تجويع في فلسطين وأخواتها

تجويع في فلسطين وأخواتها

08 مارس 2024
جريمة التجويع متواصلة منذ سنوات في اليمن (يحيى أرحب/Epa)
+ الخط -

التجويع الناهش بالصغار والكبار في قطاع غزة يذكر بمثيله على الأرض العربية. فجريمة التجويع متواصلة منذ سنوات في اليمن والسودان وسورية.

ومثلما يتحدث خبراء الأمم المتحدة عن السياسة المنهجية للاحتلال في غزة المحاصرة، وباستمرار جرائم الإبادة، فإن السودان يعيش كارثة انعدام الأمن الغذائي لدى 18 مليون شخص، 5 ملايين منهم على شفا المجاعة، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وفي اليمن، عدا عن أن محافظة تعز تعيش حصاراً منذ نحو 8 سنوات، ينهش المرض والجوع أجساد الصغار، وقهر مفجع عند الكبار.

لا السودان ولا اليمن، ولا غيرهما، حيث ينتشر القهر، لقيا "هبة" عروبية من أنظمة جامعة عربية ومنظمة عالم إسلامي، حين قرروا في قمة الرياض قبل أشهر تصدير شعارات: كسر حصار غزة. حيث بقي الحال العربي كما هو: استعراضات إعلامية وأطنان من التحليل عن جرائم الاحتلال.

فالتذرع بالحصار، وإلقاء بضعة طرود جوية، حتى بمشاركة الأميركيين، حماة دولة الاحتلال، ليس سوى تعبير عن عجز وفشل إقليمي ودولي. فمن الذي يحاصر السودان مثلاً، ويمنع العرب من إنقاذ شعبه؟

لا يحتاج السودان ولا اليمن إلى "قمة عربية وإسلامية طارئة"، لأجل أن تشمر السياسة العربية عن ساعديها لإنقاذ الواصلين إلى حافة قهر الجوع. فمأساة التجويع في اليمن وحصار تعز باتا نموذجاً للانفصام المحلي والإقليمي في معظم القضايا العربية، وبينها فلسطين.

ليس العجز العربي هو عجز مالي، أو في قدرات تأمين الغذاء والماء والوقود والدواء، لمنع تحول الأجساد العربية إلى هياكل عظمية، بل في غياب الإرادة وفهم بوصلة المصالح، حتى بمنظور براغماتي خاص بالنظام العربي.

وغياب الإرادة ليس جديداً. سبق أن جربه السوريون خلال جرائم "النظام الوطني" بدمشق في التجويع، والانتهاكات الأخرى. ولعل قائمة محاصرة وتجويع وادي بردى والزبداني، وبقية ريف دمشق الشرقي والغربي، و "مخيم اليرموك"، الذي قطنته غالبية من اللاجئين الفلسطينيين، وصولاً إلى حوران وامتداداً إلى الجزيرة السورية والشمال الشرقي والغربي، تقدم أحد الأمثلة الأكثر سقوطاً وترويعاً عن الانفصام. والأمر نفسه يجري في فلسطين اليوم، مع مشاهد فرجة وتفجع لتعويم المسؤولية عن الجريمة.

فمساومة الضحية على اللقمة المغمسة بالدم لا تليق أبداً بالعربي، الذي ينتظر على الأبواب شهر رمضان، وخصوصاً حين تكون لفرض الاستسلام، وتحويل الجلاد إلى ضحية. فبينما دولة الأبرتهايد الصهيونية تسخر من الاتفاقيات والقوانين الدولية يواصل النظام العربي تمسكه بما يُفرض عليه لإطباق حصار شقيقه في غزة.

صحيح أن حرب الإبادة الصهيونية لها أهدافها بعيدة المدى في فلسطين، إلا أن ذلك لا يعني التخفيف من وطأة جرائم الحرب الأخرى، سواء بالحصار والتجويع أو القصف للتهجير والتغيير الديمغرافي، لأنها "جرائم وطنية".

بل لعل الأفظع في ارتكاب الجرائم من مليشيا تقاسم الفظائع في اليمن والسودان، أو "جيش وطن"، تحت طلب الهتاف لـ"سيد الوطن" من أجل زجاجة ماء في سورية، أنها تذكر فلسطين بتفاصيل انفصام السائلين عن المجتمع الدولي، بينما على مرمى حجر منهم تتداعى أجساد أطفال العرب، دون أن يرف لهم جفن مباركة بعضهم البعض بـ"حلول شهر رمضان"، الذي لم تتوقف فيه يوماً حالة الانفصام السياسي والجريمة المخزية.