قيس سعيّد عندما يستعيد الدعم الخارجي

قيس سعيّد عندما يستعيد الدعم الخارجي

22 ديسمبر 2021
من الواضح أن سعيّد لن يتراجع خطوة للوراء (Getty)
+ الخط -

لا تزال المعركة مفتوحة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وخصومه، المختلفين في انتماءاتهم ومواقعهم الاجتماعية ومطالبهم.

في هذا السياق، عمدت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب " إلى شكل من أشكال التصعيد. إذ لم تكتف بتنظيم تجمع جديد مناهض للرئيس يوم الجمعة الماضي، وإنما حاولت أن تحوله إلى اعتصام، كانت تأمل أن يبقى مفتوحاً إلى 14 يناير/كانون الثاني المقبل.

وكانت قيادة هذا التحرك تتوقع أن يكون هذا الموعد كافياً لإبطال الإجراءات الاستثنائية، التي أعلن عنها سعيّد يوم 25 يوليو/تموز الماضي. 

رحبت أميركا والاتحاد الأوروبي بالأجندة التي أعلن عنها سعيّد أخيراً

لكن محاولة الاعتصام فشلت، على الرغم من صمود العشرات من المعتصمين في ساحة قريبة من مبنى وزارة الداخلية، بسبب التدخل الأمني. واكتفى المعتصمون بتسجيل حلقة جديدة من هذا الاشتباك السياسي.

المواجهة بين سعيّد والمعارضين مرشحة للاستمرار

كل المؤشرات تدل على أن المواجهة بين الطرفين مرشحة لكي تستمر فترة أخرى. لكن من الواضح أن سعيّد لن يتراجع خطوة إلى الوراء. وهو ردد ذلك باستمرار. 

وما سيشجعه على التمسك بهذا الموقف التأييد المفاجئ الذي تلقاه أولاً من وزارة الخارجية الأميركية التي باركت الأجندة التي أعلن عنها أخيرا، واكتفت بالقول إنها تتطلع إلى "عملية إصلاح تشمل أصوات المجتمع المدني والسياسي المتنوع في تونس". كما أكدت واشنطن دعمها لمطالب التونسيين بـ"حكومة فعالة وديمقراطية تحمي الحقوق والحريات".

بعد ذلك مباشرة، صدر موقف شبيه للاتحاد الأوروبي، الذي رحب أيضا بالأجندة التي أعلن عنها الرئيس، واعتبرها "خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسسي والتوازن السياسي". 

كما فوجئ المراقبون بالخبر الذي أوردته المصادر التونسية الرسمية، وأكدت فيه أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو صرح بأن بلاده تدعم ما اتخذه سعيّد من إجراءات "تحفظ استقرار تونس وأمنها". وهو تصريح فاجأ العديد من الأطراف، في مقدمتها حركة النهضة. لكن للسياسات الدولية اعتباراتها.

اتساع رقعة المعارضين لسعيّد لأسباب اجتماعية

في المقابل، اتسعت رقعة المعارضين للرئيس والغاضبين لأسباب اجتماعية. فـ"تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية"، التي تضم التيار الديمقراطي، والتكتل، والجمهوري، قررت من جهتها النزول إلى الشارع رفضاً لسياسة سعيّد، ودفاعاً عن "الديمقراطية المهددة في تونس، ورفضاً لكل حكم فردي أو انفراد بالسلطة"، كما ورد في بيانها المشترك. 

كما اعتبرت أن "الرئيس سعيّد عمق الأزمة التي تمر بها البلاد بانقلابه على الدستور". لكن هذه الأحزاب لا تزال رافضة للتنسيق مع حركة النهضة، الداعمة لحراك "مواطنون ضد الانقلاب"، وذلك لاعتبارات سياسية وأيديولوجية.

لم ينجح اتحاد الشغل الغاضب حتى الآن في إجبار سعيّد على الدخول في حوار معه

أما اتحاد الشغل الغاضب، فلم ينجح حتى الآن في إجبار سعيّد على الدخول في حوار معه، على الرغم من تهديداته المتكررة. وما زاد في توتر قيادة الاتحاد، المنشور رقم 20 الذي أصدرته رئيسة الحكومة نجلاء بودن، والخاص بمنع كل الوزراء من الدخول في مفاوضات مع النقابات، إلا بعد الحصول على إذن منها. وهو قرار غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين اتحاد الشغل وكل الحكومات.

كما وضعت رئيسة الحكومة شروطاً لأي ظهور إعلامي لبقية الوزراء، وذلك حرصاً على مزيد التحكم في المعلومات الصادرة عن جهات رسمية. وتزامن ذلك مع الندوة الصحافية التي نظمتها رئاسة الجمهورية، بمعية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والتي تمت من دون حضور الصحافيين. 

وجعل هذا الأمر نقابة الصحافيين ترى في ذلك "خطراً داهماً يهدد حرية الصحافة والإعلام والتعبير، وانتهاكاً صارخاً لحق الصحافيين في الحصول على المعلومة، الذي تنتهجه رئاستا الجمهورية والحكومة".

المعارضة التونسية تواجه رئيساً صلباً

أمام هذه اللوحة المثيرة للقلق، يتبين أن المعارضة لا تزال غير قادرة على تغيير الكفة لصالحها. فهي تواجه رئيساً صلباً، لا تثنيه هذه التحركات الاحتجاجية. وهو أمر أدركته الأطراف الدولية التي شرعت في تطبيع علاقاتها مع رئيس الدولة، حيث وجدت نفسها غير مستعدة للدخول في معركة كسر عظم مع نظام متماسك إلى حد الآن، مقابل معارضة منقسمة وغير قادرة على تغيير الوجهة ميدانياً.

"لا يوجد بديل عن سعيّد". هذا ما تعتقده الأطراف الغربية، لهذا اختارت التعامل معه باتزان، بعيداً عن أي شكل من أشكال التصعيد أو الضغط. وهي تتعامل معه خطوة خطوة، وتسعى بشكل هادئ إلى أن يعدل من اختياراته خلال تنفيذ أجندته المعلنة. وتعتبر هذه السياسة انتصاراً ملحوظاً لساكن قرطاج.

في المقابل، يتصاعد القلق الاجتماعي في سياق أزمة مالية تتفاقم يوماً بعد يوم، على الرغم من القرض الجزائري. لهذا يكثر الحديث عن احتمال حصول انفجار اجتماعي خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يتوقعه عديد المسؤولين النقابيين. 

يكثر الحديث عن احتمال حصول انفجار اجتماعي خلال الأسابيع المقبلة

فما يجري في بعض الأحياء الساخنة المعروفة داخل العاصمة، أو بمحافظة القصرين، يُنذر بالخطر، حيث تتواصل الاشتباكات منذ أيام بين قوات الأمن والشبان الفقراء. وهي المحافظة التي لعبت دوراً بارزاً في الثورة.

كما أن العاطلين من العمل من أصحاب الشهادات مستمرون في تحركاتهم الغاضبة. وقبل أيام قليلة أنهى "مؤتمر الحركات الاجتماعية والمواطنية" في تونس أشغاله. وتوقع المشاركون فيه، والمنتسبون لعشرات الحركات الاحتجاجية، "استمرار الوضع المتأزم، وتصاعد الاحتجاجات والمواجهات بين السلطة الحاكمة ومختلف الحركات والمنظمات، لعدم حصول اتفاق حول برنامج التغيير المطلوب وأسلوب إجرائه".

تقارير عربية
التحديثات الحية