كيف خطط قائد "القسام" محمد الضيف للهجوم على إسرائيل؟

11 أكتوبر 2023
قصف إسرائيلي متواصل على غزة وصواريخ حماس تمطر المستوطنات (أسوشييتد برس/ الأناضول)
+ الخط -

تصف دولة الاحتلال الإسرائيلي الهجوم المدمّر الذي أطلقته حركة حماس عليها، مطلع الأسبوع، بأنه بمثابة هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الخاصة بها، وقد أطلق القائد العسكري لـ"حماس" محمد الضيف على الهجوم الذي خطط له اسم "طوفان الأقصى".

وأعلن الضيف؛ المطلوب الأول للاحتلال، اسم العملية في تسجيل صوتي بث تزامناً مع إطلاق "حماس" آلاف الصواريخ من قطاع غزة، يوم السبت، وأشار إلى أن الهجوم يأتي رداً على "الاقتحامات" الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

ووفقاً لمصدر مقرب من "حماس" فإن الضيف بدأ التخطيط للعملية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف إسرائيلي، بعد اقتحام الاحتلال المسجد الأقصى، في مايو/ أيار 2021، الذي أثار غضب العالمين العربي والإسلامي.

وقال المصدر إن الهجوم "سببه اللقطات التي أظهرت اقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وضرب المصلين والاعتداء عليهم، وسحب الشيوخ والشباب إلى خارج المسجد... لقد أشعل هذا الغضب".

وتسبب اقتحام حرم المسجد في مواجهات بين دولة الاحتلال و"حماس" استمرت 11 يوماً.

وبعد مرور أكثر من عامين، دفع الهجوم، الذي انطلق السبت ويمثل أسوأ اختراق للدفاعات الإسرائيلية منذ الصراع العربي الإسرائيلي عام 1973، إسرائيل إلى إعلان "الحرب"، وشن هجمات انتقامية على غزة أدت إلى مقتل أكثر من 800 شخص حتى أمس الثلاثاء.

ونجا الضيف من سبع محاولات إسرائيلية لاغتياله، آخرها في عام 2021. وقلما يتحدث الضيف، ولا يظهر أبداً علنا. لذلك عندما أعلنت فضائية الأقصى التابعة لـ"حماس" أنه سيلقي كلمة يوم السبت أدرك الفلسطينيون أن الأمر جلل.

وقال الضيف في التسجيل "يا أحرار العالم، اليوم ينفجر غضب الأقصى وغضب شعبنا وأمتنا وأحرار العالم... مجاهدونا الأبرار هذا يومكم لتفهموا العدو المجرم أنه قد انتهى زمنه".

ولا تتوافر سوى ثلاث صور للضيف: إحداها وهو في العشرينات، وأخرى وهو ملثم، والثالثة لظله، وهي التي تم استخدامها عندما تم بث التسجيل.

كما أن مكانه غير معروف، إلا أنه من المرجح أن يكون موجوداً في غزة في الأنفاق المترامية تحت القطاع. واتهم مصدر أمني إسرائيلي الضيف بلعب دور مباشر في التخطيط والجوانب العملياتية للهجوم.

عقلان ومدبّر واحد

قال المصدر المقرب من "حماس" إن قرار الإعداد للهجوم تم اتخاذه بشكل مشترك بين الضيف قائد هيئة أركان كتائب القسام، ويحيى السنوار زعيم الحركة في غزة، ولكن كان من الواضح من كان العقل المدبر.

وقال المصدر "هناك عقلان، ولكن المدبر واحد"، مضيفاً أن المعلومات حول العملية لم تكن معروفة سوى لعدد قليل من قادة الحركة.

وصلت السرّية إلى حد أن إيران، وهي عدوّ لدود لإسرائيل ومصدر مهم لتمويل وتدريب وتسليح "حماس"، لم تكن تعلم سوى أن الحركة بشكل عام تخطط لعملية كبيرة بدون معرفة التوقيت أو التفاصيل، وفقاً لمصدر إقليمي مطلع بشأن تفكير حماس.

وقال المصدر الإقليمي إن طهران في حين أنها كانت على علم بالإعداد لعملية كبيرة، لم تتم مناقشتها في أي غرف عمليات مشتركة، تشمل "حماس"، والقيادة الفلسطينية، و"حزب الله" اللبناني المدعوم من طهران، وإيران. وأضاف "كانت دائرة ضيقة للغاية".

وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أمس الثلاثاء، إن طهران لا صلة لها بالهجوم على إسرائيل. وقالت واشنطن إنه على الرغم من أن طهران متواطئة في الهجوم فليس لديها معلومات مخابرات أو أدلة تشير إلى مشاركة طهران المباشرة.

وتضمنت الخطة كما تصورها الضيف جهداً طويلاً في الخداع. وجرى إيهام إسرائيل بأن "حماس"، حليفة إيران، لا تأبه بإشعال صراع بل تركز على التنمية الاقتصادية في غزة التي تسيطر عليها.

لكن بينما بدأت دولة الاحتلال في تقديم حوافز اقتصادية للعاملين في غزة، كان مقاتلو الحركة يتلقون التدريب والإعداد على مرأى من الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان، حسبما قال مصدر مقرب من "حماس".

وقال علي بركة عضو قيادة حماس في الخارج إن الإعداد للمعركة استمر عامين.

وقال الضيف بصوت هادئ في تسجيله إن حماس حذرت إسرائيل مراراً لوقف جرائمها بحق الفلسطينيين، وإطلاق سراح السجناء الذين قال إنهم تعرضوا للإيذاء والتعذيب، وكذلك وقف مصادرة الأراضي الفلسطينية.

وقال "في كل يوم تقتحم قوات الاحتلال مدننا وقرانا وبلداتنا على امتداد الضفة الغربية وتعيث فيها فساداً، تقتل وتصيب وتهدم وتعتقل، حيث ارتقى المئات من الشهداء والجرحى في هذا العام جراء هذه الجرائم، وفي الوقت نفسه تصادر الآلاف من الدونمات وتقتلع أهلنا من بيوتهم وأراضيهم ومضاربهم وتبني مكانهم المستوطنات وتحمي قطعان المستوطنين وهم يعربدون ويحرقون ويسرقون".

"في الظل"

تعج الضفة الغربية بالاضطرابات منذ أكثر من عام. ويبلغ طول المنطقة نحو 100 كيلومتر، وعرضها 50 كيلومتراً، وتقع في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أن احتلتها إسرائيل عام 1967.

وقال الضيف "سبق أن حذرنا قادة الاحتلال من استمرار جرائمهم وأهبنا بقادة العالم التحرك لوضع حد لجرائم الاحتلال... فلم يستجب قادة الاحتلال ولم يتحرك قادة العالم بل ازدادت جرائم الاحتلال وتجاوزت كل الحدود".

وأضاف "في ظل الجرائم المتواصلة بحق أهلنا وشعبنا وفي ظل عربدة الاحتلال وتنكره للقوانين والقرارات الدولية وفي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت الدولي فقد قررنا أن نضع حدا لكل ذلك".

من يكون محمد الضيف؟

ولد الضيف باسم محمد المصري عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين، الذي أنشئ بعد حرب عام 1948، واشتهر باسم محمد الضيف بعد انضمامه إلى "حماس" خلال الانتفاضة الأولى، أو الانتفاضة الفلسطينية، التي بدأت عام 1987.

وقال مصدر في حماس إن إسرائيل اعتقلت الضيف عام 1989، وقضى نحو 16 شهراً في الأسر.

وحصل الضيف على شهادة في العلوم من الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء. وأبدى انجذابه للفنون أيضاً، إذ ترأس لجنة الترفيه بالجامعة، وأدى أدواراً في أعمال كوميدية على خشبة المسرح.

وبعد ترقيه في صفوف الحركة، طوّر الضيف شبكة أنفاق للحركة وطور مهارات صنع القنابل. ويتصدر قائمة المطلوبين في إسرائيل منذ عقود، إذ يتم اعتباره شخصياً مسؤولاً عن مقتل عشرات الإسرائيليين في تفجيرات انتحارية.

وبالنسبة للضيف، كان البقاء في الظل مسألة حياة أو موت. وقالت مصادر في "حماس" إنه فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في إحدى ساقيه في واحدة من محاولات الاغتيال الإسرائيلية.

كذلك استشهدت زوجته ووليد له كان عمره سبعة أشهر فقط، وابنة في الثالثة من عمرها، في غارة جوية إسرائيلية عام 2014.

واكتسب، نظراً لنجاته من محاولات الاغتيال وقيادته الجناح العسكري لـ "حماس"، مكانة البطل الشعبي الفلسطيني. ويظهر في مقاطع الفيديو ملثماً، أو يظهر له مجرد ظل. وقال المصدر المقرب من "حماس" إن الضيف لا يستخدم التكنولوجيا الرقمية الحديثة مثل الهواتف الذكية.

وقال "إنه بعيد المنال. إنه الرجل في الظل".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون