دستور قيس سعيّد: فرض أمر واقع بقرارات أحادية

دستور قيس سعيّد: فرض أمر واقع بقرارات أحادية

06 مايو 2022
يؤكد خبراء أن لا حاجة لتغيير الدستور الموجود (أنيس ميلي/فرانس برس)
+ الخط -

في إطار المسار الأحادي الذي يقود الرئيس التونسي قيس سعيّد تونس لتأسيس ما يسميها "جمهورية جديدة" في تونس منذ قراراته الانقلابية التي بدأها في 25 يوليو/تموز الماضي، يبرز توجّهه لإقرار دستور جديد تحت شعار إصلاحي.

غير أن خبراء مختصين في القانون يحذرون من توجه سعيّد لفرض أمر واقع، وإقرار دستور جديد على المقاس، طالما أنه لا يتم إشراك فاعلين سياسيين في مسار وضعه، والأخذ بمختلف الآراء والتصورات. بل إن دستوريين يقولون إنه لا حاجة أصلاً لدستور جديد للبلاد، طالما أن دستور 2014 لم يمضِ عليه 7 سنوات، مشيرين إلى أن التسرع في وضع دستور جديد سيقود حتماً إلى الفشل.

وبحث سعيّد مع خبير القانون الدستوري العميد صادق بلعيد، في لقاء في القصر الجمهوري مساء الأربعاء الماضي، "جملة من المسائل القانونية والدستورية على وجه الخصوص، بالإضافة إلى موضوع تشكيل لجنة وطنية لتأسيس جمهورية جديدة".

وأكدت صفحة رئاسة الجمهورية أن سعيّد بيّن أن المشاركة "مفتوحة لكل من ساند مسار التصحيح يوم 25 يوليو 2021، وأن اللجنة العليا ستنقسم إلى لجنتين فرعيتين، إحداهما للإصلاحات الدستورية والسياسية، أما الثانية فستتولى اقتراح جملة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها".

تونس ليست بحاجة لدستور جديد

وتعليقاً على سعي الرئيس التونسي لإقرار دستور جديد، قالت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تونس لديها دستور، ولا حاجة لها إلى دستور جديد". واعتبرت أن "إعداد دستور بطريقة أحادية وعلى القياس ممكن حتى في ظرف أسبوع، ولكن إذا كان الدستور بطريقة ديمقراطية وتشاركية فلا بد من أخذ رأي كل الأطراف سواء كانت سياسية أو غير سياسية، وبالتالي فتحديد الوقت مرتبط بطريقة وضع هذا الدستور".

وأوضحت كريم أن "الدستور إذا وُضع بطريقة أحادية سيكون دستوراً شكلياً، فيما الدستور ليس مجرد كلمة فضفاضة، بل هو الفصل بين السلطات، وهو حقوق وحريات ودولة القانون، وبالتالي فهو ليس مجرد شكل أو حاوي نصوص، بل هو أيضاً محتوى".


كريم: الدستور يمكن أن يكون جاهزاً مسبقاً ووُضع منذ فترة وعملية الأخذ بآراء بعض الخبراء شكلية

واعتبرت أنه "في الظرف الحالي فقد أصبح كل شيء ممكناً، لأننا خرجنا من منطق الدولة والقانون ودخلنا في دولة الأمر الواقع"، مضيفة أن "رئيس الجمهورية وبصفة أحادية يمكن أن يقوم بكل ما يراه صالحاً وفق تقديره".

كما أكدت أن الدستور يمكن أن يكون جاهزاً مسبقاً ووُضع منذ فترة وعملية الأخذ بآراء بعض الخبراء شكلية". وبيّنت كريم أنه "في الوضع الحالي الذي نعيشه، فقد نكون أمام الأمر الواقع، حيث إنه لم يتم إلغاء دستور 2014 بطريقة قانونية لأن الدساتير لا تلغى إلا بالثورات، وصحيح يمكن تعديلها، ولكننا في الوضع الراهن لا ألغيناه ولا عدلناه".

دستور جديد لتغيير النظام التونسي؟

من جهته، أكد أستاذ القانون الدولي عبد المجيد العبدلي، أنه "من الممكن من الناحية القانونية والزمنية إنجاز دستور في ظرف وجيز جداً، أي أسبوع وربما أقل، وبالتالي لا وجود لفترة زمنية محددة لصياغة الدساتير".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لكي يكون الدستور شاملاً ومعبّراً عن تطلعات الشعوب، فلا بد من التوافق حوله"، مبيناً أن "الدستور لم ينص على الاستشارة الشعبية وإذا كان عدد المشاركين فيها ضعيفاً فلن تكون مقياساً لوضع الدستور الجديد، لأن الدستور يجب أن يحظى بالموافقة ويمثل العدد الأكبر من التونسيين ويكون شاملاً".

وشدد العبدلي على أن "الدستور لا يوضع بطريقة مستبدة وأحادية، هذا إن أردنا أن يكون ناجحاً"، مبيناً أن "وضع دستور يتطلب التوافق حوله، ولكن يبدو حالياً أن هناك تسرعاً في الذهاب نحو دستور جديد سيؤدي إلى تغيير النظام السياسي، ولكن هذا سيقود إلى الفشل".

ولفت إلى أن "صياغة دستور تتطلب وجود مختصين في القانون، ولكن أيضاً مشاركة عدة أطراف أخرى سواء في علم الاجتماع والنفس، أي في بقية العلوم، وبالتالي لا يصاغ الدستور بطريقة منفردة"، مضيفاً أن "الدستور الناجح هو الذي يصاغ بطريقة تشاركية وبموافقة واسعة".

ورأى العبدلي أن" التوجّه حالياً نحو نظام رئاسي غير مجد، فقد فشل هذا النظام منذ 1956 إلى 1987". وتابع أنه "في الوضع الحالي لا يمكن وضع دستور جديد، فالتسرّع ستكون نتائجه وخيمة، والدستور وحدة متكاملة بحسب الفصل 146، وبالتالي لا يمكن تطبيق الفصل 80 منه وترك البقية، فإما إنهاء العمل به صراحة أو العمل به كاملاً، ولكن للأسف نعيش لخبطة وتسرعاً".

وفي السياق نفسه، رأى أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، أن "سعيّد دخل مرحلة الارتجال لأنه لا يمكن كتابة دستور في أيام معدودة"، مضيفاً في تصريح لإذاعة "موزاييك" أن توجهات سعيّد "لا تؤسس للديمومة وهو يريد دستوراً على المقاس".

وقال الزكراوي: "ليس لسعيّد أفق واضح وتصور يجسد مساراً وطنياً، وعليه أن يتعامل مع معارضيه"، مؤكداً أن "ما يقوم به سعيّد يبني لمسار شخصي لا يضمن استمرارية الدولة، حيث لا تمكن كتابة دستور في أيام معدودات لأن هذه مسألة عبثية". وأضاف: "من الواضح أن سعيّد كتب دستوراً وشكّل لجنة لإضفاء مشروعية على ما كتبه، وقد خرج من حالة الاستثناء وتحرر من كل المبادئ القانونية، وهذا المسار لن يعمّر طويلاً".

دستور جديد في ظل الانقلاب

ويأتي سعي سعيّد لوضع دستور جديد في وقت أقصى فيه مختلف الأطراف الأخرى، وفي ظل إعلانه حل البرلمان وبعد وضع نفسه مسؤولاً عن السلطة التنفيذية. وفي هذا السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث عن دستور لا يستقيم من دون تحديد السياق، فقد تم تغييب الحديث عن 25 يوليو والإجراءات الاستثنائية".

وأضاف: "عوض العودة إلى مسار الدولة العادية، يتم الحديث عن دستور جديد، ولا يجب أن ننسى أن نقطة الانطلاق كانت تحت عنوان الفصل 80 من دستور 2014 وليس تحت عنوان مرحلة تأسيسية جديدة"، مؤكداً أن "ما يحصل هو انحراف بالفصل 80 وفي اللحظة والسياق العام".

المختار: عوض العودة إلى مسار الدولة العادية، يتم الحديث عن دستور جديد

وأوضح المختار أن السؤال المطروح هو: "هل نحتاج فعلاً إلى دستور جديد فيما لدينا دستور قائم لم يتم تقييمه؟"، معتبراً أن "هناك بُعداً انفرادياً في المسار التأسيسي الذي لا يُعتبر تشاركياً جماعياً". وتابع: "من ناحية الأسلوب فكل المؤشرات توحي أن المسألة قائمة على بُعد فردي، في حين أن الحاجة إلى الدساتير مجتمعية وتبنى في لحظات معينة".

وتساءل: "هل التأسيس هو لمشروع شخصي أو لمشروع مجتمعي؟"، مضيفاً: "نحن نشهد فرض نسق رئاسي ورغبة في بناء مرحلة تأسيسية أكثر مما تتحمّله المرحلة التي قد تتطلب تعديل الدستور لا وضع آخر جديد، وبالتالي هناك انحراف واضح في اللحظة، فالمرحلة السابقة تضمّنت سلبيات، ولكن لا يجب أن تتحول هذه الخطوة إلى مرحلة تأسيسية فردية".