مرض القضاء في تونس

مرض القضاء في تونس

23 نوفمبر 2020
المؤسسة القضائية مثقلة بأزمات متراكمة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لا شك في أن المؤسسة القضائية في تونس متعبة ومثقلة بأزمات تراكمت على مدى عقود، وأن وضعها اليوم زاد تعقيداً بالمشاكل القديمة التي لم تُحل، والجديدة التي تهدد صورتها بالكامل وتضرب حبل الثقة بينها وبين المواطن. القضاة التونسيون انطلقوا، يوم الاثنين الماضي، في إضراب امتد لخمسة أيام بدعوة من جمعية القضاة ونقابة القضاة، وتقرّر الجمعة، تمديد الإضراب احتجاجاً على عدم تجاوب الحكومة مع مطالبهم. من حق القضاة الذين يعملون في ظروف صعبة للغاية أن يحتجوا على أوضاعهم، وعلى حكومة لا تسمعهم، على الرغم من أنها أقرت منذ أيام إجراءات لصالحهم، لم تحصل على رضاهم بدليل قرار تمديد الإضراب.

ولكن ظروف العمل ليست وحدها ما يسبّب أزمة القضاء في تونس، وإنما هناك أيضاً مشاكل عديدة أخرى، من بينها ما برز على السطح أخيراً بين وكيل الجمهورية السابق ورئيس محكمة التعقيب، وتحوّل إلى صراع مفتوح بينهما ونشر لمراسلات داخلية تحمل اتهامات متبادلة خطيرة للغاية.

المنظمة المستقلة "أنا يقظ"، دعت المجلس الأعلى للقضاء إلى رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد، وأيضاً وكيل الجمهورية السابق في المحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي باعتبارهما "محلّ الشبهة إلى حين الانتهاء من البت في التهم الموجهة إليهما". وذكّرت أن ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وتحت قبّة مجلس النواب حول شبهات فساد وتلاعب بالملفات هي "ادعاءات خطيرة"، مشيرة بالخصوص إلى حساسية مركزهما في النظام القضائي التونسي من حيث الواقع والرمزية، وفق تعبيرها. وأكدت المنظمة أنه لا مجال لاستقلال القضاء ما دام هناك قضاة تتعلق بهم مثل هذه الشبهات وما زالوا يباشرون مهامهم من دون أي مساءلة أو محاسبة، ما من شأنه إحباط عزائم كل من يحاول الإصلاح والتأسيس لقضاء عادل.

ولكن القضاة أيضاً منقسمون، بين جمعية ونقابة، على الرغم من أن حجم الخلاف خفت في الفترة الأخيرة، وهناك صراعات كبيرة في أكثر من مستوى قضائي منذ سنوات، قد يترجم مرحلة شديدة الحساسية في نضال القضاة من أجل فرض استقلاليتهم واستقلال مرفقهم عن التدخل السياسي الذي سيصعّب عليهم المهمة من دون شك، فالجميع ومن كل التيارات لا يترك فرصة لضرب القضاء إذا ما تعلق الأمر بملف يهمه، مع أننا جميعاً خاسرون إذا لم نسهم في استقلال هذه السلطة، وإذا مرض القضاء فلمن يلجأ الناس وبمن يستجيرون؟

المساهمون