مشاورات صعبة لتشكيل حكومة العراق: تحرُّك الصدريين أبرز الهواجس

مشاورات صعبة لتشكيل حكومة العراق التاسعة: تحرُّك الصدريين أبرز الهواجس

15 أكتوبر 2022
لم يختلف خطاب السوداني عن سابقيه (Getty)
+ الخط -

بتكليف مرشح تحالف "الإطار التنسيقي" في العراق محمد شياع السوداني تشكيل تاسع الحكومات منذ الغزو الأميركي عام 2003، بعد جلسة برلمان ماراثونية استمرت أكثر من 7 ساعات أول من أمس الخميس، انتخب فيها القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني عبد اللطيف رشيد رئيساً جديداً للبلاد، يكون العراق قد تجاوز نظرياً واحدة من أقسى أزماته السياسية.

وكانت الأزمة انحرفت في الأشهر الأخيرة نحو الشارع واستعمال السلاح بين قوى "الإطار التنسيقي" والتيار الصدري، فيما يسود ترقب من ناحية ردة الفعل التي يتوقع منه أن يتخذها بعد التطورات السياسية المتسارعة.

شكل "الإطار التنسيقي" لجنة مصغرة لدعم تحرك السوداني باتجاه باقي الكتل السياسية

وكان السوداني أعلن، عبر خطاب موجه للعراقيين عقب تكليفه، عزمه "إعادة هيبة الدولة"، إلى جانب حديثه عن معالجة الفقر والبطالة والتضخم والانفلات الأمني وتراجع الواقع التعليمي والصحي وانعدام الخدمات في البلاد. إلا أن خطابه لم يأتِ مختلفاً عن خطابات رؤساء الحكومات السابقين في ما يتعلق بالكشف عن ملامح برنامجه الحكومي الجديد، خصوصاً أن العراق ما زال يعاني من المشاكل ذاتها منذ نحو 19 سنة.

وأبلغ قيادي بارز في "الإطار التنسيقي" القريب من طهران، "العربي الجديد"، أن "التحالف شكّل لجنة مصغرة لدعم تحرك رئيس الوزراء المكلف باتجاه باقي الكتل السياسية، السنية والكردية منها على وجه التحديد، لبحث تقديم مرشحيهم لشغل الحقائب الوزارية الخاصة بكل كتلة وفقاً لعدد مقاعدها في البرلمان". 

وأضاف القيادي، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "مهمة إقناع السيد الصدر (زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر) بمسألة تشكيل الحكومة الجديدة وعدم مواجهتها أو قيادة حراك شعبي ضدها، ستكون على عاتق قيادات الإطار التنسيقي".

عرض عدة وزارات على التيار الصدري

إلا أن القيادي لم يستبعد تدخل الإيرانيين مرة أخرى، قائلاً إن "الضغط لتجاوز الأزمة الحالية مهم جداً، ويستدعي تدخل الأطراف الصديقة في إيران أو غيرها، مع عرض عدة وزارات على التيار الصدري، وضمن استحقاقه الانتخابي قبل انسحابه، وهو 73 نائبا، لكن قبول الصدر بهذا العرض مستبعد". 

وحول غياب الحديث عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال عام أو أكثر خلال اليومين الماضيين، قال القيادي إن "الإطار التنسيقي سيعرض، من جملة بنود التهدئة مع الصدريين، موعداً لانتخابات جديدة، لكن يجب أن يسبق ذلك تعديل قانون الانتخابات الحالي، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة، وهو ما سيأخذ وقتاً لا يمكن توقعه بأقل من عام واحد".

العُقد تكمن في توزيع الوزارات السيادية

وأشار القيادي البارز في "الإطار التنسيقي" إلى أن "العُقد الأبرز تكمن في توزيع الوزارات السيادية (الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والنفط والتخطيط)، وهي مشاكل تتجدد بين الكتل مع تشكيل كل حكومة، والانقسامات قد تحصل على مستوى التحالف الواحد خلال فترة الشهر من عمر تشكيل حكومة السوداني، بسبب الخلافات على توزيع الحقائب".

وقال إن "حكومة السوداني توافقية تخصصية، بمعنى أن الكتل السياسية تسمي مرشحيها لشغل الحقائب الوزارية، ضمن معايير وشروط السوداني، ومنها التخصص بنفس الوزارة التي سيشغلها، وأنه لم تتم تجربته سابقاً، كما أنه لا يواجه أي اتهامات بالفساد، ولديه خبرة واسعة في مجال عمله".


سيعرض الإطار التنسيقي من جملة بنود التهدئة مع الصدريين موعداً لانتخابات جديدة

"الإطار التنسيقي"، الذي بات رسمياً الكتلة الأكبر في البرلمان بواقع 134 من أصل 329 نائباً مستفيداً من انسحاب الصدريين (73 نائباً) وذهاب أكثر من 65 مقعداً لخصومه في "الإطار"، وفقاً لمبدأ التعويض بالدوائر الانتخابية، سيتحمل مسؤولية فشل أو نجاح الحكومة، وفقاً لمحمد الموسوي، العضو في تحالف "الفتح"، وهو أحد أطراف "الإطار".

توافق مبدئي على انتخابات نهاية العام المقبل

وأكد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، وجود توافق مبدئي على الذهاب إلى انتخابات مبكرة نهاية العام المقبل. وأضاف أن "الانتخابات المبكرة السبيل الوحيد للمضي بهذه الحكومة، لأن التيار الصدري والمدنيين من حراك تشرين (أكتوبر/تشرين الأول) وغيره، قد يتحركون ضدها كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي". 

لكن الموسوي أشار إلى أن "الانتخابات المبكرة يجب أن تسبقها عدة اشتراطات، أبرزها تعديل قانون الانتخابات وتغيير المفوضية الحالية، وإقرار تعديل بعض بنود الدستور التي تسبب مشاكل كل 4 سنوات للعراق". واستبعد قيام الحكومة الجديدة بأي تغيير في سياسة العراق الحالية مع محيطه العربي أو الدولي.

وقال النائب حسن البهادلي، عضو تحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إن أمام السوداني "شوطاً طويلاً من أجل إكمال الكابينة الحكومية"، مضيفاً، في تصريح، أن "إرضاء جميع الكتل السياسية صعب، وستظهر خلافات في الأيام المقبلة".

موقف الصدر غير معروف بعد

في المقابل، أكد الناشط في التيار الصدري محمد الدراجي، لـ"العربي الجديد"، أن موقف زعيمه مقتدى الصدر "ما زال غير معروف حتى من قبل قيادات التيار نفسه". 

واعتبر أن "ما حدث يوم الخميس (الماضي) هو عودة لمبدأ المحاصصة الطائفية، وتكرار فشل 8 حكومات سابقة كانت مبنية على منح الوزارات بحسب الطائفة"، مؤكداً عدم وجود أي مؤشرات تتعلق بالتحرك ضد الحكومة الحالية. 

إلا أن ناشطين ومراقبين سياسيين يتوقعون أن يكون يوم الـ25 من الشهر الحالي، وهو موعد مقرر لـ"حراك تشرين" المدني في بغداد وجنوب العراق للخروج بتظاهرات جديدة، فرصة للصدريين لتحريك جمهورهم وتقديم رسائل سياسية جديدة.

بدوره، قال نائب رئيس البرلمان العراقي شاخوان عبد الله، في تصريحات لمحطة تلفزيون كردية أمس الجمعة، إن "اتفاق تشكيل الحكومة هذه المرة ليس كسابقاته"، مبيناً أن "التغيير الذي حصل هو إقرار السوداني بأخطاء أسلافه ورغبته بتصحيح إدارة الحكم".

أحمد النعيمي: وساطة إيرانية لإقناع الصدر بالقبول بمبادرة الانتخابات المبكرة
 

وأكد أن هناك شروطاً على برنامج عمل الحكومة التي يعمل محمد شياع السوداني على تشكيلها، يتضمن "حصر السلاح بيد الدولة، والعمل على تحسين العلاقات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وتعزيز علاقات العراق الإقليمية والدولية على أسس صحيحة وليست مزاجية، وملفات أخرى مثل قانون النفط والغاز العالق بين بغداد وأربيل، والمناطق المتنازع عليها وتطبيع الأوضاع في كركوك، وإجراء انتخابات مجالس المحافظات".

واعتبر الباحث والخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي أن الجانب الإيجابي المتحقق في العراق، عبر اختيار رئيس جديد للبلاد وتكليف رئيس وزراء، يبقى مرهوناً في رد فعل الصدريين وعدم العودة إلى الشارع مرة أخرى.

تسليم الصدر بخسارته غير مضمون

وأضاف النعيمي، لـ"العربي الجديد"، أن "فكرة تسليم الصدر بخسارته في المواجهة السياسية ضد (رئيس الوزراء الأسبق نوري) المالكي و(زعيم عصائب أهل الحق قيس) الخزعلي بشكل شخصي، وقبوله الإقصاء رغم فوزه بالانتخابات، تبقى غير مضمونة. لذلك، فإن وجود الوساطة الإيرانية في الفترة المقبلة سيكون لغرض إقناعه بالقبول بمبادرة الانتخابات القريبة المبكرة، وعدم المساس بالمحسوبين على الصدر في المفاصل الحكومية". 

واعتبر أن "إصرار الإطار التنسيقي على تكليف السوداني، رغم رفض الصدر له ببيان صريح في العام 2019 ثم العام الحالي مع ترشيحه للمنصب مرة ثانية، يؤكد أن ثمة ضغوطا كبيرة على الصدر، خصوصاً بعد المواجهات المسلحة في بغداد والبصرة، وموقفه المفاجئ بالتبرؤ منها وسحب أنصاره".

المساهمون