للدولة. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "التوسع في تأسيس الصناديق الخاصة من أموال الجهات صاحبة الإسهام الأكبر في الموازنة العامة للدولة، قد يستتبعه التوسع في فرض الضرائب، باعتبارها الوسيلة الأكثر جدوى في تحصيل الأموال، لتعويض العجز الذي ستخلفه تلك الصناديق".

تركيز الصلاحيات بيد الرئيس

وأوضح البرلماني أن "هناك وجهاً آخر، يتعلق بتركيز كافة الصلاحيات والسلطات، سواء السياسية والمالية، في أيدي رئيس الدولة، الذي لا يستطيع حتى أي من مساعديه أو الدائرة المقربة منه إبداء أي ملاحظات سلبية تخالف خططه وأفكاره".


برلماني مصري: التوسع في تأسيس الصناديق الخاصة قد يستتبعه التوسع في فرض الضرائب

وتابع: "تلك الإدارة الأحادية للدولة هي التي قادت الأمور إلى الوضع المتردي حالياً، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي"، مضيفاً: "على سبيل المثال، الحوار الوطني، الذي أطلقت دعوته في إبريل/نيسان العام الماضي، كان مقرراً له أن يضع توصيات سياسية واقتصادية عاجلة للتعامل مع الأزمة الراهنة قبل تفاقمها، إلا أن النوايا من البداية كانت تحويل تلك الخطوة إلى شكلية فقط، عبر إدخالها في نفق الخطوات الإجرائية وتشكيل اللجان المنبثقة".

من جهته، قال سياسي حزبي محسوب على الحركة المدنية، ويشارك في الحوار الوطني، إنه "عند بدء الحوار الفعلي، حتماً سيتم نقل مخاوف الشارع، ولن يقف عند تعديل بعض التشريعات التي تعوق الحياة السياسية فقط". 

وأكد أن "التعديلات الاقتصادية هي صاحبة الأولوية في الوقت الراهن، خاصة ما يتعلق بالتأثير المباشر على الحياة العامة". وشدد على أن الحركة المدنية "بصدد إعداد تصور خاص بشأن رفض فكرة إنشاء صناديق خاصة، بما فيها صندوق قناة السويس، الذي وافق عليه مجلس النواب بصورة مبدئية".