عبد ربه منصور هادي... عقد من حكم الرئيس اليمني الحاضر ــ الغائب

عبد ربه منصور هادي... عقد من حكم الرئيس اليمني الحاضر ــ الغائب

21 فبراير 2022
بدا هادي حريصاً على البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة (باتريك ستولارز/فرانس برس)
+ الخط -

قبل 10 أعوام، وضع اليمنيون ثقتهم في الرئيس عبد ربه منصور هادي، ليزيح عنهم ملامح 3 عقود من الحكم الاستبدادي لسلفه علي عبدالله صالح، لكن أول حاكم قادم من جنوب البلاد، لم يكن القائد المنتظر، بعد أن تحوّلت فترة حكمه إلى حقبة مظلمة ساهم فيها انقلاب الحوثيين من جهة، وسوء إدارة الدولة من جهة أخرى.

ووصل هادي إلى سدة الحكم كرئيس انتقالي لمدة عامين فقط، عقب انتخابات شكلية جرت في 21 فبراير/شباط من العام 2012، تماشياً مع المبادرة الخليجية التي تم بموجبها تنحي صالح. لكن بعد انقضاء عامين، لم تبرز أي مؤشرات لنهاية حكم هادي الذي ينعم بكثير من الاستقرار خلال فترة حكمه.

ففي مقابل 3 سنوات فقط مارس فيها مهامه من داخل القصور الرئاسية داخل الأراضي اليمنية، حكم الرئيس المولود في العام 1945 كما تقول سيرته الذاتية، قرابة 7 سنوات من المنفى.

حكم هادي اليمن قرابة 7 سنوات من المنفى

ويتخذ هادي، الذي درس العلوم العسكرية في أكاديمية ساندهيرست البريطانية الملكية عام 1966، من العاصمة السعودية الرياض مقراً مؤقتاً منذ الاجتياح الحوثي لمدينة عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد أواخر فبراير 2015، عقب نجاحه في الإفلات من العاصمة الرئيسية صنعاء بوقت قصير.

وطيلة السنوات السبع التي قضاها في المنفى، لم ينفذ الرئيس هادي سوى زيارات محدودة وقصيرة إلى عدن. وعلى الرغم من التقارير التي كانت تتهم التحالف الذي تقوده السعودية بالحيلولة دون استقرار الرئيس داخل الأراضي اليمنية لمدة طويلة، إلا أن سلطة الحكومة المعترف بها دولياً جنوباً، كانت تتلاشى بشكل تدريجي لصالح الانفصاليين، كما هو الحال في صنعاء وغالبية مدن الشمال التي باتت في قبضة الانقلابيين الحوثيين المدعومين إيرانياً.

عبد ربه منصور هادي... رئيس مكبّل

بعد 18 عاماً قضاها في منصب نائب الرئيس الظل، وجد هادي نفسه مكبلاً بجملة من التحديات مع تسلمه مقاليد حكم اليمن أواخر فبراير 2012، على الرغم من الدعم اللافت الذي تلقاه من المجتمع الدولي والأمم المتحدة مع بداية المرحلة الانتقالية المحكومة بالمبادرة الخليجية التي حلت كنظام حكم محل الدستور اليمني.

تعرضت المرحلة الانتقالية لضربات متتالية من النظام السابق، الذي بدأت نزعاته الانتقامية تتعاظم لإفشالها من خلال إشاعة أجواء الاضطرابات الأمنية والتفجيرات في العاصمة صنعاء، وخصوصاً بعد شروع الرئيس هادي في إجراء إصلاحات حقيقية على رأسها هيكلة الجيش.

وخلافاً للمؤامرات الخفية التي قادها النظام السابق ضد المرحلة الانتقالية قبل الانتقال إلى تحالف علني مع المليشيا الحوثية، إلا أن سوء إدارة حكم الرئيس هادي ساهم هو الآخر في تردي الأوضاع، وشكّلت خيبة أمل لأنصار الثورة الشعبية التي طالبت بطي صفحة الاستبداد والدولة العميقة.

خلال الفترة الممتدة من مارس/آذار 2012، وحتى الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء أواخر سبتمبر/أيلول 2014، لم يفقد اليمنيون ثقتهم بالرئيس هادي، ودائماً ما كانوا يحمّلون الإخفاقات الحاصلة لتحالف الثورة المضادة، كما هو الحال مع الناشط السياسي، صلاح أحمد غالب.

ويرى غالب، وهو ناشط في الحزب الاشتراكي اليمني بمدينة تعز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هادي "حاول أن يُحدث فرقاً من حيث السياسات التي أفضت إلى مؤتمر حوار وطني (2013-2014) ومسودة دستور، لكن قوى الثورة المضادة انقلبت على كل شيء، وجعلت الرئيس والبلاد ضحايا لها".

ويضيف "لم يكن بمقدور هادي فعل شيء، فهو لم يستلم مؤسسة عسكرية وأمنية حقيقية، بل كانت معادية له، ولم يكن لديه ثقل سياسي يسنده، فالمؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه تنصّل منه وأصبح الحزب كله مع عائلة صالح ومع الثورة المضادة".

الناشط صلاح غالب: هادي حاول أن يُحدث فرقاً، لكن قوى الثورة المضادة انقلبت على كل شيء

ولا يتفق أمجد الدبعي، وهو طالب دراسات عليا، مع غالب، ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ملامح الفشل بدأت منذ الوهلة الأولى، من خلال حرص هادي على إعادة تدوير أدوات النظام السابق، أو الاعتماد على قيادات غير جديرة بتحمل المسؤولية".

ويضيف الدبعي "الرئيس هادي يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية جراء ما وصلت إليه البلاد الآن، كنا نأمل أن ينجح على الأقل في إدارة المعركة ضد الانقلاب الحوثي بشكل جيد، أو إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي في المدن المحررة من الحوثيين، لكنه أثبت أنه غير أهلٍ للكرسي الذي يجلس عليه".

عزلة هادي وابتعاده عن الواقع

طيلة السنوات الماضية، بدا الرئيس هادي كما لو أنه حريص على البقاء على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة، حتى وإن معزولاً بشكل كلي عن الواقع الذي يعيشه اليمن؛ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. أسند هادي مقاليد الحكم، لأبنائه ودوائر مقربة.

وخلافاً لنظام الحكم عن بُعد من دون الحرص على تنفيذ ولو زيارات معنوية إلى المحافظات التي تشهد تطورات عسكرية مثل مأرب أو شبوة أخيراً، لم يظهر الرئيس كقائد أعلى لقوات مسلحة تخوض حرباً مصيرية، حتى وإن كان عبر وسائل الإعلام.

في مناسبات نادرة، كانت وسائل الإعلام الرسمية تنشر تفاصيل مكررة لمكالمات هاتفية لهادي مع محافظي المحافظات المشتعلة مثل مأرب أو شبوة، أو المضطربة مثل حضرموت وعدن، في وقت كان الشارع اليمني يتوقع أن يترأس هادي اجتماعات دائمة لمجلس الدفاع الوطني، أو يوجه خطابات دورية يدعو فيها للتعبئة العامة وحشد الإمكانيات لمواجهة الانقلاب الحوثي.

أمجد الدبعي: هادي يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية جراء ما وصلت إليه البلاد

يعزو البعض قلة الظهور العلني لهادي إلى وضعه الصحي المتدهور، فالرئيس الذي اقترب من طي عامه الـ76، يعاني من اعتلال في وظائف القلب منذ العام 2011، ويحرص على إجراء فحوصات طبية سنوية في الولايات المتحدة.

ودائماً ما يثير غياب الرئيس الطويل عن الظهور العلني في وسائل الإعلام، الكثير من التكهنات حول وضعه الصحي الحرج. والسبت الماضي، كان رئيس البرلمان الموالي للحكومة الشرعية، الشيخ سلطان البركاني، يطمئن عدداً من أبناء الجالية اليمنية في أميركا بلهجة دارجة "لا تقلوا، الرئيس يخزّن ليل نهار، ولا فيه حاجة"، في إشارة إلى أنه يتعاطى نبتة القات بشكل دائم ولا يعاني من أي عارض صحي.

إصلاحات ومجلس رئاسي يمني بدعم سعودي

ظلت "الشرعية" التي يتسلح بها الرئيس عبد ربه منصور هادي بناء على القرار الدولي 2216، عقدة رئيسة أمام كافة الرؤى والمبادرات المطروحة لحل الأزمة اليمنية. ففي مقابل رفض تام للحوثيين بالتعاطي مع أي أفكار تعترف بهادي كرئيس شرعي، دائماً ما ترتكز شروط الحكومة المعترف بها دولياً للخوض في عملية سلام، على ضرورة الاعتراف بـ"المرجعيات الثلاث"، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار 2216.

دعمت السعودية، وهي أبرز حلفاء هادي، هذه المرجعيات التي توفر لها الغطاء القانوني للتدخل العسكري في اليمن، لكن من الواضح أن الضغوط الدولية المكثفة لإنهاء الحرب، والمطالب الأممية بحوار سياسي بدون شروط مسبقة، قد أقنعت الرياض بضرورة تقديم تنازلات جادة.

سوء إدارة هادي ساهم بتردي الأوضاع وخيب أمل أنصار الثورة

منذ مطلع العام الحالي، بدا أن هناك توجهاً سعودياً لتصحيح الأداء الهش للحكومة الشرعية في كافة المجالات. وبعد قرارات شملت الإطاحة بمحافظ البنك المركزي منصر القعيطي، عقب انهيار قياسي للريال اليمني، شهدت المعركة ضد الحوثيين تحولاً لافتاً بعد استعادة 3 مديريات غربي شبوة (عسيلان، وبيحان، وعين) ومديرية جنوبي مأرب (حريب)، في عملية أسندت إلى ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً.

ويبدو أن المعالجات ستمتد إلى الجانب السياسي، إذ من المقرر أن تحتضن الرياض، الأسبوع الحالي، اجتماعاً رفيعاً يضم قادة كافة الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية المناهضة للحوثيين، مع قيادات الحكومة الشرعية، وفقاً لمصادر سياسية تحدثت لـ"العربي الجديد".

لا يُعرف بعد ماهية الأجندة المطروحة على طاولة الاجتماع الاستثنائي، لكن مصدراً مطلعاً أكد لـ"العربي الجديد"، أن الرياض توصلت إلى قناعة بضرورة تشكيل مجلس رئاسي، يتم فيه تمثيل كافة القوى الفاعلة على الأرض، بما فيها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والمكتب السياسي التابع لقوات نجل شقيق الرئيس السابق طارق صالح، فضلاً عن كافة شركاء حكومة المحاصصة.

وذكر المصدر أن المجلس "سيضع حداً للعبث الحاصل في إدارة الدولة من خلال تشارك الجميع بكافة القرارات بما فيها التعيينات بالمواقع السيادية. كما سيكون أعضاء المجلس الرئاسي ممثلين في مشاورات عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي من المقرر أن تنعقد فور انتهاء اجتماع الرياض السياسي".

الرياض توصلت إلى قناعة بضرورة تشكيل مجلس رئاسي

ولم يتسن لـ"العربي الجديد" الحصول على مزيد من التفاصيل من مصدر في الرئاسة اليمنية، بشأن ما إذا كان الرئيس هادي قد رضخ بالفعل لضغوط التحالف ووافق على صيغة المجلس الرئاسي أم لا، وكذلك حول حجم التنازلات التي سيقدمها للمجلس، والصلاحيات التي سيتخلى عنها.

ويستبعد خبراء نجاح تجربة المجلس الرئاسي، نظراً للتجارب الفاشلة طيلة العقود الماضية، إذ احتفظ الرؤساء السابقون بكافة الصلاحيات وبالتحكم في القرارات من دون التشارك مع باقي أعضاء المجلس.

من جهته، رأى الباحث والمحلل السياسي، عبد الناصر المودع، أن "هادي هو عنوان الخراب والكارثة الأصلية التي أصابت اليمن منذ 10 سنوات"، لافتاً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "إزاحة الرئيس هي الخطوة الأولى نحو استعادة الدولة، وإبقاءه بأي شكل من الأشكال يعد استمراراً لحالة الفوضى وانهيار الدولة".

وشن المودع هجوماً لاذعاً على هادي، ووصفه بأنه "الغطاء لكل مشاريع التدمير والتفكيك قبل الحرب وبعدها، إذ قام أولاً بتسليم صنعاء للحوثيين، ومن بعد ذلك شكّل غطاءً لانتهاك السيادة اليمنية".

وأضاف الباحث اليمني "هادي ليست له أي مصلحة في وقف الحرب وفي هزيمة الحوثيين وفي أي شكل آخر من أشكال التسوية السياسية في اليمن. هناك أطراف كثيرة، وربما جميعها، ترى هادي الشخص المثالي لتمرير أجندتها الحزبية والانفصالية والجهوية والتوسعية لأنه يفتقر للمسؤولية، وشخص بهكذا مواصفات خيار مثالي لقوى الداخل والدول التي تريد أن تهيمن وترهن اليمن لمصالحها".

تقارير عربية
التحديثات الحية

المساهمون