سحب القوات الأميركية من الصومال: هل تعود حركة "الشباب"؟

سحب القوات الأميركية من الصومال: هل تعود حركة "الشباب"؟

22 نوفمبر 2020
ستكون للقرار تداعيات على القوات المحلية (محمد عبد الوهاب/فرانس برس)
+ الخط -

أثار إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سحب الجنود المتواجدين في الصومال، قلقاً وهاجساً أمنياً محلياً، وذلك بعدما أكد مسؤولون في البيت الأبيض، يوم الثلاثاء الماضي، أن ترامب قد يتخذ قراراً بسحب كل هذه القوات تقريباً من الصومال، ضمن خطته لخفض عديد هذه القوات على مستوى العالم، ولا سيما في كلّ من الصومال وأفغانستان والعراق. وأكد مسؤولون أميركيون أن هذا التوجه هو من ضمن خطة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات الرئاسة أخيراً، قبل تنصيب خلفه جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.

القرار لا يشير إلى توقف الضربات الجوية الأميركية التي شلّت قوة حركة الشباب الفعلية

وأبدت مصادر عسكرية في القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) قلقها نتيجة احتمال سحب القوات الأميركية وتداعيات ذلك على الوضع في منطقة القرن الأفريقي، وخصوصاً الصومال. ويواجه هذا البلد مشاكل أمنية بسبب حركة "الشباب" المسيطرة على أجزاء شاسعة من جنوبه، إلى جانب تنظيم "داعش" في شمال شرق البلاد، حيث ينتشر في مناطق في ولاية بونتلاند، لا سيما الجبلية الوعرة منها.

ومنذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة قبل أربع سنوات، شهدت العمليات الأميركية في القرن الأفريقي تصعيداً ملحوظاً، وازدادت بشكل واضح الغارات الجوية الأميركية التي تنفذها طائرات من دون طيار، فضلاً عن عمليات عسكرية برّية بالتنسيق مع وحدات في الجيش الصومالي دُربت خصيصاً لاستهداف قيادات في حركة "الشباب". هذا الأمر ضيّق الخناق على أتباع الحركة، وقطع تنقلاتها، كما حدَّ من هجماتها العسكرية ضد بعثة قوات حفظ السلام الأفريقية ("أميسوم").
وتنتشر القوات الأميركية في أنحاء متفرقة من الصومال، خصوصاً في قاعدة بلدوجلي الجوية (إقليم شبيلي السفلي) جنوباً، وهي أكبر مقر عسكري أميركي في البلاد، وفي مدينة كسمايو (عاصمة إقليم جوبالاند)، وفي معسكر حلني (جنوب مقديشو)، بالإضافة إلى مقار مؤقتة في ولاية بونتلاند شمال شرق البلاد، لتوجيه ضربات عسكرية جوية ضد "داعش". ويتراوح عديد هذه القوات بين 650 إلى 700 جندي. وتتوزع مهام هؤلاء بين التدريبات العسكرية للجيش الصومالي وتنفيذ الهجمات العسكرية ضد أهداف معينة في الجنوب. ويرجح محللون صوماليون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، إمكانية عودة حركة "الشباب" إلى الواجهة بعد انسحاب البعثة الأميركية من الصومال.
وشهد الصومال خلال الفترة الأخيرة اهتماماً دولياً بشأن توفير التدريبات العسكرية لوحدات من الجيش الصومالي، ومن بينها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، لكن القوات الأميركية كانت تنفذ عمليات عسكرية برّية وجوية ضد أهداف محددة في جنوب البلاد. ومع إجلاء الجنود الأميركيين من الجنوب، ستحُدّ من دون شك خيارات مقديشو لمضاعفة جهودها العسكرية لمواجهة "الشباب" و"داعش".

ويرى الصحافي الصومالي عدنان عبدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يمكن أن تحفز هذه الخطوة القيادات العسكرية لحركة الشباب ومقاتليها، لمضاعفة العمليات العسكرية، لكن على الأرجح فإنها لا تضمن لهم العودة إلى الواجهة، لأن القرار لا يشير إلى توقف الضربات الجوية الأميركية التي شلّت قوة حركة الشباب الفعلية". ويوضح عبدي أن سحب البعثة العسكرية الأميركية لا يعني بالضرورة حدوث فراغ أمني يعطي مكاسب ميدانية لـ"الشباب"، بل إن هناك أكثر من 20 ألف عسكري أفريقي لحفظ السلام في الصومال، وهم نجحوا في انتزاع جميع المدن الرئيسية من يد الحركة. واستدرك الصحافي الصومالي بالقول إنه "من المتوقع رغم ذلك أن ترفع الحركة منسوب عملياتها عبر عمليات الكرّ والفر، وتكثيف استراتيجية حرب العصابات التي تتبناها حالياً، وتنفيذ هجمات إرهابية دموية في مناطق حسّاسة، قد تلفت النظر إلى أنها عادت إلى الواجهة، من دون السيطرة على مناطق وتغيير معادلة جذرية في الوضع العسكري في البلاد".

ويعتبر عبدي أن أمام بلاده خيارات عدّة في حال سحب الجنود الأميركيين من البلاد، منها رفع التعاون العسكري مع تركيا إلى مستويات جديدة لسدّ الفجوة، والبحث عن شركاء جدد على هذا الصعيد، إلى جانب البحث عن مساعدات دولية عبر إثارة هذا الملف في مجلس الأمن الدولي. وكانت بعض الدول، منها روسيا وبلجيكا، قد طالبت بزيادة الجهود الدولية لمساعدة الجيش الصومالي من أجل القضاء على "الشباب". ويرى عبدي أن لخطوة سحب الجنود الأميركيين أبعاداً سياسية وأمنية واقتصادية، كما أنها ستترك حالة من الشك والإحباط في أوساط القيادات الصومالية من أجل حسم المعركة مع الحركات المسلحة، ما سيعرقل الجهود الرامية إلى إنهاء العنف المسلح في البلاد.

أما أمنياً، فيعتبر الصحافي الصومالي أنه من الممكن أن تتراجع وتيرة العمليات النوعية التي كانت تنفذها القوات الصومالية الخاصة المدربة أميركياً، والتي كانت تستهدف قيادات حركة "الشباب"، بسبب غياب الدعم اللوجستي والمالي للقوات الصومالية. ويؤكد عبدي أن الحكومة الصومالية ستعاني من تأثير هذا القرار، ما يفرض بحث أنسب الخيارات لسدّ الفجوة التي سيتركها، ومن ثم الحفاظ على تماسك وحدة القوات الصومالية الخاصة التي كانت تدار تمويلاً وتدريباً من قبل واشنطن، وكذلك البحث في مواصلة كفاحها العسكري ضد التنظيمات المتطرفة.

خلافات بين الحكومة الصومالية والولايات المتحدة بشأن إدارة ملف القوات الصومالية التي تدربها البعثة الأميركية

من جهته، يقول الخبير العسكري المتقاعد شريف حسين، لـ"العربي الجديد"، إن سحب القوات الأميركية من البلاد، بكل تأكيد، هو مبعث قلق بالنسبة للحكومة الصومالية، التي ستفقد قوة عسكرية جوية مساندة كانت تضرب "الشباب" وتمنع هجماتها الدموية. ويشير الخبير العسكري إلى أن القرار الأميركي له اعتبارات سياسية خارجية، ويخضع للحسابات الأميركية قبل نهاية ولاية ترامب، الذي كان يضغط عسكرياً بشدة على الحركات الراديكالية في العالم. ويوضح حسين أن الضربات الأميركية ضد "الشباب" كانت خطة أميركية بتنسيق مشترك مع الحكومة الصومالية، التي لم يكن لها دور فعلي في القضاء على الحركة حتى الآن. ويتوقع الخبير العسكري إمكانية أن تكثف حركة "الشباب" هجماتها ضد الحكومة الصومالية، لتعكس عودة نفوذها العسكري والميداني إلى الواجهة، لافتاً إلى أن الضربات الجوية التي استمرت 3 سنوات دمرت الكثير من معاقل الحركة، كما منعت حرية تنقلات أفرادها من منطقة لأخرى.

أما الباحث السياسي عبد الرحمن أحمد، فيعتبر من جهته في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن إمكانية عودة "الشباب" إلى صدارة المشهد السياسي والعسكري في البلاد ضرب من المستحيل، وذلك بسبب وجود قوة عسكرية أفريقية، لها القدرة على منع تقدم الحركة عسكرياً وميدانياً. لكن الباحث السياسي يؤكد أنه سيكون للقرار الأميركي من دون شك تأثيرات على الوضع الأمني في البلاد، إذ ستتوقف التدريبات العسكرية لأفراد الجيش الصومالي، إلى جانب انتهاء التنسيق الأمني المشترك بين "أفريكوم" والجيش الصومالي، ما سينهي جزئياً الحملة الأميركية للقضاء على "الشباب" والحد من مخاطرها في القرن الأفريقي.
ويرى أحمد كذلك أن قرار واشنطن سحب بعثتها الأميركية من الصومال يعود لسببين، أولهما وجود رغبة أميركية في تخفيض أعداد جنودها في الخارج، وثانيهما وجود خلافات بين الحكومة الصومالية من جهة والولايات المتحدة بشأن إدارة ملف القوات الصومالية التي تدربها البعثة الأميركية جنوب البلاد، وهو ما أوقف المعونات المالية الأميركية للجيش الصومالي بشكل مؤقت. ويؤكد أحمد أن الجيش الصومالي لا يستطيع وحده حسم المواجهات العسكرية مع "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، بسبب عدم توفر الإمكانات العسكرية لحسم المواجهة، وذلك على الرغم من تراجع الدعم المادي للحركة من الخارج، ونضوب منابع دخلها في جنوب الصومال.