جولة عطاف الإقليمية... تشاور سياسي أم تمهيد لمبادرة؟

جولة عطاف الإقليمية... تشاور سياسي أم تمهيد لمبادرة؟

11 فبراير 2024
عطاف في نيويورك، يناير الماضي (ليف رادين/Getty)
+ الخط -

أنهى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، جولة إقليمية، تشمل تونس وليبيا وموريتانيا، وسط تساؤلات عن طبيعتها وتوقيتها في علاقتها ببعض التطورات القائمة في المنطقة، وفي ظلّ تقديرات حول ما إذا كانت هذه الجولة تنطوي على مشاورات سياسية، أو أنها تتعلق بتصورات لمبادرة جزائرية للقاءات محتملة حول قضايا المنطقة.

وشهدت جولة عطاف تسليم ثلاث رسائل خطية من الرئيس عبد المجيد تبون، لكل من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في زيارته لنواكشوط الخميس الماضي، والرئيس التونسي قيس سعيّد عندما زار تونس في 2 فبراير/شباط الحالي، ولرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في طرابلس التي زارها في 3 فبراير الحالي.

حتى الآن وضعت بيانات الخارجية الجزائرية جولة عطاف ضمن إطار التواصل المستمر والتشاور المنتظم، والبحث عن المساهمات المشتركة في كل ما يدعم الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي، لكنها حملت في السياق نفسه جملة من الرسائل السياسية غير المعلنة.


بشير حويني: الجزائر تسعى لوضع نفسها في مركز متقدم لجهة المبادرة السياسية

وأكد عطاف من نواكشوط أن البلدين "يتقاسمان انشغالاً عميقاً إزاء ما يحيط بهما من توترات في بيئة إقليمية مضطربة، وفي هذا الإطار وبناءً على ما يجمع البلدين من مواقف مبدئية وتوجهات متجانسة وباعتبارهما موطني استقرار وأمن في منطقة أضحت عنواناً للااستقرار واللاأمن، فإنهما ستعملان على تكثيف جهودهما المشتركة من أجل التأثير بصفة إيجابية في مجريات الأمور، لما فيه خير لبلدان وشعوب جوارهما الإقليمي".

علاقات الجزائر بالجوار الإقليمي

تبدو طبيعة العلاقات الإيجابية على المستويات الثنائية، وهامش الثقة السياسية الكبيرة بين الجزائر مع كل من تونس وموريتانيا وليبيا بوضعها الحالي، عاملاً مشجعاً بالنسبة إلى الجزائر لمقاسمة انشغالاتها ومقارباتها بشأن مشكلات المنطقة وإمكانية اتخاذ خطوات ومبادرات مشتركة، سواء لمحاصرة التداعيات المحتملة، أو لبناء فرص تعاون جديدة.

وتبدو الجزائر مطمئنة إلى العلاقات مع تونس ومع سعيّد تحديداً، بصورة وصفها وزير الخارجية الجزائري بأنه "توافق سياسي كبير"، وتدعم الجزائر تونس على المستويات السياسية والاقتصادية. كذلك تظهر العلاقات الجزائرية الموريتانية في أرقى مستوى لها من التعاون السياسي والاقتصادي، تفسره الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين من البلدين في الفترة الأخيرة، وحزمة المشاريع الاقتصادية الجاري تنفيذها. وبالنسبة إلى ليبيا، طُوِّر الحضور الجزائري سياسياً واقتصادياً عبر فتح معابر تجارية وعودة شركة النفط الجزائرية ومدّ ليبيا بالكهرباء الجزائرية عبر تونس.

يعتبر المحلل السياسي الليبي بشير حويني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الرسائل التي وجهها الرئيس الجزائري في جولة عطاف إلى نظرائه في تونس وليبيا وموريتانيا، تبرز بالأساس محاولة من قبل الجزائر لوضع نفسها في مركز متقدم لجهة المبادرة السياسية وهندسة التصورات في المنطقة، وتحريك المياه الراكدة وتثمين قواسم وانشغالات مشتركة، بغضّ النظر عن إمكانية نجاحها في ذلك من عدمه".

ويضيف أن "هناك معطيَين يسمحان للجزائر بالمبادرة، أولاً كبلد محوري ومهم وذي ثقل إقليمي، وثانياً إن مناخ العلاقات بين الجزائر والدول الثلاث المساعد يوفر هامشاً كبيراً من الثقة، وهذا يقودنا إلى التفكير في أن توقيت جولة وزير الخارجية الجزائري لها غرض وضع الدول الأربع ضمن موقف موحد تجاه قضية معينة أو تجاه خطوات قد تتم في الأفق السياسي مستقبلاً".

على هذا المستوى، تذهب تقديرات سياسية إلى أن جولة عطاف، قد تُعَدّ تمهيداً من قبل الجزائر لمبادرات إقليمية محتمل طرحها في الأفق السياسي المقبل، تخصّ مشكلات المنطقة السياسية والاقتصادية وتحدياتها الأمنية، أو بوجود مقترحات سياسية جزائرية بشأن قضايا المنطقة وتحدياتها السياسية والأمنية وسبل معالجة الجمود القائم في مؤسسات التعاون الإقليمي، يجري التشاور بشأنه، قد تنجم عنه مبادرات مشتركة في الفترة المقبلة.

وانخرطت الجزائر منذ مدة في مسار يتوخى إعادة هندسة علاقتها بجوارها الجيوسياسي على قاعدة محددات مختلفة، لا تنحصر فقط في ما تقضيه الاستجابات الأمنية للمخاطر والتهديدات القائمة، بقدر ما تولي اهتماماً متعاظماً لتقوية علاقاتها بدول الجوار التي تشكل عمقها الاستراتيجي ومجالها الحيوي، ليس فقط من مدخل تعزيز العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، باستثناء المغرب، والرمي بثقلها الاستراتيجي.

مبادرة جزائرية عبر جولة عطاف

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "جولة عطاف الإقليمية والرسائل التي حملها من تبون لقادة هذه الدول، تشي بأن الجزائر تحضر لإطلاق مبادرة جديدة لبناء صيغة ما لتعاون جهوي جديد يقطع مع الجمود الحاصل على هذا المستوى ومع الجهة المتسببة فيه، ويمكّن دول المنطقة من التحرك مجدداً على درب التعاون الإقليمي الجاد والمثمر، يُبنى على مقاربات أكثر واقعية وبراغماتية تمكن هذه الدول من توظيف قدراتها البشرية والمادية وإمكاناتها الجيوسياسية في إنجاز عديد المشاريع لصالح المنطقة، وتزيد في قدرتها على التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجهها جراء التقلبات الإقليمية والدولية الحاصلة".

زهير بوعمامة: جولة عطاف تشي بأن الجزائر تحضر لتعاون جهوي جديد

ويضيف بوعمامة أن الجزائر "تريد اغتنام فرصة سياقات التقارب والتوافقات الواسعة والعميقة مع تونس وطرابلس ونواكشوط للمبادرة بفكرة بناء منظومة عمل تعاوني إقليمي جديد، يضم هذه الدول بعيداً عن الصيغ التقليدية المجمدة مثل (اتحاد المغرب العربي) والمتجاوزة لأسباب يعرفها الجميع".

ويلفت إلى أن "المنطقة تشهد فرزاً واضحاً في المواقف والخيارات بين هذه الدول بمعية الجزائر، لتحريك العمل المشترك في اتجاهات تخدم شعوب المنطقة ومصالحها، وبين أخرى فضّلت أن تأخذ خياراً مغايراً بالتحالف مع كيانات بعيدة وضد مصالح المنطقة وتطلعات شعوبها، بل يخدم أجندات تحاول جرّ دول المنطقة إلى مسارات ذات مخاطر عالية".