"تمجيد الإرهاب"... فزّاعة الملاحقات القضائية في فرنسا

23 مايو 2024
من تظاهرة في باريس دعماً لفلسطين، 18 مايو الحالي (فراس عبدالله/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في فرنسا، تزايدت الدعاوى القضائية ضد الأفراد بتهمة تمجيد الإرهاب، خصوصًا ضد المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، مما يهدد حرية التعبير ويخلق حالة من الغموض حول مصير المتهمين.
- التعريف الغامض لتمجيد الإرهاب يجعل من الصعب على المدافعين عن القضية الفلسطينية التعبير عن آرائهم دون خوف من الملاحقة القضائية، مما يؤدي إلى رقابة ذاتية وخوف.
- المنظمات المؤيدة لإسرائيل تستغل القانون لإسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل، مما يعكس تحيزًا في تطبيق القانون ويثير مخاوف بشأن حرية التعبير في فرنسا.

في فرنسا، هناك مئات الدعاوى التعسّفية المرفوعة ضد مواطنين بتهمة الإدلاء بتصريحات أو نشر تعليقات أو كتابات تدعم الإرهاب، وذلك بتشجيع من وزراء العدل والداخلية والتعليم العالي. وتظلّ معظم تلك القضايا غير محسومة، لكنها تهدّد مئات الأشخاص الذين يجهلون مصيرهم حتى الآن. والتهمة الحقيقية: التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.

"الآن تؤسس (إسرائيل) على الأراضي التي استولت عليها احتلالاً لا يمكن أن يدوم دون قمع واضطهاد وتشريد، وهو ما يولّد المقاومة التي تنعتها بعد ذلك بالإرهاب". هكذا صرّح الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول عام 1967، ولو كان قد أدلى بتلك التصريحات اليوم، لاتُّهِم بتمجيد الإرهاب وتمّت محاكمته.

تشهد فرنسا ارتفاعاً كبيراً في عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد أشخاص متهمين بارتكاب تلك الجريمة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. في 30 يناير/كانون الثاني 2024، ذكرت صحيفة لوموند[1] أن هناك 626 دعوى قائمة، من بينها 278 دعوى أقامها المركز الوطني لمكافحة الكراهية عبر الإنترنت. وقد بدأت بالفعل الملاحقات القضائية بحق 80 شخصاً، وبسؤال وزارة العدل عمّا إذا كانت تلك البيانات قد تمّ تحديثها، لم نتلقَّ أي ردود. ولكن بالبحث والتقصّي، تأكد لنا صدور عشرات الاستدعاءات الجديدة منذ 30 يناير.

وتطاول الاستدعاءات الجميع، سواء أكانوا مواطنين بسطاء أم مؤثّرين أم رياضيين رفيعي المستوى أم طلابا أم نشطاء مجتمعيين أم نقابيين أم زعماء سياسيين أم مسؤولين محليين أم نوابا برلمانيين، مثل الناشط أنس كازيب والصحافية سهام أسباغ والمرشحة في انتخابات البرلمان الأوروبي ريما حسن وزعيمة كتلة "فرنسا الأبية" في البرلمان ماتيلد بانو. وإذا كان بعض الأشخاص المستهدفين قد نعتوا هجمات حماس والجهاد الإسلامي بـ"حركات مقاومة"، قلما مجّد أحدهم صراحةً مجزرة السابع من أكتوبر أو احتفى بمقتل مدنيين إسرائيليين. ويعرّف الموقع الرسمي للحكومة الفرنسية service-public.fr تمجيد الإرهاب بأنه "الإتيان بجرائم إرهابية أو الإشادة بها"، وهو تعريف غامض وفضفاض يحتمل الكثير من التأويلات. هكذا يتم اعتبار أي حديث عن الاستعمار الوحشي الذي تمارسه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في محاولة لشرح السياق الذي قاد إلى هجمات السابع من أكتوبر تمجيداً للإرهاب. تقول المحامية دومينيك كوشان: "إن أي محاولة لشرح الأسباب والنتائج تُعتبر تمجيداً للإرهاب، وكأن كل شيء بدأ في السابع من أكتوبر، وكأن عقوداً من الاحتلال والجرائم الإسرائيلية التي سبقت هذا اليوم لم يكن لها وجود. يتم التعامل مع السابع من أكتوبر بوصفه نقطة الصفر. عندما يحاول البعض أن يشرح أن هذا الحدث لم يبرز هكذا من العدم، يكون الرد: إذا كنتم تدّعون أن مجزرة السابع من أكتوبر قد تكون نتيجة لشيء آخر، فأنتم تبرّرونها بطريقة ما. وهكذا يتحوّل الشرح إلى تمجيد. منتهى العبث".

لم يجد المدّعون المدنيون غضاضة في نقل الأخبار الكاذبة التي تبثها السلطات الإسرائيلية في ما يخص السابع من أكتوبر

"لقد تعاقبت فظائع الاحتلال غير الشرعي وتراكمت، وهو يحصد منذ السابع من أكتوبر ثمار ما غرس"، هذا ما ورد في بيان نشرته الكونفيدرالية العامة للشغل CGT في الإقليم الشمالي (منطقة ليل) بتاريخ 10 أكتوبر 2023. وقد تمّ تحميل الأمين العام لفرع النقابة المحلي جان بول ديليسكو المسؤولية الجنائية عن هذا المنشور، وأدين بتهمة تمجيد الإرهاب في 18 إبريل/نيسان 2024 وحُكم عليه بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وبتعويض قدره خمسة آلاف يورو للمنظمة اليهودية الأوروبية OJE، وهي واحدة من أغلظ العقوبات التي صدرت حتى يومنا هذا. وقد استأنف النقابي على الحكم.

تحقيقات موجّهة

تناصر نادية[2] القضية الفلسطينية منذ سنوات. في السابع من أكتوبر 2023، نشرت على صفحتها على فيسبوك منشوراً قالت فيه إن "أي فعل يُرتكب بعد 75 عاماً من الاستعمار والسلب والابتزاز هو نوع من المقاومة". وفي 10 أكتوبر، نشرت مقتطفاً (مع علامتي الاقتباس) من مقال في صحيفة لوبوان الأسبوعية يتضمن تصريحاً للمتحدث باسم "كتائب القسام" (الذراع العسكرية لحركة حماس) حذّر فيه من أن ما سيصيب السكان الفلسطينيين في غزة سيدفع ثمنه الرهائن الإسرائيليون.

بعد مرور عدة أسابيع، تلقت نادية مكالمة من رجل يدّعي أنه يعمل في شركة الكهرباء الفرنسية، يسألها عمّا إذا كانت في المنزل حتى يأتي لقراءة العدّادات. بعد انتهاء المكالمة، ساورت نادية الشكوك، فتواصلت مع الشركة التي نفت أن يكون أحد موظفيها قد تواصل معها، لتتأكد شكوكها. بعد عدة دقائق، تلقت مكالمة جديدة، تلك المرة من شرطي يطلب منها الحضور فوراً إلى مقر الشرطة. امتثلت نادية للأمر، وعلى الفور أرسلت الشرطة ثلاث سيارات إلى منزلها لتفتيشه، حيث تمّ التقاط صور لأغراضها الخاصة، من بينها سجادة صلاة ومصحف وكتب، وتمّت مصادرة جهاز الكمبيوتر الخاص بها. بعد ذلك تمّ حبسها احتياطياً وإحالتها إلى نيابة مكافحة الإرهاب حيث أمضت الليلة في زنزانة. تقول نادية: "ظننت أنها مراحيض. كانت قذرة للغاية، ظللت أتقيأ طوال الليل"... "هل تدركين أنك بمشاركتك تلك المنشورات تمجّدين مذبحة اليهود التي وقعت يوم السابع من أكتوبر، مع العلم أن هناك أطفالاً رُضّعا قُطعت رؤوسهم ونساء اغتُصبن؟". كان هذا واحداً من الأسئلة التي طرحها عليها الشرطي أثناء استجوابها مردداً معلومات مغلوطة، كما سألها عن طقوسها الدينية وعاداتها وحياتها الخاصة، وهي أسئلة وصفتها بـ"الموجَّهة" و"الشخصية" للغاية.

عملاً بنصيحة محاميتها السيدة كوشان، لم تنشر نادية شيئاً عن القضية. وأثناء المحاكمة، طالبتها المدعية العامة بدفع 300 يورو فحسب على سبيل الغرامة، وقالت لها: "أود أن تعلم السيدة أنها لا تحاكم اليوم من أجل مناصرتها لفلسطين، خصوصاً في ظل الأحداث المفزعة التي تحدث هناك". لم تتوقع نادية هذا. برّأتها المحكمة، ولم تستأنف على الحكم. أثناء إجراءات التقاضي، علمت نادية أنها كانت تخضع لمراقبة مديرية الأمن العام. ونظراً لتمتعها بسجل جنائي نظيف، لم ترَ أي سبب يدعو إلى مراقبتها سوى مناصرتها للقضية الفلسطينية.

عقوبة ثقيلة في مونبيلييه

لم يكن محمد مقني محظوظاً كنادية. قام عضو مجلس بلدية مقاطعة إيشرول الاشتراكي والبالغ من العمر 73 عاما بإعادة نشر مقال، من دون التعليق عليه، لوزير تونسي سابق يصف فيه هجمات السابع من أكتوبر بـ"أعمال مقاومة". وبالرغم من إدانته لما ارتكبته "حماس" من انتهاكات ضد المدنيين، تم استبعاد محمد مقني من عضوية الحزب الاشتراكي في إقليم إيزير وتجريده من صلاحياته البلدية، ولاحقه مكتب المدعي العام وحكمت عليه المحكمة الجنائية في 26 مارس/آذار بالسجن أربعة شهور مع إيقاف التنفيذ. في مرافعاتهم أمام المحكمة، لم يجد المدّعون المدنيون غضاضة في نقل الأخبار الكاذبة التي تبثها السلطات الإسرائيلية في ما يخص السابع من أكتوبر. على سبيل المثال، قال إيريك حطاب، محامي المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا Crif بمدينة غرينوبل، في مرافعته: "هذا أمر لا يقبل النقاش. إن شقّ بطن امرأة وحرمانها من رضيعها (...) هو بلا شك عمل إرهابي"[3].

تجذب القضايا المرفوعة العديد من الأشخاص الذين يريدون الادعاء مدنياً في الدعوى لكنهم في الحقيقة ليسوا طرفاً فيها، بل يحتلون المساحة ويحاولون التأثير في مسار القضية

أما أشد عقوبة شهدناها حتى اليوم فهي تلك الصادرة بحق عبدل، ناشط أربعيني من مونبيلييه، عاطل من العمل ويعاني من الاكتئاب. حيث حُكم عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ وبتجريده من أهليته للترشح لمدة ثلاثة أعوام، وبتعويض قيمته 3 آلاف يورو للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ومنظمة محامون بلا حدود في فرنسا وثلاث منظمات أخرى مدعية بالحق المدني، وتم إدراجه في الملف القضائي الوطني لمرتكبي الجرائم الإرهابية FIJAIT لمدة عشر سنوات، والذي يتطلب إخطار السلطات بمحل سكنه كل ثلاثة أشهر وبأي تغيير في محل السكن وبأي سفر خارج البلاد قبل 15 يوما على الأقل من السفر. وفي حال عدم امتثاله لتلك الأوامر، يُحكم عليه بالسجن لعامين إضافيين وغرامة قدرها 30 ألف يورو.

وكان عبدل قد وصف هجوم السابع من أكتوبر بأنه عمل "بطولي" وشكل من أشكال من "المقاومة" أثناء تظاهرة مناصرة لفلسطين. وقد أوضح أمام المحكمة أن كلامه اقتُطِع من سياقه في مقطع الفيديو المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي استندت إليه الدعوى القضائية المقامة ضده. وفقاً للصحافية سهام أسباغ التي كانت حاضرة في جلسة الاستماع يوم الثامن من فبراير/شباط، أوضح عبدل أن وصفه لما حدث يوم السابع من أكتوبر بـ"البطولي" لم يقصد به المذابح المرتكبة ضد المدنيين، وإنما مشاهد بعينها مثل تفجير نقاط التفتيش الأمنية المقامة في مدخل غزة. وأضاف قائلاً: "يجب أن نفكر من منظور مواطن فلسطيني يعيش تحت الحصار منذ 17 عاما". لكن عبدل لم يقنع المحكمة. في منطوق الحكم، قالت رئيسة المحكمة مبررة إياه أن "وصف الهجوم بالمقاومة يرقى إلى مرتبة تمجيد الإرهاب".

قضية وردة أنور

قادت الملاحقات القضائية بتهمة تمجيد الإرهاب إلى مواقف هزلية. تقول المحامية دومينيك كوشان في إشارة إلى قضية وردة أنور: "إذا طُرح عليكم سؤال عن واقعة لم تحدث وأوضحتم أنها لم تحدث، سيتم اتهامكم بتمجيد الإرهاب". نشرت وردة مقطع فيديو في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على منصة إنستغرام علّقت فيه على معلومة كاذبة أشاعتها الأوساط المؤيدة لإسرائيل تفيد بأن مقاتلي "حماس" وضعوا رضيعاً في الفرن. حيث علقت المؤثرة الثلاثينية ساخرة: "كلما أسمع قصة الرضيع الذي وُضع في الفرن، أتساءل: هل أضافوا الملح، الفلفل (...) الزعتر؟ ما هو الطبق الجانبي الذي قدموه؟"، وقد علّق طفل عليها قائلاً إنهم "أضافوا بلا شك الكاتشب على الطفل المطهي".

أحيلت وردة أنور إلى محاكمة عاجلة، وحُكم عليها بالسجن عشرة أشهر مع وقف التنفيذ ووضعها تحت المراقبة لمدة 24 شهراً، وبغرامة قدرها ألف يورو وإلزامها بردّ تكاليف الدعوى البالغة 500 يورو إلى كل من المدّعين المدنيين الستة، وبحضور "دورة تدريبية على المواطنة" لكي تتشرّب "قيم الجمهورية". أثناء محاكمتها، أقرّت وردة بأنها كانت "هوجاء"، وأنها أرادت فحسب التنديد بالـ"بروباغندا" و"التلاعب الإعلامي" الذي يُمارس. نقلاً عن مجلة ماريان الأسبوعية، عندما سألت القاضية وردة عما إذا كانت نادمة على هذا المقطع، أجابتها بعد لحظة صمت طويلة: "أنا نادمة على أن هناك من لم يتمتعوا بالذكاء الكافي لفهم المقصد الحقيقي من كلامي. لا أظن أنني ارتكبت فعلاً سيئاً. كنت هوجاء بالنظر إلى الوضع المتأزم، لكن لم تكن لدي نيّة إيذاء أي شخص أيا كان". وقد استأنفت محامية وردة على الحكم. من بين الحالات الأربع التي عرضناها للتو، لم يحصل على البراءة سوى نادية، وهي أيضاً الوحيدة التي لم تتضمن قضيتها ادعاءً مدنياً. هل مكّنت تلك السرّية المحكمة من إصدار حكمها دون ضغوط؟ على أي حال كانت تلك هي الاستراتيجية التي اتبعها دفاع المتهمة، وقد نجحت.

أما في قضية وردة، فقد تقدم النائب ماير حبيب (المحسوب على الجمهوريين) المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بطلب الادعاء مدنياً. تقول المحامية دومينيك كوشان: "عندما يتم الإعلان عن محاكمة مثل محاكمة شخصية مؤثرة كوردة، يجذب ذلك العديد من الأشخاص الذين يأتون للترافع مع المحامين ويريدون الادعاء مدنياً في الدعوى لكنهم في الحقيقة ليسوا طرفاً فيها، بل يحتلون المساحة ويحاولون التأثير في مسار القضية. لقد أتى ماير حبيب وألقى خطابه، تم إعطاؤه الكلمة حتى لو لم يكن مدعياً مدنياً. وقد رفضت المحكمة طلبه بالادعاء مدنياً لأنه لم يستطع الاحتجاج بوقوع ضرر شخصي".

قضايا عالقة

هؤلاء الذين مثلوا أمام القضاء سرعان ما علموا مصيرهم. لكن جزءاً كبيراً من قضايا تمجيد الإرهاب يظل غير محسوم حتى اليوم. تقول المحامية إلسا مارسيل: "إنه نوع من الطريق الثالث، حيث يتم استدعاء المتهمين لأخذ أقوالهم ثم صرفهم، ولا يتلقون بعد ذلك أي جديد. إنها طريقة لتسليط سيف ديموقليس على رقابهم من خلال فتح تحقيق ثم تركهم فريسة للشك والقلق حول ما إذا كانوا سيحاكمون أم سيتركون وشأنهم".

دفعت إيميلي غوميز ثمناً فادحاً نظير مناصرتها للقضية الفلسطينية. غوميز لاعبة كرة سلة سابقة في المنتخب الفرنسي وسفيرة أولمبياد باريس 2024، وقد "ركبت الموجة الأولى" على حدّ تعبيرها. حيث نشرت في التاسع من أكتوبر 2023 في حوالي الحادية عشرة مساء قصة على إنستغرام لخريطة فرنسا تغطيها ألوان العلم الفرنسي، الذي يتغير تدريجياً على مرّ السنين حتى يستبدل بالعلم الإسرائيلي، وسؤال: "كيف كنتم ستتعاملون مع هذا الموقف؟".

تتناقض تعليمات لوزارة العدل اليوم مع الإصلاح الذي قادته كريستيان توبيرا عندما كانت وزيرة للعدل

في حوالي التاسعة صباحاً، تلقت إميلي غوميز رسائل تبلغها باستياء ديوان الرئاسة فاضطرت إلى حذف منشورها الذي لم يَمضِ على وجوده أكثر من 10 ساعات. واصلت غوميز مهامها كسفيرة للألعاب الأولمبية لمدة واحد وخمسين يوماً دون متاعب، لكن الأمور انقلبت رأساً على عقب في يوم 30 نوفمبر عندما نشر حساب Sword of Salomon المناصر لإسرائيل، والذي يتفاخر بـ"الإبلاغ" عن مغردين على منصة إكس، صورة من القصة المحذوفة، لتبدأ سلسلة الأحداث التي ستؤدي إلى إجبار الرياضية رفيعة المستوى على تقديم استقالتها من منصبها.

سرعان ما استغل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا "البلاغ" الإلكتروني وطالب وزيرة الرياضة أوديا كاستيرا، علنا وبصفة شخصية، بـ"إعفاء إميلي غوميز من مهامها كسفيرة أولمبياد باريس 2024". هكذا شُنّت عليها حملة شعواء، ولكن في الكواليس ساد صمت تام. "كنت أرى حياتي على وسائل التواصل الاجتماعي. أرادوا تشويه سمعتي وإذلالي واغتيالي معنويا من دون أن أفهم ما هي تهمتي تحديدا". رفضت غوميز تقديم استقالتها دون أن تدافع عن نفسها، واضطرت إلى الانتظار حتى يوم 10 يناير/كانون الثاني لتتمكن من محاورة رؤسائها (خصوصاً وزيرة الرياضة) في اجتماع مرئي عبر الإنترنت، حيث تم إبلاغها بحزم بأن عليها الاستقالة "لأنها أخلّت بواجب التحفظ الذي يقتضيه منصبها".

وما زاد الطين بلّة الشكوى التي تقدم بها المكتب الوطني لليقظة ضد معاداة السامية BNVCA بحق الرياضية متهماً إياها بتمجيد الإرهاب. وفي الثامن من فبراير/شباط تم استدعاؤها إلى مقر الشرطة للإدلاء بأقوالها أمام الشرطة القضائية. بعد خروجها، استنكرت غوميز "القسوة" التي عوملت بها. وقد أكدت لنا في مقابلة معها بعد عدة أسابيع من الواقعة أنها ليست نادمة البتة على مناصرتها للقضية الفلسطينية، وقالت مبتسمة: "خذوا مني كل ما تعطوني إياه، ما يهمني هو ما لا يمكن أن يُسلب مني: كرامتي وقناعاتي".

وفي كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية EHESS، بدأت الاستدعاءات تتوالى في شهري فبراير ومارس رداً على تعليقات نُشرت في أول أكتوبر. وتؤكد سارة أنه "نفس التوقيت الذي شهدت فيه فرنسا سيلاً من الاستدعاءات الأخرى"[4]، مضيفة: "بعد مراجعة التواريخ، تبين لنا أن التدابير القضائية ضد مئات المواطنين والنشطاء والمنظمات السياسية بدأت في 30 يناير".

في الحرم الجامعي بباريس، تم استدعاء ستة أعضاء من الاتحاد النقابي "متضامنون" لنشره بيانا في الثامن من أكتوبر 2023 وصف فيه الهجوم الذي وقع في اليوم السابق بأنه "شكل من أشكال المقاومة": "إن أي إدانة لمقتل مدنيين إسرائيليين، دون الأخذ في الاعتبار آلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم الدولة الاستعمارية وآثار الاحتلال المستمر منذ نصف قرن، هي باطلة وغير محتملة".

تم استدعاء الطلاب المنتمين إلى النقابة بعد أربعة أشهر من نشر هذا البيان، وهو ما لم يكن متوقعا. تقول سارة: "يصعب علينا تصديق ما يحدث، لأنه حتى وإن لم نكن مذنبين، حتى وإن كنا واثقين من موقفنا، عندما نرى الاتهامات التي تنهال فوق رؤوسنا ندرك كم الهجوم الضاري الذي يمكن أن نتعرض له". حتى هذه اللحظة، ليس لدينا أنباء عن محاكمة مرتقبة: "نحن لا نعلم شيئاً تقريباً عن القضية لأن التحقيق ما زال جارياً. كل ما نعلمه حتى الآن أن الاتهام الذي استدعينا بسببه للإدلاء بأقوالنا في جلسات استماع حرة هو تمجيد الإرهاب عبر الإنترنت، وأن جهة الاستدعاء هي "مجموعة مكافحة الإرهاب" GLAT.

في 10 أكتوبر، أعلن رئيس كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية رومان هوريت أنه قدم بلاغاً إلى "منصة مواءمة البلاغات وتحليلها ومراجعتها وتوجيهها" Pharos ضد البيان، وأنه ينوي اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الطلاب. وقد حاولنا التواصل معه لكننا لم نتلق منه رداً. وفقاً لمنصة ميديابارت الإعلامية، فإن وزيرة التعليم العالي سيلفي ريتيو هي التي حرّضت على تقديم هذا النوع من البلاغات، حيث أرسلت في التاسع من أكتوبر بريداً إلكترونياً إلى رؤساء الجامعات ومديري المعاهد البحثية تأمرهم فيه بإبلاغ النيابة العامة بكل "تمجيد للإرهاب" وكل "تحريض على الكراهية والعنف والتمييز"[5].

تعليمات مشددة من دوبون موريتي

في منشور موجَّه إلى المدعين العامين بتاريخ 10 أكتوبر، شجع وزير العدل إريك دوبون موريتي الملاحقات القضائية من خلال التأكيد أن "أي تصريحات من شأنها حض الآخرين على الإشادة بجريمة تُصنَّف على أنها إرهابية أو بمرتكبها، حتى لو تم التفوه بها في إطار نقاش يتعلق بالشأن العام أو في إطار خطاب ذي طابع سياسي" تُعتبر تمجيداً للإرهاب كما هو مشار إليه في المادة 421-2-5 من قانون العقوبات. ويضيف الوزير: "وبالتالي، فإن الإدلاء علناً بتعليقات تشيد بالهجمات (...) وتقديمها على أنها مقاومة مشروعة لإسرائيل، أو بثّ رسائل علنية تشجع الناس على الإشادة بحماس أو الجهاد الإسلامي (...) هي أفعال يستحق مرتكبوها المحاكمة".

بيد أن هذا المنشور يتناقض مع الإصلاح الذي قادته كريستيان توبيرا عندما كانت وزيرة للعدل. حيث تضمن الإصلاح "منع إصدار تعليمات موجهة ضد فئات بعينها إلى النيابة العامة التي لا تعتبر هيئة مستقلة وتخضع لوزارة العدل"، وفقاً للمحامية كوشان. ومع ذلك، "تواصل الوزارة القيام بذلك من خلال إعطاء تعليمات تستهدف بشكل محدد وحصري الأفراد الذين ينتقدون السياسة الإسرائيلية". وهي ترى أن منشور دوبون موريتي يعد امتداداً للمنشورات التي تصدر منذ سنوات بشأن الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل، وخلاصتها: إذا رأيتم دعوات لمقاطعة المنتجات اليابانية أو الصينية أو الإنكليزية فلا مشكلة، أما بالنسبة للدعوات التي تستهدف المنتجات الإسرائيلية فلاحقوا أصحابها. والمنشور الجديد ليس بعيداً عن ذلك. لقد حضّ هذا المنشور المدعين العامين على فتح تحقيقات وعقد محاكمات "بشأن تصريحات لم تكن لتلفت انتباههم في المعتاد"، على حد تعبير آرييه آليمي، محامية جان بول ديليسكو. وتضيف قائلة: "ثم إن المعايير التي وضعها هذا المنشور تتجاوز التقييم التقليدي لمفهوم تمجيد الإرهاب. باختصار، يقول المنشور للمدعين العامين: يمكنكم اتخاذ إجراء سواء أكان ما قيل مقبولاً أم لا. افتحوا تحقيقات، حتى ولو لم تتبعها ملاحقات، فهذا سيهدئ الأمور. هدفنا تخويفهم وترهيبهم.

كما ضاعف وزير الداخلية جيرالد دارمانان عدد الإحالات إلى المدعي العام في الربع الأخير من عام 2023، ولا سيما ضد الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA) أو نائبة "فرنسا الأبية" دانييل أوبونو. نقلاً عن "ميديابارت"، تلقى المركز الوطني لمكافحة الكراهية عبر الإنترنت التابع للنيابة العامة في باريس في الفترة ما بين 7 أكتوبر و31 ديسمبر/كانون الأول 2023، 385 بلاغاً من وزراء ونواب وكل من يمكنه تقديم بلاغ، يتعلق حصرياً بالصراع الدائر في الشرق الأوسط.

من جرائم الصحافة إلى قانون كازنوف

وتندرج الملاحقات القضائية بتهمة تمجيد الإرهاب في إطار قانون كازنوف الصادر في 13 نوفمبر 2014، والذي استخرج جريمة تمجيد الإرهاب من قانون حرية الصحافة الصادر في 29 يونيو/حزيران 1881 لإدراجها في قانون العقوبات بهدف تغليظها. وقد تم رفع العقوبة من السجن خمس سنوات إلى السجن سبع سنوات وغرامة قدرها 100 ألف يورو عند نشر تعليقات تمجد الإرهاب على شبكة الإنترنت. كما تم تمديد فترة التقادم من سنة إلى ثلاث سنوات، حيث مرت ست سنوات منذ دخول القانون الذي ينص على تمديد فترات التقادم في القضايا الجنائية حيز التنفيذ في عام 2017.

منذ صدور قانون مكافحة الانفصالية عام 2021، أصبح من الممكن أيضاً إدراج الشخص المدان بتهمة تمجيد الإرهاب في الملف القضائي الوطني لمرتكبي الجرائم الإرهابية، وقد تُسحَب منه صفة لاجئ بعد إدانته. كما سهّل قانون كازنوف لعام 2014 حبس المتهمين احتياطياً وإحالتهم إلى محاكمة عادلة، ما أدى إلى مضاعفة عدد القضايا بشكل مذهل، حيث أصبح عدد الأحكام الصادرة منذ عام 2015 يقدر بالمئات بعد أن كان لا يتعدى حكماً واحداً سنوياً، وفقا لموقع "ميديابارت"[6].

لكن سياسة الحكومات الفرنسية المتعاقبة أثارت العديد من المخاوف. عام 2017، انتقد الحقوقي جاك توبون القانون الذي أدى تطبيقه إلى "مهزلة قضائية" بالانجراف في "ضبابية تتعارض مع حرية التعبير والإعلام"[7]. حيث حذر توبون، وزير العدل السابق المنتمي إلى اليمين، من "استهداف" قطاع من المواطنين". وفي عام 2022، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) فرنسا التي كان يرأسها العضو السابق في مجموعة العمل المباشر جان مارك رويلان، معتبرة أن هذا القانون المتعلق بتمجيد الإرهاب ينتهك حرية التعبير، والتي تعد أحد "الشروط الأساسية" لازدهار وتطور كل فرد في ظل مجتمع ديمقراطي، حتى وإن كانت الأفكار المصرح بها "مؤلمة وصادمة ومقلقة"[8]. وبحسب منظمة العفو الدولية: "تُستخدم جريمة تمجيد الإرهاب في كثير من الأحيان ذريعة لإسكات التعبير السلمي عن التضامن مع الفلسطينيين والفلسطينيات" مع خلق "أثر رادع".

وفقا لكوشان، يمكن أن تلقى تهمة "تمجيد الإرهاب" نفس مصير الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. في 11 يونيو 2020، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فرنسا مؤكدة أن الدعوة إلى المقاطعة تعد أحد أشكال حرية التعبير ومن ثم يتعين حمايتها. وتضيف: "قد ينطبق ذلك على العديد من الاتهامات بتمجيد الإرهاب والتي تهدف في الواقع إلى استغلال القانون للإضرار بحرية التعبير".

الدور الحاسم للمدّعين المدنيين

وتقف خلف الملاحقات القضائية بتهمة تمجيد الإرهاب بعض المنظمات المؤيدة لإسرائيل التي تقدم بلاغات بوصفها مدعية بالحق المدني، مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، أو المكتب الوطني لليقظة ضد معاداة السامية (BNVCA)، أو منظمات المجتمع المحلي أو المنظمة اليهودية الأوروبية (EJO). وتنشط تلك الأخيرة بالأخص في هذا النوع من القضايا، وهي المحرك الأساسي للعديد من الملاحقات القضائية بحق عشرات الشخصيات، من بينها الممثل الكوميدي غيوم موريس (تم حفظ القضية)، ولاعب كرة القدم يوسف عطال (حُكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ)، و(زعيم حزب فرنسا الأبية) جان لوك ميلانشون، ونواب "فرنسا الأبية" ماتيلد بانو ودانييل أوبونو، أو الحقوقية الفرنسية الفلسطينية ريما حسن. وبحسب "تشيك نيوز"، "تتألف تلك المنظمة بشكل أساسي من محامين" وتتمتع رئيستها مورييل واكنين بعلاقات وثيقة مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية. وقد حاولنا التواصل مع المنظمة لكنها لم ترد على أسئلتنا.

لا يتيح القانون للمنظمات المناصرة للقضية الفلسطينية إدانة تمجيد جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية

بعض المنظمات الأخرى أنشئت في السابع من أكتوبر 2023، مثل منظمة الشباب الفرنسي اليهودي، التي تتفاخر بنجاحها في إدانة جان بول ديليسكو من الكونفيدرالية العامة للشغل وتسعى لملاحقة عشرات الشخصيات بتهمة تمجيد الإرهاب. ولا يمكن للمنظمة الادعاء بالحق المدني إذ لم يمر على إنشائها خمس سنوات، لكن بوسعها تقديم بلاغ، ولا تتورع عن القيام بذلك. ويؤكد المتحدث باسم المنظمة رافائيل عطية بارنت قائلاً: "يقوم نهجنا على حثّ القضاء الفرنسي على اتخاذ موقف واضح في ما يخص التعليقات التي تمجد الإرهاب". وهو يدعي وجود "مئات الأعضاء المتطوعين"، ويؤكد أن رغبة منظمة الشباب اليهودي الفرنسي لا تتمثل في "فرض رقابة على كائن من كان": "إن التعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني الواضحة والتي لا جدال فيها ليست جريمة". ويضيف: "من الواضح أن فرنسا تشهد حالياً موجة من معاداة السامية لم يسبق لها مثيل في تاريخها. يبدو أن العنف الذي يتعرض له اليهود الفرنسيون هو نتيجة مباشرة للخطابات التي تشيطن إسرائيل. نتيجة لذلك، أصبح التطرف في معاداة الصهيونية آفة حقيقية تجتاح فرنسا".

مهنيون تحت الضغط

وبالإضافة إلى التدابير القانونية، لم يسلم منتقدو إسرائيل في فرنسا من التضييقات والضغوط المهنية. إذ يجري حالياً بحث مصير العديد من المحامين الممارسين من قبل لجنة الأخلاقيات بهدف إحالتهم (أو عدم إحالتهم) إلى اللجنة التأديبية. ويأتي ذلك بعد تلقّي شكاوى نقابية، أي أن يتقدم محامٍ بشكوى إلى نقابة المحامين ضد زميل له، حيث يتم تسليط الضوء على الواجبات الأخلاقية المتمثلة في الاعتدال وضبط النفس وحساسية المنصب.

ويؤكد أحد المحامين الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنه استُدعي على خلفية مشاركته منشورات تنتقد إسرائيل بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي: "مع كل ما يدور في فلسطين، فكرت للمرة الأولى أنه من واجبنا ألا نترك مؤيدي إسرائيل يحتلون الفضاء الإعلامي. أرى أن إسرائيل دولة تمارس البلطجة منذ عقود مع إفلات تام من العقاب، ولا أعلم لماذا لا يحق لي الحديث".

تشغل عالمة الأنثروبولوجيا فيرونيك بونتون منصب باحثة في المركز الوطني للبحث العلمي CNRS في وحدة تخضع جزئياً لإشراف كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. تشرف بونتو على حلقة دراسية بحثية حول المجتمعات الفلسطينية منذ أكثر من عشر سنوات، وفي الثامن من أكتوبر بينما كانت على حد تعبيرها "متأثرة بشدة بهجمات اليوم السابق وبحالة عدم اليقين التي غرقنا فيها"، طلب الطلاب المنتمون إلى نقابة "متضامنون" من فيرونيك أن ترسل إلى القائمة البريدية الإلكترونية الداخلية الخاصة بالمدرسة بيانهم الصحافي الشهير الذي سيكون سببا في استدعائهم لاحقا. قرأت الباحثة البيان سريعا وقامت بإرساله.

سرعان ما تلقت بونتون رسائل تحريضية من زملاء لا تعرفهم شخصيا ذهبت إلى حد إخبارها بأنها متعاطفة مع "داعش"، وأنها جاهلة، وأنهم يخجلون من انتمائهم لنفس المؤسسة التي تنتمي إليها، وكلام من هذا القبيل. بعد أن أعادت قراءة البيان بتأنٍّ، رأت فيرونيك أن اللهجة لم تكن مناسبة وأنها لم تكن لتكتب البيان بنفس الطريقة. ورغم قناعتها بأن القصة لم تبدأ في السابع من أكتوبر، إلا أنها بعثت برسالة مفادها أنها ليست كاتبة هذا البيان وأنها تدين مقتل جميع المدنيين.

في ديسمبر، اتخذت إدارة المركز إجراءات تأديبية ضدها متهمة إياها بـ"تمجيد الإرهاب" و"التحريض على الكراهية العنصرية" و"الإخلال بواجب التحفظ". بعد فترة انتظار طويلة، علمت في فبراير أنها تلقت تحذيرا من المركز الوطني للبحوث العلمية لإخلالها بواجب التحفظ. أسفرت هذه القضية عن رفض فيرونيك بونتون، المتخصصة البارزة في الشأن الفلسطيني، كافة المداخلات التي دعيت إليها بعد السابع من أكتوبر: "لقد فعلوا كل شيء لترهيبي، ونجحوا في ذلك. فكرت أن أي شيء سأقوله للدفاع عن نفسي سيتم تحريفه واستغلاله لزيادة الهجوم علي".

رامي سلمي طبيب فرنسي فلسطيني من أصل غزي، يعمل طبيب أشعة في مرسيليا ويمارس مهنته في فرنسا منذ عام 2006. في 22 يناير 2024، تم استدعاؤه من قبل مجلس إدارة نقابة الأطباء إثر رسالة أرسلها المرصد اليهودي في فرنسا قبل شهرين. وقد أرفقت بالرسالة بعض اللقطات من صفحة رامي سلمي على فيسبوك بها منشور يقول فيه: "لنحارب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني"، أو صور لجثث أطفال من ضحايا الحرب، نقلاً عن "لامرسياز" La Marseillaise[9]. وقد صرح رامي لوسائل الإعلام المحلية قائلاً: "ما زلت لا أفهم ما هي التهمة الموجهة إليّ"، مشيرا إلى أنه كان يتوقع دعما من مجلس نقابة الأطباء لأن عائلته تكبدت خسائر بشرية فادحة في هذه الحرب، وأضاف: "كنت أتوقع أيضا أن يقدم هذا المجلس الدعم للأطباء ومقدمي الرعاية الفلسطينيين الذين راحوا ضحية الجيش الإسرائيلي في غزة".

ولكن ماذا عن تمجيد الجرائم الإسرائيلية؟

أدلى العديد من المعلقين المؤيدين لإسرائيل بتصريحات مهينة وتقلل من شأن المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وأغلبهم يحلّون ضيوفا بانتظام على البرامج التلفزيونية، مثل ماير حبيب (الذي يصف الشعب الفلسطيني بأنه "سرطان")، وكارولين فوريست وسيلين بينا أو المغرّد على منصة "إكس" رافائيل انتهوفن. ولكن هل يتيح القانون للمنظمات المناصرة للقضية الفلسطينية إدانة تمجيد جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية؟ تقول مارسيل: "يجب أن يعترف القانون بجرائم الحرب والإبادة الجماعية حتى يمكن التنديد بتمجيدها. هذا هو الفارق بينها وبين جريمة تمجيد الإرهاب".

وبالتالي فإن أولئك الذين يعتقدون أن هناك معايير مزدوجة سوف يواجهون حقيقة مفادها أن حماس مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي، في حين أن إسرائيل ليست كذلك. لقد قامت القوى الغربية بصياغة القانون الدولي على نحو يجعل من الواضح أننا لا نستطيع محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين بنفس السهولة التي يُحاكَم بها مواطن في فرنسا لاعتقاده بأن حماس حركة مقاومة.

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar


[1] كريستوف عياد، "الصراع بين إسرائيل وحماس يدخل المحاكم الفرنسية: المزيد من قضايا تمجيد الإرهاب"، لوموند، 2 مارس/آذار 2024.
[2] تم تغيير الاسم.
[3] لوران جاليان، "الحكم بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة تمجيد الإرهاب ضد عضو مجلس بلدية إشيرول"، "فرانس بلو إيزير"، 20 فبراير/شباط 2024.
[4] تم تغيير الاسم.
[5] ماتيو ديجين ولوسي ديلابورت وماتيلد غوانيك ودان إسرائيل ومانويل ماغريز، "تمجيد الإرهاب: استدعاء ماتيلد بانو، الأخير في قائمة طويلة"، "ميديابارت"، 23 إبريل/نيسان 2024.
[6] المرجع السابق نفسه.
[7] جان باتيست جاكين، "جاك توبون: مشروع قانون مكافحة الإرهاب "حبة سامة"، لوموند، 23 يونيو/حزيران 2017.
[8] جان باتيست جاكين، "قضية جان مارك رويان: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين فرنسا لانتهاكها حرية التعبير"، لوموند، 23 يونيو/حزيران 2022.
[9] فيليب أمسيليم، "لا أفهم ما التهمة الموجهة إلي"، لامارسياز، 22 يناير/كانون الثاني 2024.

المساهمون