زيارة بلينكن لإثيوبيا: إصلاح العلاقات لمواجهة النفوذ الصيني والروسي

زيارة بلينكن لإثيوبيا: إصلاح العلاقات لمواجهة النفوذ الصيني والروسي

20 مارس 2023
بلينكن في أديس أبابا، الأربعاء الماضي (تيكسا نيغيري/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي طغت فيه التوترات على العلاقات الإثيوبية الأميركية، بعد تفجر الصراع في إقليم تيغراي، شماليّ إثيوبيا، أواخر عام 2020، جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء الماضي لأديس أبابا.

الزيارة الأولى من نوعها منذ تولي بلينكن مهامه في يناير/ كانون الثاني 2021 أعقبت تتالي الخطوات الهادفة للحفاظ على وقف القتال في الإقليم، بعد الاتفاقات الموقعة بين الحكومة المركزية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

هدف زيارة بلينكن المعلن، ترسيخ السلام وردّ الاعتبار للعلاقات الإثيوبية الأميركية، لكنها لم تخلُ من أهداف أخرى، أهمها التصدي لتعاظم الدورين الصيني والروسي في المنطقة، على حساب الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصاً أن بلينكن زار إثيوبيا والنيجر، بين يومي الثلاثاء والجمعة الماضيين.

وقال بلينكن في وزارة الخارجية الإثيوبية، الأربعاء الماضي: "إنها لحظة مهمة للغاية، لحظة أمل نظراً للسلام الذي استتبّ في الشمال". وأضاف: "يجب القيام بالكثير. الأهم على الأرجح تعميق السلام الذي يترسخ في الشمال".

وأعرب عن أمله في استئناف التعاون "مع هدف تعزيز العلاقة" مع إثيوبيا، التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، في ظل مساعي الرئيس الأميركي جو بايدن لتعميق العلاقات مع أفريقيا. لكن مساعدة وزير الخارجية من مكتب الشؤون الأفريقية التابع لوزارة الخارجية الأميركية مولي في، قالت للصحافيين إن العلاقة لم تصل بعد إلى مرحلة تسمح بـ"عودتها إلى طبيعتها".

توتر العلاقات الأميركية الإثيوبية

وساد التوتر العلاقات الأميركية الإثيوبية على خلفية النزاع العسكري في إقليم تيغراي، إثر تحالف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي للقضاء على "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي كانت الحليف الأبرز لواشنطن لمدة عقود، خصوصاً أن الجبهة كانت ضمن الائتلاف الحاكم لأديس أبابا بين عامي 1991 و2018، تاريخ انتخاب أبي، الذي كان منتمياً إلى "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" قبل تأسيسه بعد فوزه الانتخابي حزب "الازدهار".

ويقول الباحث الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد في حديث مع "العربي الجديد"، إن "واشنطن ليست في وارد التخلي عن علاقاتها مع أديس أبابا، كذلك تحتاج إثيوبيا إلى الدعم الأميركي، وهو دعم لا يمكن أن تستغني عنه أي دولة في أفريقيا. كذلك تدرك الولايات المتحدة أهمية إثيوبيا ودورها الإقليمي، وتحرص على علاقاتها بأديس أبابا، لمواجهة التمدد الصيني والروسي".


منير نور الدين: الأميركيون مهتمون بوحدة الأراضي الإثيوبية

ويلفت عبد الصمد إلى أن "أديس أبابا تسعى للاستفادة من الاهتمام الأميركي تجاه المنطقة، لتوفير دعم سياسي واقتصادي لها، كذلك تتركز سياسة أبي أحمد حالياً على موازنة أدوار كل من روسيا والصين والولايات المتحدة تجاه المنطقة، في انعكاس لحجم الدور الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي، وفاعليته في حلحلة أزمات جنوب السودان".

ويشير إلى أن "هذا الدور يتعاظم تدريجياً". أما عن أهداف زيارة بلينكن، فيرى عبد الشكور أن "واشنطن تحرص على حماية علاقاتها ومصالحها المشتركة مع أديس أبابا، بما لا يضرّ حضورها ومستقبل وجودها في المنطقة، وأن هذه العلاقات الإيجابية بين الطرفين ستستمر، بما يخدم مصالح البلدين".

وعن طبيعة العلاقات الأميركية الإثيوبية وتأثرها بالحرب في إقليم تيغراي، يرى مدير تحرير موقع "نيلوتيك بوست" (موقع مستقل)، منير نور الدين، أن "العلاقات الإثيوبية الأميركية قديمة ومتجذرة واستراتيجية، ورغم ذلك تشوبها توترات ومشاكل بين الحين والآخر، ولا يستطيع أن يستغني أحدهما عن الآخر".

ويبدي اعتقاده في حديث مع "العربي الجديد"، أن "وحدة إثيوبيا وسلامة أراضيها من أهم محددات سياسة الولايات المتحدة تجاه إثيوبيا، إذ ترى فيها لاعباً إقليمياً يسمح بالحفاظ على المصالح الأميركية الأمنية والاستراتيجية في المنطقة، ولا يمكن حصول ذلك إلا من خلال الشراكة الاستراتيجية مع إثيوبيا الموحّدة، تحكمها جهة موالية للولايات المتحدة".

ويشير نور الدين إلى أن "الفترة الماضية شهدت العلاقة بين البلدين توتراً بسبب ملفات إقليمية، كالعلاقات الإثيوبية مع الصين وروسيا، وبسبب ملفات داخلية أهمها الحرب في إقليم تيغراي التي جنحت فيها الولايات المتحدة لجبهة تيغراي، وعززت مكانتها للحفاظ عليها كلاعب سياسي في مواجهة التيارات الوحدوية المتحالفة مع أبي أحمد خلال الحرب والتي كانت ترغب في إزاحة الجبهة عن المشهد الإثيوبي".

ويؤكد نور الدين أن "الولايات المتحدة تنظر إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي كجغرافيا استراتيجية موحدة وتسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقتين، لكن المتغيرات الجيوستراتيجية لدول المنطقة لإقامة علاقات دبلوماسية وشراكة مع الصين ورغبة الأخيرة الملحّة في تعزيز وجودها في القرن الأفريقي كنقطة عبور جغرافية واستراتيجية إلى قلب أفريقيا، ستمثل تحدياً للنفوذ الأميركي في المنطقة مستقبلاً".

دور روسيا والصين

ووفق متابعين، سعت الحكومة الإثيوبية لتوسيع علاقاتها الاقتصادية والسياسية بالصين في العقد الأخير، وتتطلع إلى تطوير علاقاتها الدبلوماسية بموسكو، للاستفادة من الاهتمام الصيني والروسي تجاه المنطقة، وتصبح شريكاً موثوقاً به، ونقطة انطلاق تربط بين الصين وروسيا ببقية الدول الأفريقية، الأمر الذي يؤثر سلباً في مستقبل علاقاتها بالولايات المتحدة.

وفي السياق، يعتبر الباحث السوداني المقيم في أديس أبابا عباس صالح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "توجّه إثيوبيا نحو روسيا والصين كان تكتيكياً أكثر منه استراتيجياً، للاستفادة من دعمهما وحمايتهما في المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، كمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان، وذلك لموازنة المواقف الغربية والضغوط الناجمة عنها في بعض الملفات، كحقوق الإنسان".

ويضيف أن "الانفتاح نحو هاتين القوتين يتيح لأديس أبابا ممارسة ما يمكن أن يطلق عليه (لعبة الخيارات المفتوحة) التي تسمح لها في مساومة أو ابتزاز القوى الغربية وحملها على تخفيف ضغوطها عليها".


عبد الشكور عبد الصمد: سياسة أبي أحمد تتركز على موازنة أدوار روسيا والصين والولايات المتحدة

ويرى صالح أنه "بشكل عام لا تزال الولايات المتحدة تعتبر إثيوبيا بلداً شريكاً أساسياً بالنسبة إليها، على الرغم من تراجع قدرات الأخيرة نتيجة أوضاعها الداخلية خلال السنوات الأربع الماضية، وتعتبر واشنطن أنه يمكن أن تكون أديس أبابا حليفاً محتملاً في بيئة إقليمية تفرض عليها إيجاد حلفاء إقليميين والتعاون معهم في التصدي للتحديات والتهديدات المختلفة".

ويستدرك: "لكن التعقيدات والعوامل الكامنة وراء العلاقات بين الولايات المتحدة وإثيوبيا تشير إلى أن كليهما يحتاج إلى الآخر بتفاوت، فواشنطن تريد مساعدة أديس أبابا لتجاوز معضلاتها الداخلية، وتغدو شريكاً لها في مجالات إقليمية عدة، بينما ترى الأخيرة أن العلاقات مع واشنطن لا غنى عنها، وأنه على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر معها في العديد من القضايا الداخلية، إلا أنه لا يمكن تعويض هذه العلاقات مع قوى دولية أخرى منافسة مثل بكين وموسكو".

وتزامنت زيارة وزير الخارجية الأميركي، في وقت أجرى فيه المبعوث الخاص لشؤون القرن الأفريقي بوزارة الخارجية الصينية، شيويه بينغ زيارة لأديس أبابا.

وجدد شيويه في حوار مع الصحافيين في العاصمة الإثيوبية، الثلاثاء الماضي، التشديد على قناعة بكين، بأن "مفتاح تحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار على المدى الطويل في القرن الأفريقي، هو القضاء على الألعاب الجيوسياسية الناشئة من خارج المنطقة، والتركيز على التحديات الثلاثية للأمن والتنمية والحوكمة في المنطقة، تحت إطار مبادرة صينية (نظرة مستقبلية للسلام والتنمية في القرن الأفريقي)"، حسبما أفادت وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية.

الصراع الصيني الأميركي

وتعكس زيارة المبعوث الصيني ووزير الخارجية الأميركي لإثيوبيا تدافعاً صينياً أميركياً نحو القرن الأفريقي، ما يبعث القلق على تداعياته لدى دول المنطقة.

وفي هذا الصدد، تتوقع الكاتبة المصرية في موقع "قراءات أفريقية"، روضة علي عبد الغفار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "يستمر الصراع الأميركي الصيني في هذه المنطقة، مع سعي الصين للمحافظة على مكانتها وتعزيزها من خلال توقيع عقود اقتصادية واستثمارية، بعد تغلغلها بقوة خلال السنوات الأخيرة في اقتصاديات الدول الأفريقية".

وتضيف عبد الغفار: "نجد أن أفريقيا أصبحت سوقاً واعدة للمنتجات والسلع الصينية، بالإضافة إلى المشاريع الكثيرة التي أنجزتها شركات صينية من تشييد الطرق، وبناء السكك الحديدية، والزراعة، وتدريب أعداد هائلة من موظفي دول القارة الأفريقية في مختلف المجالات وتخفيف الديون عن بعض الدول الأفريقية".


روضة علي عبد الغفار: الصين لا تريد أن تتفرّد أميركا بطرق الملاحة

وتعتبر عبد الغفار أن "هذه النقاط من شأنها أن تعزِّز وجود الصين في المنطقة، وتضمن لها أيضاً مزيداً من اكتساب الثقة داخل دول القارة، إلا أن الصين تتعرض لعدة تهديدات، أبرزها الانتقادات الكثيرة من الغرب التي تتناول النفوذ الصيني المتنامي في القارة، ودوره الاستثماري، وأيضاً زعزعة الاستقرار في بعض دول شرق أفريقيا التي استثمرت فيها بكين بقوة، مثل إثيوبيا التي تعرضت لاضطرابات عدة في الفترة الماضية، وهذا الأمر لو تكرر، من شأنه أن يعوق المشاريع والشركات الصينية فيها".

وتشير عبد الغفار إلى أن "الصراع الصيني الأميركي يبرز بالتحديد في جيبوتي، حيث للصين قاعدة عسكرية ولوجستية هناك، والهدف تأمين طرق الملاحة في القرن الأفريقي على مستوى خليج عدن، فضلاً عن تأمين سلامة الجنود الصينيين المساهمين في قوات حفظ السلام بدول أفريقية عدة. وفي جيبوتي أيضاً قوة عسكرية أميركية تضم 4 آلاف عسكري، فالصين لا تريد أن تكون الولايات المتحدة الوحيدة التي تسيطر على طرق الملاحة، لأنه يتعارض مصالحها. لذلك، فالقرن الأفريقي صورة حية للصراع الأميركي الصيني، لكونه منطقة استراتيجية".

وتتوقع عبد الغفار "استمرار الصراع الأميركي الصيني في أنحاء القارة وفي القرن الأفريقي تحديداً، لكن دول المنطقة قادرة على الاستفادة من هذا الصراع والخروج بأكبر قدر من المكاسب في هذا السياق، إذا حدث تعاون فيما بينها عبر تحديد استراتيجياتها".

المساهمون